"حالة البيئة" تعاني تهميشا مؤسسيا وثقافة غير معنية بالحفاظ عليها

فرح عطيات عمان- كشفت المسودة الأولية لمراجعة حالة البيئة للعام الحالي عن أن جسامة الضغوط الاقتصادية، وضعف الجهاز الرقابي والتراخي في إنفاذ القانون، وضعف الوزن السياسي لوزارة البيئة "حالت دون أن تسهم المشاريع المنفذة والمكتملة من وزارة البيئة بانخفاض شدة التلوث أو الحدّ من استنزاف الموارد الطبيعية المتجددة أو إلى حماية التنوع الحيوي من التدهور". وأظهرت المسودة، التي تأتي ضمن محور قطاعات البنية التحتية في تقرير حالة البلاد لعام 2019، الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي في جلسة عقدها الخميس الماضي، أن "النظم الطبيعية ما تزال تتعرض للتدهور المستمر ما انعكس سلبا على جودة الخدمات البيئية التي تقدم عدا عن إنتاجيتها". وتجسدت مظاهر هذا التدهور، وفق المسودة الأولية التي حصلت "الغد" على نسخة منها، في "تراجع الغطاء النباتي وتدني خصوبة التربة واستنزاف المياه الجوفية وخسارة التنوع الحيوي"، عازية ذلك إلى "ضعف الوعي المؤسسي بأهمية خدمات التنوع الحيوي، وقصور أطر الحوكمة، والعجز في دمج المعرفة العلمية في عملية صنع السياسات التنموية". وأشار التقرير الى وجود "حالة من التهميش المؤسسي الذي تعانيه وزارة البيئة، والذي أصبح عقبة حقيقية في وجه توسيع نطاق حماية صحة الإنسان وصون الأنظمة البيئية في الأردن، خاصة في سياق وطني وعالمي تتزايد فيه التهديدات والمخاطر البيئية بوتيرة قد تسبب تراجعا في المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية". وتشير مسودة المراجعة الى "وجود ثقافة في الدولة والمجتمع في الأردن غير معنية بالحفاظ على البيئة وغير مدركة للخدمات الاجتماعية، والاقتصادية التي تسديها الأنظمة البيئية، وغير متفطنة للواجب الأخلاقي تجاه حماية البيئة، مع تدني مستويات الأمية وارتفاع مستوى التحصيل التعليمي والنفاذ الواسع لشريحة كبيرة من الناس لشبكة الإنترنت". ولاحظت أنه مع إنشاء شبكة وطنية من المحميات الطبيعية، "إلاّ أن مساحتها لا تتجاوز 4 % من مساحة الأردن، في وقت يواجه المتنزه البحري الوحيد خطر الإلغاء، إلا أن التصنيف القانوني لها يكفل حمايتها من نشاطات التعدين التي تؤدي إلى تدمير الموائل والممرات البيئية والأنواع النباتية والحيوانية". وأظهرت مراجعة المسودة أن جهود رصد جودة الهواء المحيط في الأردن ومراقبته "تتسم بالمهنية والشفافية، ولكن ينقصها وجود استراتيجية وطنية لتخفيض انبعاثات ملوثات الهواء، مثل الجسيمات العالقة التي تجاوزت تراكيزها المعايير المنصوص عليها في المواصفة العالقة في جميع محطات مراقبة نوعية الهواء". وبين التقرير أن عملية صنع السياسات البيئية في الأردن "تعاني من حالة من عدم الاستقرار بسب تبدل أولويات المشرّع، ومن الممكن دراسة سياسة تشجيع أو عدم تشجيع اقتناء السيارات الهجينة أو الهايبرد لتوضيح حالة عدم الاتزان التي تشوب هذه العملية". وعرض التقرير لمجموعة من التوصيات لصانعي القرار في مجلس الوزراء ووزارة البيئة والمؤسسات الحكومية الأخرى للارتقاء بجهود حماية البيئة من بينها "تأسيس محكمة بيئية ورفدها بكادر من القضاة والحقوقيين الملمين بالعلوم الطبيعية والاجتماعية والمطلعين على الخطاب العام بشأن التحديات البيئية، مع رفع مستوى الوعي لدى الجهاز القضائي بشأن جسامة التعديات البيئية وآثارها على الموارد الوطنية والمكتسبات الاقتصادية والاجتماعية". ودعت التوصيات الى "مراجعة المواصفات الأردنية المتصلة بجودة الهواء وتحديثها بما يتوافق مع معايير منظمة الصحة العالمية، وتحديث كشف ملوثات الهواء المرصودة لتشمل الرصاص، وما يعرف بملوثات الهواء السامة"، مشيرة الى وجود عجز في قدرة الجهاز الرقابي على القيام بمسؤوليات التفتيش على أكمل وجه، وأن حجم الكادر المعني بذلك في الوزارة لا يتناسب مع حجم المسؤوليات الحساسة المنوطة به، الأمر الذي يتطلب تعزيز قدرات الجهاز ليكون أداة فاعلة للردع. ومن باب توسيع نطاق حماية صحة الإنسان وصون الأنظمة البيئية، أكدت ضرورة رفد وزارة البيئة بالموارد البشرية والمالية والفنية لتمكينها من تعزيز إمكانيات تنفيذ البرامج التنفيذية الحالية، ومن بناء قدراتها في التصدي للتحديات المستقبلية، وفي مقدمتها الحدّ من التعرض لانبعاثات العوادم الناجمة عن حرق وقود الديزل من خلال إعداد الأنظمة والتعليمات التي تحدّد معايير صارمة للانبعاثات، ما يستدعى ضرورة إنشاء وحدة لرصد تعرض الإنسان لفئات معينة من المواد الكيميائية ومراقبته، وخاصة تعرّضه للمواد المخلّة بعمل الهرمونات والمواد النانوية. وفي الجانب الرقابي دعت التوصيات الى تصميم برنامج أردني لرصد تراكيز المواد الكيميائية المخلّة بعمل الهرمونات في جسم الإنسان دوريا، وصياغة سبل لحماية المستهلكين من التعرض لهذه المواد الكيميائية والتوعية بالوسائل المتاحة لتجنبها وتغيير السلوك لدرء الأضرار، بحسب التوصيات. وأوجبت التوصيات على المؤسسات المختصة في الأردن حظر إنتاج المنتجات المحتوية على مواد نانوية أو استقدامها إلى أن يتم إعداد التشريعات المناسبة لها، مع الحاجة الى بذل المزيد من جهود حماية البيئة إلى الالتزام المؤسسي بالحدّ من التلوث، وتقييد استغلال المصادر المتجددة وتوظيف آليات تدمج بين توفير الحماية لعناصر البيئة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأشارت المراجعة الى أن الوضع البيئي هو "نتاج القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعصف بالمجتمع كله"، لافتة الى أن التوصيات المدرجة في هذه الوثيقة لن تثمر في الحدّ من التلوث أو تقيّد من استنزاف الموارد المتجددة، أو تحمي الأنظمة البيئية من مزيد من التدهور، ما لم تستطع الوزارة استرداد ولايتها السيادية في الحكومة.اضافة اعلان