سخنيني تخط روح الفلسطيني وعذاباته في "الأعمال السردية الناجزة"

a2121204-f377-466a-80dc-a97ade40acf8
غلاف الكتاب
عمان- صدر عن دار العائدون للنشر والتوزيع، "الأعمال السردية الناجزة" للكاتبة الروائية والقاصة لمى سخنيني، يضم المجلد مجموعتها القصصية "تنويعات على وتر منفرد"، ورواياتها الثلاث: "دير اللوز تكسر أصفادها وتعانق الحلم"، "زائر الأبدية المنسي"، و"هكذا صرتُ ملاكا".اضافة اعلان
على غلاف المجلد كلمة جاء فيها: "لمى سخنيني الروائية والقاصة في هذا المجلد تكتب القصص والروايات بماء الروح. تكتب فلسطين، ولا تكتب عنها. تكتب روح فلسطين، وروح الفلسطيني وعذاباته، في وطنه وفي منفاه الإجباري. هنا يحضر الريف الفلسطيني بملامحه ومعالمه شديدة الحميمية والبراءة، من جهة، وتحضر الجامعة والعلاقات الشائهة في المؤسسة الأكاديمية، وهي جزء من تجربتها، فهي أستاذة الفيزياء التي عملت في التعليم الجامعي، بين الجامعات الأردنية وجامعة البحرين، لعقود من السنوات، من جهة أخرى. وسخنيني تكتب عوالمها الروحانية الخالصة النقية. عوالم تنقلها من حالة بشرية تماما، إلى حالة ملائكية تماما، وفي كلتا الحالتين، الفلسطينية الوطنية والاجتماعية والثقافية، والروحانية الصوفية، تبقى الكتابة هنا تنطلق من ذات متمردة على السائد، ذات تسعى إلى التحرر من المألوف، فتنتج "حكاياتها" التي تمتلك الهوية والخصوصية".
الشاعر عمر شبانة كتب عبارات "بمثابة التقديم"، يشير فيها إلى أن سخنيني تتمتع بقدرة عالية على استلهام الواقع وسرده، في الوقت نفسه الذي تمتلك إمكانية إطلاق طاقة الخيال الموظف لخدمة السرد. ضمن تجربتها متعددة الجوانب والاتجاهات، قدمت سخنيني، على مدى السنوات الثلاث الماضية، روايتين ومجموعة قصصية، تمزج فيها بين الواقعي والحلمي، بين التاريخي والأسطوري والراهن.
وعن اللغة، يقول شبانة "تلتقي السردية النثرية المباشرة، مع لغة ذات طبيعة شاعرية وحالمة ورومانسية، بل ذات طابع روحاني أيضا، ما يجعلنا أمام كتابة خاصة، هي على قدر من الرمزية في أبعادها الإنسانية والوطنية المتعلقة بفلسطين بوصفها فردوسا مفقودا. هذا فضلا عن عملها الأكاديمي "الذي تقاعدت منه مؤخرًا"، نظريا وعمليا كما سنبين لاحقا، حيث تستحق التجربة الوقوف على جانبيها الأدبي والعلمي في آن واحد".
تجمع سخنيني، الفلسطينية الأصل- البحرينية الجنسية والإقامة، بين جوانب تبدو شديدة التباعد والاختلاف، حد التنافر كما يمكن أن يبدو للبعض، حيث من غير المألوف، ومن النادر، التقاء العلم والأدب والفن في شخصية/ تجربة واحدة، فالعلم عقل مجرد تماما من أي عاطفة أو مشاعر، فيما الأدب والفن يستندان أساسا إلى العنصرين المذكورين، فضلا عن الخيال والقدرات اللغوية، من دون التخلي عن العقل بالطبع. فكيف جمعت هذه المبدعة ما يصعب جمعه، وكيف غدت هذه العوالم في شخص لمى وتجربتها شديدة الترابط والتناغم والانسجام؟
وعن عوالم السرد عند سخنيني، يبين شبانة أنها تبني عالمها السردي، القصصي والروائي، بأسلوب أقرب إلى الواقعية الكلاسيكية، من دون أي خروج في اتجاهات السرد الحداثي، والمغامرات اللغوية والشكلانية، حيث النمو الخيطي القائم على بناء حكاية ذات خيوط واقعية، لكنها لا تخلو من مفردات المتخيل والغيبي، حيث ينطلق الشبَح والولي والدرويش ويحتلون مكانة بارزة في السرد. فيما يلعب "التشويق" دورا في بناء الحدث دراميا وموضوعيا لنتابع مصائر الشخصيات بهدوء حينا، وبقدر من اللهاث حينا آخر. فأبرز ما يميز السرد هنا هو الغوص في التفاصيل لبناء شخصية بملامح متكاملة ومقنعة. أما عن الشخصيات، وبنائها ومكوناتها الأساسية، فيشير شبانة إلى أنه غالبا ما تنحو سخنيني نحو "التنميط" و"النمذجة"، لتكون صالحة للتعبير عن شريحة أو فئة من البشر، ولا تحتمل الكثير من الغوص في الخصوصية الفردية للكائن. لكننا نلمس قدرا من الخصوصية، في ما يتعلق بشخصية "جبرا" في رواية "زائر الأبدية المنسي". هذه الشخصية المركبة والمتقلبة إلى حد ما، فهو شخص ذو طبيعة "أنانية" فردانية وعُزلوية من جهة، لكننا سرعان ما نكتشف امتلاءها بالوطن وهمومه من جهة أخرى، خصوصا حين يتعلق الأمر بارتباطه مع شخصية "مريم" ذات الخلفية والجذور الوطنية.
