زيادة اليهود في إسرائيل لا تسد تراجع عددهم في العالم

بيّن التقرير السنوي الصادر مؤخرا عن "معهد سياسة الشعب اليهودي"، التابع للوكالة الصهيونية، أن أعداد أبناء الديانة اليهودية في دول العالم في تراجع مستمر، باستثناء إسرائيل. وهذا ناجم عن الاندماج في أديان أخرى، وتنامي ظاهرة الابتعاد عن الانتماء لليهودية.اضافة اعلان
و"معهد سياسة الشعب اليهودي" هو المعهد الأبرز في وضع استراتيجيات الحركة الصهيونية. أقيم في مطلع سنوات الألفين، ويضم شخصيات يهودية بارزة في العالم، ويشارك في رئاسته حاليا المستشار السابق للرئيس الأميركي دنيس روس. أما تقريره، فيصدر للسنة العاشرة على التوالي، مع تركيز على المسألة الديمغرافية، وبشكل خاص على مسألة مدى شعور اليهود في أوطانهم بالانتماء لليهودية، والحركات الصهيونية، والتماثل مع إسرائيل.
وتثبت الإحصاءات والمعطيات التي يعرضها التقرير، استمرار تراجع أعداد اليهود في العالم، وهم حاليا أقل من 14 مليون نسمة، بمن فيهم المتواجدون في إسرائيل. كما تظهر هذه الإحصاءات والمعطيات استمرار ظاهرة تراجع الشعور بالانتماء لليهودية ومؤسساتها، خاصة بين الأجيال الناشئة، ولاسيما في الولايات المتحدة الأميركية، حيث التجمع الثاني لليهود من حيث العدد بعد إسرائيل.
والقلق المركزي لدى الحركة الصهيونية وإسرائيل، من ظاهرة تراجع الشعور بالانتماء لليهودية، يتمثل في أنها تشكل خلفية قوية لشبه انعدام الاستعداد للهجرة إلى إسرائيل، ويضاف هذا إلى السبب المركزي الآخر في تراجع هذه الهجرة، وهو أن 90 % من أبناء الديانة اليهودية في العالم يعيشون في دول مستوى المعيشة فيها وظروفها، أفضل بكثير مما هي في إسرائيل.
أعداد اليهود
يعرض التقرير، كعادته، جداول بأعداد اليهود حسب القارات والدول. ووفق الاحصاءات المعترف بها إسرائيليا، وعلى مستوى الوكالة الصهيونية، فقد بلغ عدد اليهود في العالم، في العام الماضي 2013، ما يقارب 13.932 مليون نسمة، بزيادة بنسبة 10 % عما كان عليه هذا العدد في العام 1970، رغم أن عدد سكان العالم قد ضاعف نفسه تقريبا في هذه الفترة. وتشير التوقعات إلى أنه في العام 2020، قد يراوح عدد اليهود مكانه، أو حتى يتراجع قليلا، على ضوء استمرار تراجع أعداد اليهود في جميع دول العالم، باستثناء إسرائيل. وهذا ناجم عن تراجع معدلات الولادة، فيما السبب الأكثر تأثيرا هو "الزواج المختلط" بين اليهود وأبناء الديانات الأخرى.
وتؤكد سلسلة من التقارير أن الزواج المختلط بين اليهود وأبناء الديانات الأخرى في دول العالم، يتراوح ما بين 25 % كأقل نسبة، وصولاً إلى 80 % كما هي الحال في روسيا والجمهوريات المحيطة، بينما نسبة الزواج المختلط في إسرائيل تتراوح بين 3 % إلى 5 %. وفي غالب الأحيان يكون أحد الزوجين يهوديا لا تعترف المؤسسة الدينية بيهوديته.
ويتسبب الزواج المختلط بخروج الأجيال التالية من الديانة اليهودية التي تعترف باليهودي الذي والدته فقط يهودية، حتى لو كان والده ليس يهوديا. ففي حال تزوج اليهودي من غير يهودية، فإن أبناءه لا يُعدون يهودا. لكن تثبت تقارير أنه في حال تزوجت يهودية من غير يهودي، واعتبر أبناؤها يهودا، فهم غالبا يتبعون والدهم، ولا يعتبرون أنفسهم يهودا. ويضاف إلى كل هذا التوجهات العلمانية المتزايدة لدى كثير من المجتمعات اليهودية في أوطانها، وخاصة في الولايات المتحدة، كما يؤكد التقرير الأخير مجددا.
وأكبر تجمع لليهود في العالم هو إسرائيل، حيث بلغ عددهم في العام الماضي، قرابة 6.103 ملايين نسمة، مقابل حوالي 5.425 ملايين في الولايات المتحدة، وفق إحصاءات الخبير الديمغرافي سيرجيو ديلا بيرغولا، والمعتمدة في إسرائيل. ورغم أن إحصاءات العام الماضي كانت تتحدث عن 5.25 مليون يهودي أميركي، إلا أن التعديل لدى بيرغولا جاء، كما يبدو، في أعقاب تقديرات أكبر بكثير من معاهد أخرى، تشمل اليهود الذين لا تعترف المؤسسة الدينية بيهوديتهم.
