التحديث الإسلامي المطلوب

كما كنّا ننتقد مواقف الحركة الإسلامية في عدد من المحطات على مدار عام من تفاعلات الحراك الإصلاحي، تقتضي الموضوعية أن ننظر بإيجابية إلى بعض التحولات في مواقف وسلوكيات الإسلاميين الأخيرة من برنامج الإصلاح السياسي الذي ما تزال فصوله تكتب. اضافة اعلان
في مراحل سابقة، صعّد الإسلاميون بغير وضوح ولا ضرورة، واستشاط منهم من استشاط، وكانوا يقولون لقواعدهم الشعبية ما تحب أن تسمع لا ما هي عليه الحقائق. وقد غلّبوا منهج المقاطعة على المشاركة، ما حرمهم والوطن من إسهامات كانت ستكون مؤثرة أكثر من كل مسيرات الجُمع. ولكنهم اليوم يميلون فيما يبدو إلى ربط حراكهم الشعبي والميداني بخطة سياسية وتفاهمات أكثر وضوحا للرأي العام والمراقبين. وقد قاموا بالتزامن بتوحيد خطابهم إلى حدود معقولة، وعقلنته نسبيا إلى درجات احتوت ما نشز من أصواتهم في السابق واستفز الدولة والرأي العام.
إيجابية تعاطي الحركة الإسلامية مع المشهد السياسي مهمة، وتؤهل الحركة لكي تقود مشهدا وطنيا إصلاحيا قد يؤول إلى تفاهمات وتغييرات تاريخية. ولكنها معنية بأن تندمج بعملية تطوير وتحديث داخلي تتماهى مع المرحلة القادمة بتداعياتها المختلفة. فالحركة الإسلامية ملزمة تاريخيا بأن تبدأ مرحلة تنوير مكثفة لقواعدها الشعبية حول ملامح المرحلة القادمة التي ستضطلع فيها بدور سياسي أكبر، وما هو نوع وحجم التغيير الذي سيكون مطلوبا إحداثه في فكر الحركة وسلوكها. وهي ملزمة أيضا بأن تندمج مع أطياف المجتمع السياسي الأردني الأخرى، وأن تتصرف كحركة سياسية كبيرة ومؤثرة في المشهد الوطني، لتجلب بالتالي أكبر عدد ممكن من الأطياف السياسية الأردنية لكي تسهم هي الأخرى في رسم المرحلة السياسية القادمة والتفاعل معها. وهذا لن يتأتى إلا إذا أوضحت الحركة الإسلامية رؤياها حول القضايا السياسية والعامة المطروحة أمام الرأي العام، والتي تؤرق قواه السياسية المختلفة، وبسعة صدر تبتعد عن الدفاعية والتشكيك في مواقف ومنطلقات الغير اللذين لجأت إليهما قيادات الحركة الإسلامية في غير مناسبة.
على قيادات الإسلام السياسي الأردني الدخول في التفاصيل البرامجية حول القضايا السياسية والدفاعية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة، وأن تغادر مربع التنظير الذي لا يمكن التعاطي معه من قبل المراقبين، فمرحلة المشاركة لا المعارضة تملي ضرورات الانتقال من النقد إلى اقتراح الحلول التفصيلية للمشاكل، تماما كما حدث في حالة الإسلام السياسي في المغرب الذي فصّل برنامجا مقنعا جعل أشد خصومه يحترمونه لأجله.
هذا لن يكون بالأمر اليسير، وقد يحتاج إلى عشرات المؤتمرات وورش العمل وجلسات العصف الذهني، ولكنه بدّ لا مناص منه تقتضيه متطلبات المرحلة السياسية الآخذة في التحول بسرعة. وجهد من هذا النوع سيكون ذا آثار متعددة، فهو سيهيئ الحركة الإسلامية لمرحلة المشاركة السياسية الكبيرة التي لا يبدو أنها مهيأة لها بعد، وسيريح الدولة الأردنية وأطياف المجتمع السياسي وقواه المختلفة بعد أن يعرفوا مواقف القوة السياسية الأكبر من قضاياهم العامة، وبالتالي يأخذون موقف المؤيد أو المعارض لها.

[email protected]