الإسلاميون وتحدي النجاح في صناديق الاقتراع

لم يكن أحد يتوقع، قبل عام، بأن الربيع العربي سوف يفضي إلى صعود الإسلاميين في كل الدول العربية التي شهدت ثورات أو إصلاحات سياسية. وأعتقد أن الإسلاميين أنفسهم لم يكونوا يتوقعون أن يجدوا أنفسهم في دفة القيادة في هذه الدول. المفاجأة الأكبر جاءت من مصر، ليس بفوز حزب "الحرية والعدالة"، وهو الذراع السياسية للإخوان المسلمين التي أثبتت قوتها على الساحة سابقاً من خلال صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية للعام 2005، بل كانت المفاجأة الحقيقية في النتائج التي حققها التيار السلفي الذي يقود تحالفاً يضّم حزبي "الأصالة" و"البناء والتنمية" الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، والذي حصد خُمس المقاعد في الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب.اضافة اعلان
وغني عن القول وجود اختلافات جوهرية بين تيارات الإسلام السياسي في الدول العربية من حيث الفكر السياسي والبيئة السياسية التي نشأت فيها هذه التيارات. وبالتالي، ليس من الإنصاف وضعها كلها في سلّة واحدة. ولكن النجاح الباهر للإسلاميين في مصر يضعهم أمام تحديات تاريخية لا تقل أهمية عن التحديات التي جابهتهم خلال عشرات السنين من الرفض والقمع في ظل النظام السابق، إن لم تكن أكبر.
التحدي الأول يتمثّل في قدرة الحركات الإسلامية التي هي في الأصل حركات دعوية مارست السياسة، على التحول إلى أحزاب سياسية حقيقية محترفة تعتمد على برامج اقتصادية وسياسية واجتماعية مُحدّدة. إن هذا الانتقال يتطلب الفصل بين الجانب الدعوي والجانب السياسي، وحتى هذه اللحظة، فإن تكوين أحزاب سياسية منبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية لا يعدو كونه فصلاً شكليّاً، لأن الذي فاز في الانتخابات في مصر ليس حزب الحرية والعدالة أو حزب البناء والتنمية كأحزاب سياسية، وإنما جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية لبعدهما الدعوي والسياسي معاً. إن انتقال الحركة الإسلامية إلى المجال السياسي يمثّل تحديّاً للحركة، لأنها سوف تجد نفسها مضطرة من الناحية السياسية إلى التعامل مع القضايا الدنيوية الشائكة، مثل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي لن تحلّها الشعارات فقط.
أما التحدي الثاني، فيتمثّل في النموذج الإسلامي الذي سوف تتّبعه هذه الحركات أو تطوره كنظام حكم، فهل ستختار النموذج الإيراني أم التركي؟ إن جميع الخيارات من الأنظمة الإسلامية القائمة محدّدة، فالنموذج الإيراني لا يشكل نموذج ديمقراطية يمكن الاحتذاء بها، بالإضافة إلى الاختلاف المذهبي. وأنظار المراقبين تتجه أكثر إلى النموذج التركي الذي يحكم فيه حزب إسلامي معتدل في ظل نظام علماني ديمقراطي. ولكن يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية قد أخذتا موقفاً عدائياً من النموذج التركي، وكان ردّهما قاسيّاً على أردوغان عندما طالب الحركة الإسلامية بتبنّي النموذج التركي، علاوةً على أن النموذج التركي هو إفراز للدولة العلمانية والديمقراطية وليس بالعكس، أي ليس حزب العدالة والتنمية في تركيا هو الذي جاء بالنظام العلماني والديمقراطي، لا بل النظام العلماني والديمقراطي هو الذي جاء بحزب العدالة والتنمية.
أما التحدي الثالث، فهو التحدي الديمقراطي، الذي يتمثّل في قدرة الأحزاب السياسية الإسلامية على إقامة دولة ديمقراطية تحافظ فيها على الحقوق المدنية والسياسية لجميع الأطياف السياسية والاجتماعية وحقوق المرأة والأقليّات، وكيفية التعامل مع الأحزاب الليبرالية والعلمانية. النتائج الأولية للحركة الإسلامية (جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين) تشير إلى أنها حصلت على عدد مقاعد لا تحتاج معه لتحالفات أخرى كما حصل في تونس أو المغرب. ولكن قد يكون من الحكمة بمكان أن تتحالف الحركة مع التيارات السياسية الأخرى وعدم التفرّد والدخول في صراع مع مكوّنات مهمة في المجتمع المصري.
الحركات الإسلامية السياسية تعيش لحظة فريدة في العالم العربي، ونجاحها في صناديق الاقتراع يُمثّل لها فرصة وتحدياً: فرصة لبلورة نظام ديمقراطي مدني يستجيب لمطالب الثورة، أو محاولة تطبيق الشريعة الاسلامية، وتطوير نظام شمولي سيضعها في مواجهة مع المجتمع مرة أخرى.

[email protected]