وبحسب التقرير الأخير لمعهد سياسة الشعب اليهودي، فإنه يوجد في أميركا الشمالية 5.805 مليون يهودي، من بينهم 380 ألفا في كندا، والباقي في الولايات المتحدة. أما في أميركا اللاتينية، فيعيش قرابة 385 ألف يهودي، أكبر تجمع لهم في الأرجنتين، حيث يوجد 181 ألف يهودي، تليها البرازيل بـ95 ألفا، ثم المكسيك بـ40 ألفا، فيما يتواجد قرابة 40 ألفا في باقي دول القارة.
ويبلغ عدد أبناء الديانة اليهودية في القارة الأوروبية، باستثناء الجمهوريات السوفيتية السابقة، 1.134 مليون نسمة، أكبر تجمع لهم في فرنسا بـ478 ألف نسمة، ثم المملكة المتحدة بـ290 ألفا، فألمانيا بـ118 ألفا، ثم هنغاريا بـ48 ألفا، وفي باقي الدول الأخرى 200 ألف نسمة.
وفي الجمهوريات السوفيتية السابقة، فقد بقي فيها حالياً، بعد موجات الهجرة الضخمة إلى إسرائيل والعالم، والاندماج المتسارع في الديانات الأخرى، 289 ألف يهودي، من بينهم 190 ألفا في روسيا، و65 ألفا في أوكرانيا، وحوالي 35 ألفا يتوزعون في باقي الجمهوريات.
ويقول التقرير إنه في دول مختلفة من القارة الآسيوية، يعيش قرابة 20 ألف يهودي، إضافة إلى ما يقارب 75 ألفا في القارة الأفريقية، غالبيتهم الساحقة في جنوب أفريقيا (70 ألفا)، و2400 يهودي في المملكة المغربية، و2300 يتوزعون في دول عدة من القارة السمراء. فيما يعيش في القارة الاسترالية، نحو 120 ألف يهودي، من بينهم 112 ألفا في استراليا، والباقي في نيوزلندا.
وفي العام 2020، تشير التقديرات إلى أن عدد اليهود في جميع دول العالم سيتراجع بما يزيد على 310 آلاف نسمة، أي حوالي 4 % من اليهود في دول العالم حاليا، باستثناء إسرائيل التي سيزيد فيها عدد اليهود، من دون احتساب الهجرة، بنحو 440 ألفا، أي هي زيادة بنسبة 7.2 % خلال سبع سنوات. ويبقى التقدير النهائي بشأن العام 2020 مرتبطا بالجدل القائم حول أعداد اليهود في الولايات المتحدة؛ إذ وفق تقديرات العام الماضي، فإن عدد اليهود سيتراجع فعلا، ولن تكفي الزيادة في إسرائيل لرفع عدد اليهود في العالم.
تراجع الانتماء
يخصص تقرير "معهد سياسة الشعب اليهودي"، كما في تقارير سابقة، حيزا لمسألة مدى انتماء أبناء الديانة اليهودية في أوطانهم، لديانتهم وللأطر اليهودية، ومنها تلك التابعة للحركة الصهيونية، ومجموعات الضغط المساندة لها؛ وأيضا مدى اهتمامهم بإسرائيل من كل النواحي. وكانت تقارير سابقة تضمنت نتائج استطلاعات حول هذه المسألة، كان من أبرز ما بيّنته، هو الابتعاد المتزايد للأجيال الناشئة عن الاهتمام باليهودية وبإسرائيل. ويشير التقرير الحالي إلى وجود هذه الظاهرة، لكن من دون عرض معطيات كما كان سابقا.
ويطرح التقرير مجددا، مسألة من هو يهودي. وهي مسألة محل جدل تاريخي، يحتد في أحيان كثيرة، بين التيارات الدينية المختلفة. فيُحذر التقرير من حالة التّصلب التي تبديها المؤسسة الدينية اليهودية في إسرائيل تجاه التيارات الإصلاحية، ورفض كل عمليات التهويد التي تقوم بها. ويدعو إلى أن تبدي إسرائيل تفهما أوسع للتيار الإصلاحي المنتشر في الولايات المتحدة، الذي ترفضه المؤسسة الدينية في إسرائيل، أو حتى بعض الشرائع التي يطبقها هذا التيار.
