عماد الضمور: قصيدة النثر أكثر تمثيلا لحراك إبداعي جديد

figuur-i
figuur-i

عزيزة علي

عمان - يقول أستاذ النقد والأدب الحديث في جامعة البلقاء التطبيقية د. عماد الضمور، إن قصيدة النثر تمتلك من الغنى والتنوّع ما سمح لكثير من النقاد دراسة القضايا الفنية والمضمونية الماثلة فيها؛ حيث سعت هذه الدراسات منذ البداية إلى تجذير الفوارق التي تميزها عن القصيدتين: العمودية والتفعيلة؛ إذ إن ولادة قصيدة النثر بشكلها الفني دفعت كثيراً من الدارسين إلى محاولة تعريفها، ورسم حدودها، بعدما احتفلت بالدّوال، واعتمدت عنصر التوتر بين المعنى واللامعنى مستندة في ذلك إلى قدراتها التخييلية العالية، وإيقاعاتها الداخلية المؤثرة.اضافة اعلان
ويرى الضمور، في مقدمة كتابه "شعائر النص تجليات قصيدة النثر في شعر نادر هدى"، الصادرة عن دار الآن ناشرون وموزعون، إن دراسة قصيدة النثر انطلاقاً من طبيعتها البنائية أمرٌ مهم لإبراز جمالياتها، وليس كما نريد أن ننظر إليها، وذلك بدراسة الإيقاع الداخلي الذي تنتجه اعتماداً على الصياغة اللغوية، والصورة الشعرية المنتجة للمعنى ضمن مفهوم التوتر المثير للمتلقي، والباعث للرؤيا الشعرية في فضاء حالم، ما يجعلنا نتبنى وجهة نظر نقدية جمالية تقوم على أسس منهجية واضحة وليست انطباعية جزئية.
ويوضح المؤلف أن قصيدة النثر تبقى أكثر تمثيلاً لحراك إبداعي جديد، يُنجز أسئلته بعيدًا عن القياسات والأُطر التقليدية، ويفتح صفحة جديدة تسمح للجسد المقهور أن يُنتج علاماته في حرب ثقافية هي الأقسى في تاريخ الشعر، فهي قصيدة ذات بنية سائلة في طبيعة التعرج والتشعب، فضلاً عن أن فضاءاتها اللغوية والإيقاعية مفتوحة، دون حدود أو قيود، وهذا ما يمكن الشاعر من التعبير عن تجارب داخلية معقدة ومكبوتة.
ويبين الضمور أن الشاعر الراحل "نادر هدى" يعد من الشعراء الأردنيين الذين واكبوا حركة الحداثة الشعرية المعاصرة، ورسخ مفهوم قصيدة النثر في إبداعاته الشعرية، بدءاً بديوانه الأول (مملكة للجنون والسفر)، الصادر العام 1984، ونهاية بديوانه الأخير (حدائق القلق) الصادر العام 2007، ومروراً بدواوينه الشعرية: مسرات حجرية (1985)، ولن تخلصي مني (1993)، وحبر العتمة (1992)، ومزامير الريح (1993)، وعالم لست فيه (2000)، وكذلك (2001)، وأنت (2004)، وسأعدُّ أيامي بموتكِ (2004)، وأروى (2006)، ونار القرى (2007)، فضلاً عن سيرته الإبداعية مشارب الرَّهبة، الصادرة العام 2009.
وفي تصريح لـ"الغد"، يقول الضمور حول التميز في قصائد الشاعر: "ترتكز قصائد هدى على رؤية، تمثل وعياً كتابياً حركياً، تنطلق من الحياة باتجاه الذات، ومن الحضور إلى الوجود، ما يجعل القصيدة، على حد تعبير الناقد المغربي "محمد مفتاح"، تنهض بوصفها فعلاً تحررياً، مستنداً إلى الوعي، وإلى ذات مبدعها، فضلاً عن أصالتها في خطابها مع الآخر".
