كارثة إدلب: لم يتبق مكان آخر يمكن الذهاب إليه

الدخان يتصاعد من موضع غارة جوية للحكومة السورية بالقرب من إدلب قبل أيام – (أرشيفية)
الدخان يتصاعد من موضع غارة جوية للحكومة السورية بالقرب من إدلب قبل أيام – (أرشيفية)

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

افتتاحية - (الغارديان) 11/9/2018

يبدو أن كارثة جديدة تلوح الآن في الأفق في سورية، والتي من غير المرجح أن تبقى هناك. وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد حذر من أن إدلب، آخر معقل للقوى المناهضة لبشار الأسد، يمكن أن تصبح بحيرة دماء. وهو يكتب الآن أن المدنيين السوريين ليسوا وحدهم هم الذين سيدفعون الثمن؛ سوف يخلق هجوم النظام مخاطر خطيرة على بلاده وأوروبا وما وراءهما.

اضافة اعلان

تضم إدلب نحو 3.5 ملايين شخص، والذين فر نصفهم إليها من المدن التي أعاد النظام السوري الاستيلاء عليها سابقاً. وهم في حالة يرثى لها مسبقاً؛ حيث يعيش الكثيرون منهم في مخيمات مكتظة تفتقر حتى إلى وسائل العيش الأساسية. وهم يعرفون بالضبط ما يواجهونه؛ لذلك تقوم العائلات بتصنيع الأقنعة الواقية من الغاز من الأكواب الكرتونية التي يملأونها بالقطن والفحم، مع معرفة مدى عدم كفاية هذه الاستعدادات. ويعرف هؤلاء الناس أنه لم يعد لديهم مكان يذهبون إليه.

أدت غارات القصف التي تُشن على إدلب إلى تشريد نحو 30.000 شخص مُسبقاً في داخل الجيب. وتشير التقديرات إلى أنه قد يكون هناك قريباً 700.000 آخرون. وتقول الأمم المتحدة إن هذه يمكن أن تكون أسوأ أزمة إنسانية يشهدها هذا القرن حتى الآن. وقد رفضت روسيا وإيران، اللتان تدعمان الرئيس الأسد، محاولات أردوغان للتوسط في وقف لإطلاق النار. لكن سقوط إدلب لن يعني وضع نهاية لسبع سنوات من الصراع؛ وسوف يكون بداية لمرحلة جديدة من عدم الاستقرار والفوضى والمعاناة.

يقدر عدد حصيلة القتلى في سورية بنحو 600.000 شخص. كما فر أكثر من عشرة أضعافهم -نصف سكان البلد تقريباً- أيضاً. وينطوي الوصف الروسي المرعب لإدلب بأنها "هذا الخراج الملتهب الذي يحتاج إلى استئصال" على كل مؤشر عن الكيفية التي سيتم بها تنفيذ هذا الهجوم. ومن الهراء تقديم هذه العملية، كما تفعل دمشق وموسكو، على أنها حملة ضد الإرهاب. فالمقاتلون الجهاديون الملتزمون يشكلون مجرد نسبة صغيرة من السكان، ربما ليس أكثر من 10.000 مقاتل. ولم تظهر الهجمات السابقة على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون مجرد التجاهل التام لسلامة المدنيين، وإنما أظهرت الاستهداف المتعمد لهم. وتقول الأمم المتحدة إن أربعة مرافق طبية حول المحافظة تعرضت للقصف خلال الأسبوع قبل الماضي. وكان أحد هذه المناطق مدرجاً على قائمة خفض التصعيد، وهو ما يعني أن النظام وروسيا تلقتا إحداثياته.

سرعان ما أعقب نصيحة دونالد ترامب إلى الأسد ومؤيديه: "لا تدعو هذا يحدث!" غارات جوية روسية على غرب إدلب. ومع ذلك، فإن التحذير من أنه سيكون للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا "رد أقوى بكثير" على هجوم كيماوي آخر تشنه قوات النظام، يقترب في السياق الحالي بشكل مثير للقلق من القبول الضمني بكل الفظائع الأخرى. وتبدو الاقتراحات بفتح "ممرات إنسانية" نحو مناطق النظام سخيفة بالنسبة للمدنيين الذين رأوا في السابق ما فعله النظام، حتى قبل أن يشعر بهذا الإحساس الجديد بالحصانة وبالإفلات التام من العقاب.

والحدود مع تركيا مغلقة ؛ وكانت تركيا قد استقبلت بالفعل 3.7 ملايين لاجئ، وهو عدد يفوق ما استقبله باقي أوروبا. ولذلك، فإن الطريق الوحيد المعقول للخروج من إدلب هو المنطقة التي تسيطر عليها تركيا في شمال سورية. وسيكون من الصعب على السيد أردوغان الاحتفاظ بزعمه أنه حامي السوريين الأبرياء إذا حرمهم من الملاذ ولمأوى فيما هو، بعد كل شيء، سورية. لكنه سيحتاج إلى الكثير من الدعم لتلبية الاحتياجات الإنسانية الهائلة التي ستنجم عن النزوح.

مهما يكن ما يحدث، فإننا سوف نشهد المزيد من القمع والمزيد من الصدمات والمزيد من الكفاح الجيوسياسي. ويبدو أن إدلب هي المكان الذي تلتقي فيه مصالح الجميع؛ لكنهم، بعيداً عن التوافق، يتصادمون في كثير من الحالات. فلدى مؤيدي السيد الأسد أجندات. وثمة قشرة دولة فقط هي التي تبقى في هذه الأرض المحطمة. وسوف تغذي الكراهية، والصدمات النفسية والحاجات المادية البسيطة عدم الاستقرار، وقد أصبحت الآثار الضمنية على المنطقة وأوروبا واضحة، كما أشار السيد أردوغان. وبينما يقول التحالف المدعوم من الولايات المتحدة الذي يقاتل تنظيم "الدولة الإسلامية" أن الهجوم على معقل التنظيم الأخير في سورية قد بدأ، فإن خسارة "الخلافة" قد غيرت نوعية التهديد الذي يشكله أكثر من كونها قضت عليه. لكن الأمر لا ينبغي أن يتطلب مجرد بالمصلحة الذاتية ليجعلنا ننتبه عندما تكون المأساة قيد انتظار الحدوث.

 

*نشرت هذه الافتتاحية تحت عنوان: The Guardian view on Idlib: nowhere left to go

[email protected]