جماعات عربية ليست مجتمعات بعد

من قال أنْ ليس للأزمات فوائد رغم مرارتها غالبا؟ فالشتاء السياسي العربي الولود للآن إنما يعني انسلاخا لأغصان أنقى رشحت من بذور مريضة أصلا، ولولا هذا الواقع المّر لما اندلعت الانتفاضات الحالية، متمثلين  قول العرب "الأمور بخواتيمها". ولا شك بأن الشتوات السياسية الشعبية المستمرة للآن قد بنت أمامنا مرايا ملساء كي نرى حقيقة أدائنا أفرادا وجماعات، ولا أقول في "مجتمعات" عربية ما تزال منشودة للآن وفقا لتقييم علم الاجتماع السياسي وأدواته المحايدة.اضافة اعلان
يرى المتضررون وأعوانهم أن هذه الشتوات السياسية والتطهيرية للمجتمعات من أدران السكون والأحاديات العربية غالبا، إنما هي دمار وانقضاض للعوام على المنجزات التي شيدها بعض الحكام الذين لم يفهموا رعاياهم وليس مواطنيهم، رغم مرور ثلاثين عاما كمتوسط لحكمهم على موارد أقطارهم، إما بالتوريث أو بالتبعية والتفليس ربما.
إن تصنيفات المواطنين لحكومات أقطارهم بأسماء رؤسائها فقط "حكومة فلان، من جماعة علان"، ليست إلا إشارة ضمنية بأنها حكومات جماعات وليست حكومات أوطان ككل، وما آليات عملها اليومي وسوء إدارتها المزمن للثروات الطبيعية والبشرية، سواء في الظروف العادية أو أثناء الأزمات ونتائجها الكارثية غالبا، إلا دليل مضاف على تسيد عقلية الجماعة وليس إدارة الدولة الأشمل. ولا ننسى كيف تسترضى الجماعات الحاكمة بعلاقاتها ومكوناتها الأولية والطائفية ضمنا، كما في ليبيا وسورية واليمن، بشكل واضح نتيجة لغياب مؤسسية الدولة كمدماك دستوري وقانوني أساس لأي مجتمع، وإلا كيف ولماذا تتخذ قرارات الحرب والسلم عادة؟ وأين هي أحقية الإنسان الغائبة رسميا في العيش والمشاركة ضمن مجتمعات مرتجاة ذات تعددية وحياة كريمة للإنسان الأغلى كما يفترض؟
تشير نتائج الدراسات العلمية والممارسات الحياتية في الغرب، كمركز مؤسسي وقائد لعولمة العالم وتحديثه، بأن ثمة مراحل أساسية يجب أن يمر بها التطور البشري للمجتمعات في هذه المعمورة. وتبدأ أولى مراحل التطور البسيط على شكل جماعات أولية "روابط عشائرية حاكمة توريثية للأبناء، علاقات جهوية أقل من حدود الوطن والمواطنة"، أي مرحلة ما قبل نشوء الدول. أما في المرحلة الثانية، فإن هذه الجماعات نفسها تأخذ في التطور والاتساع العلائقي ترابطا مع أشكال التنظيم الاقتصادي المؤسسي والقانوني بمجتمع واعد آخذ في التبلور، تحدد  فيه الحقوق والواجبات تحت مظلة المواطنة بالمعنى الدستوري، أي قانونية محسومة بمساواتها للمواطنين، ما يعني ضمورا واضحا لسطوة القائد/ الشيخ في الدولة القبيلة. فهل ضمرت هذه الممارسات في أنظمة الجماعات العربية حاليا في حقول الاقتصاد والسياسية والقوانين التي تتوالد كالفطر في أقطار عربية منتفضة؟ ثم كيف تكون نهاية هذه الجماعات عبر التاريخ، هل بالتفاوض أم بالإقصاء القسري لهم عن بالسلطة؟ وهل تستقيم، علميا وسلوكيا، هذه البنية العقلية المغالبة وغير المحاورة عربيا مع أطروحات المنتفضين المطالبين بمؤسسات مجتمع مدني في ظل جماعات ما تزال  قراراتها أقل من مساحة ومضامين المواطنة مؤسسيا؟
أخيرا؛ هل عرّى الشتاء العربي تشدقنا، عربا ومسلمين، بأننا أعضاء في مجتمعات حقيقية، في حين أن الكثير من سلوكياتنا، حكاما ومحكومين، ما تزال تنطلق وتسوّق وكأنها خاصة بجماعة ما وليس على اتساع  دولة ومجتمع ضمن عالمهم وعلمهم الغربي المنشأ والتصديرالذي جعلوه قرية صغيرة ضمن منظومة دوليه ملزمة؟ أما نحن فيكفي افتضاح زعمنا ما تؤكده علاقاتنا وقراراتنا في السلم والحرب عبر المؤشر الدموي التالي:
طبيعة الصراع على السلطة بين موالين ومعارضين في موسم الشتاء العربي الحالي، وامتناع المتصارعين حتى عن التفاوض وكأنهم يجسدون بذهنيتهم الإقصائية هذه مقولة "أنا وبس.. والآخر خس". حتى ولو ماتت أعداد هائلة من رعاياهم، ودمرت حياة كل الآخرين، فلا ضير ما دام الحاكم الملهم حياً أو هذه الجماعة مستمرة في السلطة وبالإكراه عادة!