مبروك سنة "المفاوضات المباشرة"..!

 

عندما يشتري أحد شقة أو سيارة، نبارك له ما اشترى ونشاطره البهجة بما امتلك. فماذا حين يشتري سلعة يعزّ علينا طلبها ولا نحصلها بالمال، أعني "الوقت"، وكم يمكن أن ندفع لقاء سنة بقاء إضافية، أو يوم إضافي، أو دقيقة إضافية من طول العمر؟ وقد أبرمت أخيرا صفقة كبرى "غراند ديل"، تشاركت فيها أطراف اشترت لأنفسها "سنة كاملة من الوقت"، وكتبت في رأس صفحة العقد "المفاوضات المباشرة".. ولم يكن الثمن نقدا يدفعونه من أكياسهم، وإنما كان عينيا في شكل "معاناة"، يدفعها الشعب الفلسطيني وحده دما ودموعا، من دون أن يقبض عوضها سوى المعاناة أيضا.. وقد سرق المشترون هذه السنة من عمر كده الطويل وراء حلمه الهارب بالحرية، وبرفع علمه الوطني بفخار على أرض حرّة مثل باقي الخلق.

اضافة اعلان

والمشترون: صاحب الحصة الكبرى، "بيبي" نتنياهو الذي اشترى سنة يتخفف فيها من ضغط العالم عليه من أجل مجرد القبول بالتحدث إلى هؤلاء الفلسطينيين الذين أشفقت الدنيا على بهدلتهم؛ ويرتاح فيها من قرف مناكفة إدارة أوباما التي "تشدّ" معه أحيانا في موضوع المستوطنات، و"زنّ" بعض دعاة السلام من مواطنيه أنفسهم. وثمة المشتري الثاني، "السلطة الفلسطينية" التي ابتاعت لنفسها سنة أخرى من البقاء بلا سلطة، وفرصة للانهماك في المساومة الخاسرة بحيث لا يزعم أحدٌ أنها بلا عمل. وثالث المشترين هو باراك أوباما الذي سيحِلُّ عن أكتافه العرب والمسلمون الذين وعدهم في القاهرة خيرا، ولمدة سنة يخلق الله بعدها ما لا نعلم، ويتنفس قليلاً ليتعامل مع أزماته الداخلية وانتخاباته تاركا ميتشل في المعمعة. وثمة العرب "الرسميّون" الذين يشعرون بالحرج من علاقاتهم الودية مع إسرائيل غير راغبة في السلام، ويريدون القول لشعوبهم إنها –ما شاء الله عنها- تفاوض من أجل السلام؛ ويشترون سنة من رضى أميركا عنهم ودعمها ونقودها، وكراسيهم أيضاً. وهناك "الرباعية" التي باركت المفاوضات، وحددت هدفها المحدد ألف مرة، ونقطة.

ووالله لو كانت أرعدت لأمطرت. وليس في السماء هذه المرة أيضا سحابة ولا بشارة غيث، فلا يسكبنّ أحد قربته حتى بلا سحاب.. ما الذي تغيّر حتى يغّير نتنياهو عقلية الاستعمار والمستعمرات والصلف؟ وأوباما، ما الذي غيره سوى الكشف عن مزيد من الضعف أمام لوبي إسرائيل وتخييب أمل العرب وغيرهم مرة بعد المرّة؟ و"السلطة"، ماذا لديها غير الانقسام والعجز وضغط الأميركيين وغيرهم عليها وجرها إلى الطاولة بالحبل؟ والعرب و"الرباعية"؟ ما شاء الله أيضاً.!

أفضل شعار ابتدعه الداخلون في "المفاوضات المباشرة" هو: "ليس لدينا ما نخسره"، وهو صحيح ما دامت أيدي الجميع في الماء عدا الفلسطينيين. وليس هذا مدعاة لأي تفاؤل ما دام الحاصل الأخير المنظور هو إبقاء السلطة الفلسطينية سنة بلا إنجاز، وإيهام العالم بأن الفلسطينيين موجودون كطرف. وربما تكسب إسرائيل "بونصا" مع السنة هو رخصة لضرب إيران، وربما سورية وحزب الله وحماس، ولا يزعمّن أحدٌ أن نجاحها المفترض في ذلك سيجعلها طيبة القلب تجاه الفلسطينيين والعرب.. وسيخسرُ الفلسطينيون أيضا.

باختصار، عنوان المفاوضات بشكلها المطروح هو "كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا".. لا أحد يذكر القرارات الدولية 194،242 و338، باعتبارها الحد الأدنى كأساس وغاية.. ولا أحد يتحدث عن تطبيق هذه القرارات بقوة جيوش "التحالف" إن فشلت المفاوضات.. وفي الأول، كان العالم يعترف بأن "انتداب" بريطانيا لفلسطين هو استعمار بقصد تحسين الأحوال والانصراف، أي أن كل فلسطين التاريخية هي منطقة محتلة ولها أصحاب. ثم قال العرب مع العالم، ويا للعجب، إن نفس المنطقة المستعمرة أيام الإنجليز لم تعد مستعمرة أيام اليهود، وشطبوا أصحابها. ثم أقروا، مع "السلطة" بما تعرضه إسرائيل بالكلام فقط على أنه "دولة" تمنّ بها على الفلسطينيين وتسميها "دجاج مقلي"، فلينجنا الله مما ستلده "سنة المفاوضات".

فماذا نفعل؟ نقول للذين اشتروا "الوقت": مبروك كبيرة على طول العمر الجديد.. وللذين سُرقت السنة من عمرهم غصبا، للفلسطينيين القابضين على جمر الصّبر منذ أكثر من ستين سنة: عظّم الله أجركم في السنة، والعوض في عنادكم ومقبل السنوات!