فتيات يضحين بالزواج من أجل أسرهن

تضحي بعض الفتيات بالزواج لخدمة الوالدين أو أحد افراد الأسرة - (أرشيفية)
تضحي بعض الفتيات بالزواج لخدمة الوالدين أو أحد افراد الأسرة - (أرشيفية)

تغريد السعايدة

عمان- رغبة في خدمة والدتها المريضة ومرافقتها في البيت فضلت الثلاثينية منى أن تبقى عزباء، رافضة الزواج من أي شاب يتقدم لها.
تقول منى “تعرضت والدتي لسكتة قلبية جعلتها غير قادرة على الحركة وقضاء حوائجها بنفسها دون معين لها”، متابعة “حالة والدتي الصحية اضطرتني إلى ان ألازمها البيت لا سيما بعد زواج اخواتي جميعا”.
قصص كثيرة تمر بها فتيات ممن يضحين بحياتهن الخاصة وفرصة الارتباط والزواج، من أجل العائلة، إما للعناية بأحد الوالدين، أو لإعالة الأسرة ماليا.
تقول منى إنها في كثير من الأحيان ترغب بالموافقة على الزواج، إلا أن حالة والدتها المرضية تقف عائقاً بينها وبين رغبتها في الارتباط، بيد أنها في الوقت ذاته تحاول إخفاء هذه الرغبة أمام والدتها حتى لا تجعلها تشعر بالذنب أو الخوف على ابنتها، بل إن والدتها في كثير من الأحيان تحثها على الموافقة وعدم الرفض حتى “لا يفوتها قطار العمر”، على حد تعبيرها.
الأربعينية كفى، جعلت من سني عمرها عملا وجهدا في سبيل خدمة أختها التي تعاني من الإعاقة “المتوسطة”، إلا أنها لم تكن قادرة على تركها تعيش وحدها في البيت بعد وفاة والديها وزواج باقي أفراد العائلة.
وتروي كفى “شعرت بالصدمة بعد وفاة والدتي قبل ما يزيد على الخمسة عشر عاماً”، متابعة “تركت وراءها طفلة عمرها عامان مصابة بإعاقة عقلية”.
وتضيف “وفاة والدتي ومن ثم والدي بعد خمس سنوات، جعلني أشعر بالمسؤولية حيال شقيقتي”، الأمر الذي حال دون ارتباط كفى.
غير أن عزوف كفى عن الزواج لخدمة طفلة صغيرة تعاني من إعاقة جعلها تشعر بالرضا عن نفسها لأنها “تقوم بعمل إنساني لشقيقتها”.
الاختصاصية الأسرية والمستشارة في علم النفس في الجامعة الأردنية الدكتورة خولة السعايدة، ترى أن مثل تلك التضحيات قد تكون لها تأثيرات نفسية فيما بعد قد تتمثل بـ”فقدان الفتاة فيما بعد للأمان الأسري”، إذ إن بعض المجتمعات ترى أن الزواج هو “الأمان” للفتاة.
وتبين السعايدة أن التضحية في الحياة “أمر رائع ويقدره الجميع”، ولكن في هذه الناحية قد تضحي الفتاة بأمور رئيسية في حياتها مثل الارتباط في سبيل خدمة أشخاص معينين سواء أكانوا الوالدين أو غيرهم من أفراد الأسرة، وهي بذلك قد تكسب محبة الآخرين وتعاطفهم، كونها أفنت عمرها وربما عملها في خدمة أحد أفراد عائلتها، أو إعالتهم مادياً في بعض الأحيان.
الاختصاصي الاجتماعي الأسري ورئيس جمعية العفاف مفيد سرحان، يرى أن هناك الكثير من الأسباب التي تدفع الفتيات للعزوف عن الزواج، قد تكون اقتصادية أو اجتماعية، وهناك فتيات يؤخرن زواجهن طواعية، لظرف آخر، ومن ذلك تفضل الفتاة تأخير زواجها في سبيل خدمة الأهل على المعيشة من خلال الإنفاق، أو في حالة المرض.
ويعتقد سرحان أن هذا الأمر قد يبدو “مفهوما ومبررا” عند الكثيرين، إلا أن موضوع الزواج يجب أن يُنظر إليه من منظور مختلف يراعي مصلحة الفتاة، خاصةً وأن هذا الأمر قد يضعف من فرصتها في الزواج لدرجة كبيرة، أو انعدامها مع مرور الوقت، وما سيلحق الضرر بالفتاة.
ويشدد سرحان على أن الأهل يجب عليهم أن يراعوا مصلحة الفتاة في الزواج وبناء أسرة متكاملة، حتى لا تضطر مع مرور الوقت ووفاة الوالدين إلى العيش عند إخوتها، وظهور مشاكل اجتماعية جديدة.
قصة أخرى تتحدث فيها خلود (30 عاماً) عن خالتها التي رفضت الزواج من أجل أن تقوم بتربيتها هي وإخوتها، بعد وفاة والدتهم حيث تقول “توجهت للعيش عند بيت جدتي بعد وفاة والدتي وزواج والدي، حيث كانت جدتي تهتم بنا وبعد وفاتها حرصت خالتي على تربيتنا ورعايتنا حيث رفضت الزواج من اجلنا”.
ولا تنكر خلود تقديرها الكبير لخالتها، التي ضحت بحياتها الخاصة في سبيل تربيتها وإخوتها، على الرغم من أن الكثير ممن يحيطون بها كانوا يشجعونها على الارتباط، إلا أنها رفضت وآثرت العيش معنا، إذ تعتقد خلود أن “تضحية الفتاة في هذه المرحلة أمر ليس بالسهل، ويتطلب الكثير من القوة”.
وبحسب الإحصاءات الواردة لدى جمعية العفاف، قال سرحان إن “متوسط سن الزواج في المملكة ارتفع إلى 30 عاماً للرجل و27 عاماً للفتاة، وهناك ما يقارب المائة ألف فتاة تجاوزن سن الثلاثين ولم يسبق لهن الزواج”.
وترى السعايدة أن الفتاة مع مرور الزمن “قد تتلاشى فكرة الزواج لديها”، بسبب تقدم العمر وانهماكها في تقديم الأفضل في حياة من تضحي من أجلهم، إلا أن ذلك لا يمنع من أنها كامرأة ستحتاج إلى شخص يدعمها نفسياً ومعنوياً ومادياً مع مرور الوقت، لذلك يجب على الأشخاص الذين تلقوا هذه التضحية منها أن يبادلوها الحب والحنان، ويظهروا لها دائماً أنهم على استعداد لخدمتها ورعايتها، حتى تبقى تشعر بالأمان على المدى البعيد.

اضافة اعلان

[email protected]

@tagreed_saidah