ويشرح التقرير الرؤية اليهودية لكيان إسرائيل وارتباطه بالتوراة، الأمر الذي يجعل الاهتمام بإسرائيل مقياسا لمدى الانتماء للهوية اليهودية. كما يستعرض ما يسميه توق اليهود لقيام إسرائيل، والتي بحسب التوراة، يقيمها المسيح حين يأتي لأول مرّة إلى العالم. وجاء في التقرير هنا: "إن الوحدة الجماعية، حول الهوية اليهودية، بدأت تتراجع مع ظهور المجتمعات العصرية. والمتغيّر الأول كان بفصل الهوية الدينية عن الهوية المدنية والقومية. فكلما تحوّل اليهود إلى مواطنين في دول الشعوب الغربية العصرية، زادوا من تماثلهم السياسي والوطني مع الدول التي يقيمون فيها، وليس مع مملكة المسيح العتيدة (مملكة إسرائيل). ومن ناحية الدولة التي يعيشون فيها، فهم حافظوا على هويتهم اليهودية فقط من الناحية الدينية، وتبنوا هوية "ألمان أو فرنسيين أبناء دين موسى"، ولكن الهوية القومية الإثنية لليهود لم تختف كليا، وظهرت بالشكل الذي يلائم مكانتهم كمواطنين في الدول الجديدة". 
ويعتقد واضعو التقرير أن غالبية اليهود في الولايات المتحدة، يقصد أولئك المعترف بيهوديتهم أساسا، هم أعضاء في أطر كهذه أو تلك من الأطر اليهودية، أو يعبّرون عن انتمائهم "الديني والإثني". ويؤكد التقرير أنه في كل الدول الأوروبية وفي أميركا اللاتينية، ينعم اليهود بمواطنة كاملة، وعلاقة مباشرة مع الدول. وفي هذه الدول أيضا، هناك انتماء قومي بارز لدى غالبية تلك الشعوب، "ولهذا نرى أن لدى المجموعات اليهودية في تلك الدول شعورا قويا بالانتماء لليهودية، بينما في الولايات المتحدة الأميركية، فإن الانتماء القومي العام أضعف، فالهوية الأميركية ترتكز في الأساس على الالتزام بالقيم الأميركية، وبطريقة الحياة الأميركية، وهذا ما شجع اليهود هناك على الاندماج أكثر في المجتمع، وعلى الزواج المختلط".
وبحسب استطلاع موسع لمعهد "بيو" الأميركي، أجري العام الماضي، حول عدد اليهود في الولايات المتحدة، ومدى انتمائهم، فإن 80 % من اليهود البالغين، المعترف بيهوديتهم حسب الشريعة، يُعبرون بدرجة عالية أو أقل عن انتمائهم لليهودية، ويعيشون في بيئة يهودية، وتبلغ نسبة الزواج المختلط لديهم 34 %، ويقول 71 % منهم إن لديهم شعورا بالمسؤولية تجاه اليهود. وقال 91 % من الذين لديهم مشاعر تجاه إسرائيل (ونسبتهم 76 % من المستطلعين) إن الاهتمام بإسرائيل هو جزء جوهري من انتمائهم لليهودية.
غير أن الاستطلاع ذاته أظهر أنه على الرغم من تلك المعطيات، إلا أن الغالبية الساحقة من الأميركيين اليهود المعترف بيهوديتهم، ليسوا متدينين، إذ عبّر
31 % منهم فقط عن اهتمامهم بالشؤون الدينية، علما أن 10 % من اليهود في الولايات المتحدة هم متدينون محافظون، بمعنى أن 25 % من اليهود من غير المحافظين، مهتمون بالشؤون الدينية، مقابل 56 % من الشعب الأميركي عامة.
ويرى تقرير "معهد سياسة الشعب اليهودي" أن إحدى الرسائل المركزية التي يبثها استطلاع معهد "بيو"، هو أن 20 % من الأميركيين اليهود البالغين، يعتبرون أنفسهم من دون ديانة، وهم ليسوا على علاقة باليهودية، أو أن العلاقة ضعيفة جدا ومتأرجحة. ويرى 80 % من هذه الشريحة، أنه لا مشكلة لديهم بالزواج من غير اليهود، وأن يكون أبناؤهم ليسوا يهودا. ويقول التقرير: إن اليهود الذين يعلنون أنهم من دون ديانة، يشكلون اليوم 22 % من اليهود البالغين عامة. لكن هذه النسبة ترتفع إلى 33 % بين الأجيال الناشئة الجديدة من اليهود.
ويضم التقرير إلى هذه الشريحة التي تعتبر نفسها من دون ديانة، اليهود الذين لا ينتمون إلى أي تيار أو إطار جامع لليهود في الولايات المتحدة، وهم يشكلون 30 % من اجمالي اليهود؛ إذ تصل نسبة الزواج المختلط لدى هذه المجموعة إلى نحو 69 %، و"فقط" 31 % يبدون اهتماما كبيرا بإسرائيل.
وهذه المعطيات المتعلقة بالمجموعتين الأخيرتين، تعزز استنتاجات تقارير واستطلاعات سابقة، بأن نحو نصف الأميركيين اليهود ليسوا على علاقة بالمؤسسات اليهودية الدينية والسياسية-الصهيونية، وبين هؤلاء ترتفع نسبة الزواج المختلط، وتصل إلى 70 %، فيما هي بين اليهود الأميركيين عامة 50 %.