مؤتمر فتح السابع

بعد تأخير دام نحو عامين من الأخذ والرد، ووسط ظروف ذاتية وموضوعية بالغة الصعوبة، حزمت حركة فتح امرها قبل اسبوع فقط، وقررت عقد مؤتمرها العام السابع في رام الله، بحضور نحو 1300 من الأعضاء المنتخبين من لجان الاقاليم في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والمعتقلات، الى جانب مندوبي "الساحات الخارجية" بما في ذلك الساحة الاميركية مثلاً.اضافة اعلان
ويعد عقد هذا المؤتمر، الذي يلتئم في ظل خلافات جانبية مبالغ بها، وتغذيها تدخلات خارجية معلومة، حدثاً فلسطينياً داخلياً كبيراً في حد ذاته، لا سيما أن جدول اعماله يتضمن، بين ما يتضمنه من بنود اخرى، اختيار الاطر القيادية، وتجديد شرعية رئاسة التنظيم الاكبر والاكثر أهمية في الحركة الوطنية الفلسطينية، التي اجتازت مرحلة التحرر الوطني، ثم توقفت على مشارف مرحلة اقامة الدولة الفلسطينية.
منذ قرار عقده، تحول هذا المؤتمر الى نقطة جذب مركزية لاهتمامات ونقاشات النخب السياسية والاجتماعية والصحفية، ليس لأبناء الحركة الفلسطينية الام فقط، وانما ايضاً لكامل الطيف الوطني والاسلامي، بمن في ذلك خصوم واعداء الحركة التي تقود منظمة التحرير والسلطة الوطنية، بين من يأمل بنجاح المؤتمر، وبين من يتمنى فشله، لوراثة ام البدايات الفلسطينية.
هذه هي المرة الثانية التي تعقد فتح مؤتمرها العام على اول رقعة متاحة من الارض الفلسطينية، حيث كان المؤتمر الاول قد انعقد في ضاحية الهامة غربي دمشق اواخر الستينيات، والسادس في بيت لحم قبل سبع سنوات، وها هو الاخير ينعقد في رام الله، العاصمة السياسية الفلسطينية المؤقتة، منهياً بذلك والى الابد، النقاشات التي كانت تحتدم حول انعقاده خارج أو داخل المناطق الفلسطينية.
وقد تكون فتح هي المنظمة الفلسطينية الوحيدة التي تعقد مؤتمراتها العامة بصورة علنية، وتجري مداولاتها تحت رقابة الاعلام والضيوف والرأي العام، انسجاماً مع حقيقة كونها منظمة وطنية ديمقراطية فلسطينية مقاومة، على عكس حركة حماس التي لا يعرف احد متى وكيف واين تعقد مؤتمراتها، ولا الطريقة التي تنتخب بها المتنافسين على مجلس شورتها ومكتبها السياسي.
واحسب ان مرد الاهتمام بمؤتمر حركة فتح الوشيك (بعد ثلاثة اسابيع) نابع من المكانة الفريدة التي تتمتع بها هذه الحركة التاريخية داخل النظام السياسي الفلسطيني، ناهيك عن قيادتها للمشروع الوطني الاستقلالي، حيث هناك ما يشبه الاجماع على ان اي ضعف يصيب فتح من شأنه ان يلحق ضعفاً اشد بالحركة الوطنية، التي ظلت تستمد عافيتها طوال الوقت من عافية المنظمة المؤسسة لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة.
لا شك في أن مؤتمر فتح المقرر في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، يخاطب عدة جهات معاً، بعضها يتربص بالحالة الفلسطينية الراهنة للإجهاز عليها، او للحلول محلها، وبعضها الآخر يشفق على ما آل اليه الوضع الفلسطيني من انقسام لا شفاء منه، وما يحيق به من تحديات قاسية، اهمها فشل خيار المفاوضات، وانغلاق الدروب امام الحل السياسي مع اليمين الاسرائيلي.
لذلك فإن مؤتمر فتح العتيد مطالب بالإجابة عن اسئلة لا حصر لها، ومدعو كذلك الى اجراء مراجعات لا يمكن تأجيلها اكثر فأكثر، والتوقف عند متطلبات تخص فتح اولاً، وتتعلق بخطابها السياسي في هذه المرحلة، التي تراجعت فيها القضية الفلسطينية على جدول الاهتمامات الاقليمية والدولية، خاصة منذ ان نشبت الحرائق في اذيال العباءة العربية.
غير ان اول متطلبات تقديم اي من هذه الاجوبة الملحة، يتوقف في المقام الاول على شرط نجاح هذا المؤتمر في تجديد شرعية وشباب الحركة، وتعزيز بنيتها التنظيمية، وتنقية صورتها الخارجية مما لحق بها من اعراض وهن، ألقت بظلالها الكئيبة على دور فتح الحاسم في استعادة مضاء الحالة الفلسطينية، ورفع سوية المواجهة مع الاحتلال بكل السبل المتاحة.
وقد يكون المكسب الذي تحقق سلفاً من تلقاء نفسه، بمجرد اتخاذ قرار لا رجعة عنه بعقد المؤتمر السابع، هو اطلاق حيوية سياسية كانت في حالة خمول، وخلق دينميات داخلية جديدة كانت فتح في امس الحاجة لها. اذ كان احتمال ارجاء المؤتمر الى اجل غير معلوم كفيلا بتسريع المآل المؤسف، وربما بمزيد من التشتت، الذي كان سيقوض الحركة التي لا تزال تمسك بالمقاليد الفلسطينية.