ويضيف الضمور "استطاع الشاعر، من خلال إصداراته الشعرية، أن يلفت الأنظار إلى تجربة شعرية خصبة؛ أثبتت أحقيتها بالدراسة، فنجد جهود بعض الدارسين قد اتجهت لدراسة شعره أمثال: حفناوي بعلي في كتابه (الحداثة الشعرية وفاعلية الكتابة- دراسات في تجربة نادر هدى قواسمة الشعرية)، ومحمد خرماش، ويوسف بكّار، وإبراهيم خليل، وهادي نهر وغيرهم ممن قدموا لمجموعات هدى الشعرية، وأشاروا إلى أهمية دراسة تجربته الشعرية".
وأوضح الضمور أن الدراسة أظهرت قيام علامات الترقيم في شعر نادر هدى بوظائف متعددة، تندرج ضمن مقدرتها التعبيرية، وانعكاساتها التأويلية التي أدخلت نصوصه في سياقات فكرية منتجة للمعرفة، وكاشفة عن نظام لغوي مُحكم، تخضع له قصائد الشاعر، يتنامى فيها البياض، ليغطي مساحة واسعة من نصوصه، ما منح ألفاظه طاقة دلالية، تتقلص معها درجة المباشرة في التعبير، وتتعالى النبرة الشعرية التي تربط توتر النص بتوتر الذات الشاعرة.
ويحتوي الكتاب على مجموعة من الدراسات التي قام المؤلف بكتابتها حول تجربة نادر هدى الإبداعية؛ إذ سمح تنوعها من ناحيتي الشكل والمضمون بنشرها في كتاب مستقل يتناول تجليات قصيدة النثر في إبداع نادر هدى.
الدراسة الأولى تناولت (تشكلات "هدى" في شعر نادر هدى)، بعدما أصبحت "هدى" أيقونة مهمة، وبؤرة مركزية توجه إبداع الشاعر نحو فضاءات حالمة؛ إذ يلمس المتأمل في شعر نادر هدى كثافة حضور "هدى"، في نصوصه، ما منحها أبعاداً دلالية خصبة، حفزت على الكشف عن طبيعة هذا الحضور الخصب، وأثره الفني في شعره، وبيان طبيعة انعكاساته الفكرية.
الدراسة الثانية جاءت؛ لتبحث في التشكيل الفني لقصيدة النثر؛ بهدف الوقوف على الأثر الذي تؤديه علامات الترقيم في إحداث الإيقاع الداخلي لقصيدة النثر، وقد توقفت هذه الدراسة عند مجموعة من الوظائف الفاعلة لعلامات الترقيم في شعر نادر هدى، وبيان فاعليتها النصية.
ولما كان البعد الصوفي في الشعر المعاصر يعكس رؤى فكرية خاصة، تُفصح عن خطاب إبداعي متحفّز، يُصاغ بنبض الروح، وأفق الوجدان الجامح، المفعم بحالة التوحد مع الذات الباحثة عن الحقيقة، وكشف كينونة الوجود، جاءت الدراسة الثالثة؛ لتكشف أثر المتخيل الصوفي في ديوان (أرْوَى) مبرزة أهم تجليات الصوفية في الديوان.
وخلص الضمور إلى أن قصيدة النثر الحديثة بتقنيات جديدة استعانت؛ لبناء تراكيبها اللغوية، وبيان صورها الفنية، مثل: السرد، والتكثيف، والتشكيل الإيقاعي للكلمات، والجمل، واستثمار الفضاء الطباعي، وأصبح البحث في المعطيات البصرية المكونة للفضاء النصي ركناً مهماً يُضاف إلى أبعاد التجربة الشعرية المعاصرة. فعلامات الترقيم تقوم بفك الاشتباك الدلالي بين الكلمات، أو الجمل، ما يعني أن غيابها، أو توزيعها في أرجاء النص بطريقة ما، يؤدي إلى عملية تأويل مرتبطة بإبداع النص، ومكملة لرغبات الشاعر، التي تكشف عن نشاط لغوي، يسعى إلى توظيف ناجح لإمكانات اللغة، والعلاقات التي تنشأ بينها.