حدود مشاركة الإخوان في الثورة المصرية وآفاقها

ليس أسوأ من محاولة تضخيم دور الإخوان في الثورة المصرية إلا محاولة الإساءة إليه، والتشكيك به بعد تبخيسه والتقليل من شأنه. وذلك لا يسيء للجماعة التي تصارع النظام منذ عقود، بقدر ما يسيء إلى دماء الشهداء والأحرار المرابطين في ميدان الحرية. وقد تمادى بعض المصابين بداء عُصاب الإسلاميين بسبب تواضع الجماعة العريقة الكبيرة وحرصها على حفظ الثورة جامعة لكل المصريين، وتجنبها الوقوع بفخ الترويج لخمينية جديدة، وهو ما جهد نتنياهو في الترويج له فزعة لحلفائه.

اضافة اعلان

كما بن علي، قال مبارك بصراحة في نداءات الاستغاثة التي أطلقها في مقابلته مع محطة "إيه. بي. أس" الأميركية إن البديل هو الإخوان المسلمون. وفاته استباق الإخوان لهذه الخطة بإعلانهم مسبقاً أنهم لن يترشحوا لانتخابات الرئاسة، ولن يزيد مرشحوهم على ثلاثين في المئة في انتخابات مجلس الشعب. وقبل ذلك جهد ميداني مضن اختلطت فيه الدماء مع الدموع قبل المشاعر والأفكار، بين الملايين المرابطين في ميدان التحرير من مختلف الألوان، دينيا وفكريا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا.

لا يحتاج الإخوان إلى شهادة من مرضى عصاب الإسلاميين، فمنذ بداية عهده لوّث مبارك يده بدمائهم، وقبل تضحيات الثورة، قضى القيادي التاريخي كمال السنانيري تحت التعذيب في زنازين أمن الدولة، وإلى اليوم لم تتوقف اعتقالات طالت الألوف من خيرة شباب مصر، من رجال أعمال وأطباء ومهندسين وأساتذة جامعات، ومكتب الإرشاد ومنه المرشد مر على زنازين أمن الدولة.

حرص النظام من البداية على إبعاد الإخوان عن حراك الشباب، وهدد صراحة باعتقال مكتب الإرشاد، تماما كما حرص الإخوان على عدم الهيمنة على التحرك الشبابي، وجاء الحل الوسط أن يشارك شباب الإخوان بوصفهم أفرادا في التحرك، وهم مدونون ونشطاء على الفيسبوك وتويتر.. وحصلت المعجزة! بعدها دخل الإخوان بكل ثقل وجسارة، وتقدموا الصفوف بمنطق الشراكة الوطنية الحقيقية لا الهيمنة والتفرد.

وفي الحوار ساد منطق الشراكة، ولم يرضخوا لتهديدات النظام ولا لابتزازه وإغراءاته، وأعلنوا في بيان صريح قبل اللقاء "نلتزم بأن يكون هذا الحوار شاملاً يستوعب كل القوى الوطنية والجماعات السياسية والأحزاب، وعلى رأسهم وفي مقدمتهم ممثلون حقيقيون للشباب، صاحب الفضل في هذه الثورة؛ حتى نُسمع صوتنا وصوت الأمة للمسؤولين، ونحدِّد لهم مطالبنا المشروعة العادلة". وحددوا سقفهم من خلال "إصرارهم على التمسك بمطالب الشعب، والتي أعلنها الملايين في مظاهراتهم العديدة المستمرة في مصر والعالم أجمع، وعلى رأسها تنحي رئيس الدولة، ومحاكمة المسؤولين عن إراقة الدماء في المظاهرات السلمية، وحل المجالس النيابية المزوَّرة، والإلغاء الفوري لحالة الطوارئ، وتشكيل حكومة وطنية انتقالية تتولّى السلطة التنفيذية".

إن الإخوان ملمح أساسي في الشخصية المصرية الغنية، وكل محاولات طمسهم قتلا وسجنا وحظرا لم تفلح، وقوة مصر أن تكون لكل أبنائها، وكل ألوانها. ولا حظر إلا على الديكتاتور وزبانيته الذين يستحقون محاكمة عادلة.