شتاء لـ"عام الرمادة"

كنّا ننتظر بشوق وشغف فصل الشتاء من كل عام، لنختبر من جديد زخات المطر الجميلة وهي تقرع أبواب قلوبنا، وتوقظ ما بداخلنا من مشاعر حب ودفء وحنان بعد فصول جافة وقاسية.اضافة اعلان
كنا نتلمس برودة الطقس الذي يأذن بسقوط الأمطار. وحينها نستعيد ما في الذاكرة من أيام جميلة لم نعرف طعمها إلا مع المطر ورائحة الأرض.
كان ذلك في شتاءات ماضية، لكن لشتاء هذا العام طعم آخر ومختلف، فكأنه جاف وقاس وفاقد لحنانه المعهود.
الدفء في عمان يغيب شيئا فشيئا الآن. فغلاء الأسعار يقف عائقا ما بين الاستمتاع بحبات مطر تدق نوافذ البيوت، والمستلزمات التي ينبغي تأمينها لتمضية هذا الشتاء، مرهقة، وبالكاد تطيقها عائلات آمنت بدفء المدينة الجبلية.
الشتاء لم يغير طباعه ومهمته في "تطهير" القلوب التي أصابها دنس الحياة. بيد أن أيادي كثيرة ارتفعت إلى مولاها بدعاء تأخير الشتاء لهذا العام، ليس كرها بحبات مطره اللؤلؤية، ولا من ريحه الرطبة، ولكن هربا من "فواتير" عديدة يجلبها معه "فصل الخير"، وتبدو هذه المرة كما لو أنها تضاعفت مرات ومرات.
 ثمة توجّس وخوف وترقب كبير لهذا الشتاء بالذات، ففي النفوس لوعة، وفي الأبدان وجع، وفي القلوب غصّات كثيرة، يحملها الناس جميعها لـ"قرار أليم"، برفع أسعار المحروقات، ما أحال الفصل الأجمل إلى "منبوذ" يهرب الناس من ملاقاته، ويهربون في خيالاتهم إلى أيام دافئة وجافة لا ترهق النفوس والجيوب.
الأسر باتت تختصر من اجتماعاتها، والأطفال عليهم احتمال قرارات الكبار، والنوم مبكرا بات حاجة أساسية، ليس حرصا على إعادة استخدام مواقيت الليل والنهار، وتنظيم الوقت بشكل صحيح، ولكن بهدف توفير الدفء القليل من عين "الصوبة" الواحدة.
المطر عجز هذا العام أن يشيع الدفء في النفوس كما كان يفعل دائما، فالطقس بارد والليل مظلم وحالك بآلامه التي تغرق محتاجين لجأوا إلى المدينة الجبلية، وغيرها من المدن الأخرى.
مشاعرنا متضاربة ومختلطة تجاه هذا الشتاء، ليس بوسعنا أن نكرهه، ولكن لم يعد بمقدورنا أن نحبه، فقد أتى في غير أوانه، ونحن ندرك تماما أنه لا ذنب له بأنه أتى في "عام الرمادة الأردني".
نعتذر لك أيها الشتاء لأننا لم نستقبلك كما يليق بك وببهائك. نعتذر لأننا تثاقلنا من قدومك، وبتنا ننتظر لحظة وداعك قبل أن تهلّ علينا. نعتذر لأننا لم نغنّ فرحا مع هبوب رياح، ولم نسافر مع حبات مطرك وننسج معها خيوط أحلامنا الدافئة.
نعتذر لك لأننا خذلناك وبقينا برفقة الحزن والألم، ونعتذر لأن زخاتك لم تروِ عطش صحرائنا.
يا إلهي، كم هو بارد ومظلم شتاء هذا العام!

[email protected]