وتحتشد كتابات سخنيني بعوالم وشخوص مختلفة ومتباعدة، وتنتمي إلى بيئات ومدن وأمكنة مختلفة أيضا، من الريف والفقر والجهل، إلى الجامعة ومناخاتها العلمية، التعليمية والبحثية، التي تعكس بيئة الكاتبة نفسها، وما بينهما نلتقي في بيروت ومقاهيها وأجواء "المقاومة"، بنماذج وشخصيات وقصص، ثم تأخذنا إلى عمان في أزمنة عدة، من زمن "أيلول" وحربها الدامية، إلى زمن المدارس والجامعات. وتنتقل بنا إلى فلسطين، حيث مصير "مريم" وقبرها، وقبل ذلك نشاهد قرى فلسطين وهمومها، ونلتقي حتى بعملاء يخونون بلادهم وقضيتهم.
وعن القضايا والهموم التي تتناولها سخنيني في كتاباتها، يقول شبانة "تبرز هموم المرأة ومعاناتها في ظل التخلف الاجتماعي، وإننا لنستطيع أن نلمح هنا رؤية إنسانية لا تميز بين رجل وامرأة، حتى إن اتخاذ شخصية "جبرا" مركزا لروايتها الأخيرة، وإظهار هذا القدر من التعاطف مع عذاباته، هو دليل على غياب ذلك التمييز. لكن هذا لم يمنع بروز شخصيات ذات طابع "ذكوري" فاقع، من جهة، وشخصيات تجسد عذابات الأنثى في المجتمع الذكوري، من جهة مقابلة".
ويتحدث شبانة عن آخر إصدارات سخنيني الروائية وهي وراية "هكذا صرتُ ملاكا"، يقول "يندر أن تكتب كاتبة نصا سرديا بروح صوفية، يقترب من العمل الروائي، لكنه يتسم بلغة شاعرية عالية الشفافية. لكن هذا ما تفعله الدكتورة لمى سخنيني في هذا النص. فهو نص يصعب وضعه ضمن تصنيف أدبي محدد. وهو كما جاء على الغلاف الأخير للرواية "كتابة مفتوحة على السرد والشعر والتأملات معا"".
ويصف شبانة هذه الرواية، بأنها "نص مفتوح على الروحانيات والكائنات العلوية، لكنه ليس بعيدًا تمامًا عن الواقع (الإنسي) الأرضي المألوف، من طعام وشراب وعمل، فهي كائنات ذات طابع يتسم بقدر عالٍ من الشفافية، تصل حدود (الكمال) الذي لا يبلغه البشر. عالم جديد وغريب على السرد العربي، قصة أو رواية. فهو ينتمي إلى روحانيات الصوفيين المعروفين، وربما كان على رأسهم مولانا جلال الدين الرومي، بشخوصه المعروفين، وخصوصا في علاقته مع شمس الدين التبريزي، في قصائد الديوان الذي يحمل اسم هذا الشيخ/ المُريد".
ويذكر أن الدكتورة لمى سخنيني هي روائية ومترجمة حاصلة على دكتوراه في الفيزياء من "جامعة شمال ويلز" البريطانية العام 1994، وبعد عشرين عاما من العمل الأكاديمي، أسست في العام 2019 دار "العائدون للنشر والتوزيع" في عمان. وعدا قصصها ورواياتها، لها كتاب "أنت والنرجسي، دراسة وشهادات"، كما صدر لها من الترجمات "مولانا جلال الدين الرومي: القصائد المحرمة"، "جوهر الرومي، جون بالدوك.. دراسات عن جلال الدين الرومي ومختارات من شعره"، "مولانا جلال الدين الرومي: 53 سرا من حانة العشاق"، "جوهر الصوفية، جون بالدوك" دراسات عن الصوفية، و"قصائد للحب والحياة في أفق الموت" "قصائد مختارة للشاعرة لويز غليك"، "حديقة ورود من الأسرار، محمود الشبستري"، ترجمة عن الإنجليزية والفارسية وتحقيق وتقديم، وترجمة "إيقاعات الزمن، كيث وايتلام".