المدرسة والتطرف

تابعت، مثل كثيرين غيري، الجدل المتصاعد الذي أشّر فيه دارسون إلى اشتمال المناهج المدرسية على مواطن خلل خطيرة تفتح باب ثقافة التطرف على مصراعيه، وتضع أجيالا عديدة في مهب المجهول.اضافة اعلان
تغيير المناهج المدرسية، وتخفيف الغلو والتطرف فيها، قد يكون في رأس الأمور التي ينبغي اتخاذها إن أردنا محاربة الفكر المتطرف الذي يهدد اليوم استقرار المجتمعات، وليس الأردن استثناء من ذلك.
ولكن، هل يكفي تغيير المناهج لكي ننام في العسل، ونقول إننا صنعنا ثقافة مقاومة ضد التطرف؟
المشكلة ليست بهذه السهولة، خصوصا مع وجود معلمين تشربوا ثقافة الغلو والتطرف، وهم على استعداد لتعميمها على طلبتهم مهما كانت المناهج.
الأمثلة كثيرة على هذا الأمر، فمثلا؛ معلمة رياضيات في إحدى المدارس الحكومية تبيح لنفسها أن تقتطع من الوقت المخصص لتدريس المادة، من أجل أن تعطي الطالبات محاضرة في حرمة الاستماع إلى الموسيقا.
معلم لمادة التاريخ في مدرسة حكومية، يشرح عظمة التضحيات التي قدمها العرب خلال فترات زمنية مختلفة، ليأخذه الحديث إلى البطولات العربية خلال العدوان الثلاثي على مصر، وقصة البطل المسيحي جول جمال، فيتردد في وصفه بالشهيد أو الترحم عليه، ثم ليردف قائلا "والله إنه بطل.. بس يا خسارة مسيحي"!
لا يمر أسبوع، إلا ويستوقفنا أبناؤنا أمام أسئلة ينتابنا الغضب لمجرد طرحها على جيلهم، بعضها يستند إلى أحاديث ضعيفة أو خيال شعبي أو أساطير دينية، وجميعها ليست في المناهج، بل يتطوع المعلمون في المدارس المختلفة إلى اقتطاع أجزاء مهمة من حصصهم المقررة ليمارسوا أبويتهم على طلبتهم، بما يعتقدون أنه من أجل مصلحتهم.
المشكلة ليست في المناهج وحدها، بل في البنية الأبوية للمجتمع، والذي بنى عرفه الأخلاقي على مبدأ "احترام الكبير"، خصوصا عندما يكون هذا الكبير معلما، بما يحمله إرثه من قداسة، ليصبح بالتالي، وعند شريحة كبيرة من الطلبة، مصدرا للمعرفة، ومنزها عن اللغو والخطأ.
السؤال الذي نطرحه أمام معضلة مثل هذه، هو: في حال أزلنا جميع ما في المناهج من إشكاليات، وشذبناها بما يليق بديننا الحنيف، فهل سنستطيع لجم أولئك المعلمين من تمرير أفكارهم المتطرفة إلى أبنائنا؟ وهل نملك السلطة التي نستطيع من خلالها أن نجبر معلم الرياضيات أو العلوم أو الجغرافيا، مثلا، على أن يكون مخلصا لوقت حصته، وأن لا يستغلها لممارسة هوايته في الخطابة والتنظير ومنح صكوك الغفران وصكوك الإدانة؟
المشكلة الأساسية في المجتمع الذي انطبعت ثقافته بالتطرف والغلو، وبات أفقه ضيقا لا يقبل الاختلاف والحوار، بل يعتمد مبدأ الإلغاء والنفي واحتكار الحقيقة، ومصادرة رأي الآخر في الوجود وفي التعبير عن آرائه ومعتقداته، حتى لو كان ذلك الآخر شريكا في العقيدة أو الجغرافيا.
المحزن في هذا السياق، هو أن "مؤسسة المدرسة" التي ينبغي لها أن تكون عارفة أكثر من غيرها بـ"رسالة عمان" ومضامينها، وأن تعمد إلى نشرها وترسيخها في نفوس الطلبة، هي اليوم واحدة من المؤسسات التي تسهم في تنمية الفكر المتطرف وثقافة إلغاء الآخر.