قليلاً من الحياء يا مجلس الأمن

من لبنان، ومن خلال آراء بعض السياسيين اللبنانيين والزملاء الصحفيين في جلسات ساخنة مقابل صخرة الروشة، ترى المشهد السوري مختلفاً.
بداية، فإن الحدث السوري منعكس تماماً على وجه لبنان ووجه بيروت تحديداً. فبيروت مساء الثلاثاء كانت تنعم بهواء عليل و"كشرة" في الوجوه غير معتادة في مدينة تفرح قلوب العرب زوارها الدائمين، والسياح الذين يعودون لها من دون تواريخ محددة للسياحة، لكن صباحها يوم الأربعاء كان مثقلاً بالرطوبة، رطوبة الطقس ورطوبة الأخبار القادمة من خاصرتها الشمالية، حيث أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قتلى الأربعاء هم 14 في حمص واثنان في درعا وواحد في بانياس، وذكر أن ثلاثة جنود منشقين قتلوا، في حين توفي ضابط متأثراً بجروح أصيب بها الثلاثاء في الاشتباكات التي دارت في مدينة الرستن قرب حمص بين الجيش السوري وعناصر منشقة تطلق على نفسها "الجيش السوري الحر"، وقد ازداد وقع الأخبار أكثر ظهر الخميس عندما وصل الأمر إلى قصف مدينة الرستن في محافظة حمص بالطيران الحربي، على ذمة المركز الإعلامي السوري، الذي أعلن "أن طائرات حربية تابعة للجيش السوري تشن غارات جوية على مدينة الرستن"، وهو ما لا نستبعده بل نؤكده بدورنا لما رأيناه من إجرام أمني غير مسبوق، ضد الأطفال والصبايا والشباب والشيب، والحيوانات بأجناسها المختلفة في حادثة إطلاق النار على مجموعة من الحمير أثبتت للعالم أجمع المكان المتساوي أخلاقياً بل الأقل لهذه العصابات مع البهائم الخرساء، مع اعتذارنا من البهائم التي لا ذنب لها بأن توصف بالانحطاط الأخلاقي.اضافة اعلان
في لبنان هناك حالة ترقب شديدة على مستقبل الجارة الكبرى، لكنه ترقب المفزوع من مواقف القوى اللبنانية، فأصدقاء حزب الله أيديهم على قلوبهم إذا سقط النظام السوري، مع أن أحد المقربين يؤكد أن قيادة الحزب تحاول أن تشيع أن الأوضاع لن تصل إلى مرحلة سقوط النظام، لكن خوفهم من تطور الأزمة لتصل إلى الصراع الطائفي، الذي بالضرورة قد يؤدي إلى تقسيم سورية إلى دولتين تصل الامتدادات فيها إلى لبنان حتما.
والفريق الثاني في لبنان يصح الوصف فيه أنه الصامت الراغب المتمنّع، فهو من جهة يصلي ليسقط النظام الأسدي الذي أذاقه الويلات خلال أربعين سنة بالاغتيالات والتهميشات والتحكم بدفة السياسة اللبنانية، ومن جهة أخرى عاجز عن أن يكون وحيداً في عالم صامت تجاه الجرائم التي تحدث في الرستن وأخواتها، فهذا الفريق يعلم أن ثقله أخف من أن يغير شيئاً في ميزان القوى العربي أو الدولي أو أن يكون له تأثير على الشارع السوري، فاكتفى بالأماني والدعاء والترقب.
الرستن قصفت بالدبابات والطائرات والمدفعية الثقيلة، ولحقتها تلبيسة وحماة وكناكر والمعضمية ودوما وسقبا وحرستا، والرواية الكاذبة مستمرة بوجود عصابات مسلحة.
السفير الأميركي يزور أحد أنصاف الموالين للنظام (لن أقول أنصاف المعارضين لعدم ثبوت ذلك على أرض الواقع الثوري) ويرشق هذا السفير بالبيض والبندورة والحجارة، ويحاول شبيحة البيض اقتحام المكتب على السفير ومضيفه، لكن لم نعلم لماذا هذه الحركة مع أهم الحلفاء حتى الآن من خلال الصمت الأممي الذي وصل إلى حد اللاإنسانية.
عندما كانت أميركا تحاول الحصول على قرار أممي من مجلس الأمن وتواجه بتهديد روسيا أو الصين باستخدام الفيتو، كانت تنسحب من البحث عن القرار الأممي وتتجه إلى تنفيذ ما تريده بيدها بدون أي قرار، قائلة للعالم: "اضربوا راسكم بالحيط"، والغزو الأميركي للعراق خير دليل على ذلك.. فلماذا لا يحدث ذلك مع جرائم الأسد؟
ربما سيقول قائل: إن المعارضة السورية لا تريد تدخلاً أجنبياً على غرار ما حدث في ليبيا والعراق، ناسياً أن الشعب الذي يموت كل دقيقة رفع راية الحماية الدولية مراراً، ولكن لا حياة لمن ينادي، فقد سمى كثيراً من أيام الجمع بأسماء تدغدغ مشاعر البشر بدون جدوى؛ مثل جمعة "الله معنا"، "الحماية الدولية"، "صمتكم يقتلنا".. الحبل على ما يبدو على الجرّار، ولسان الحال يقول: قليلاً من الحياء يا مجلس الأمن!

[email protected]