من أجل إنشاء معهد أوروبي للسلام

كارل بيلت وألان لاماسور وفرنزيزكا برانتنر*- (لوموند) 10/12/2012

ترجمة: مدني قصري

ليس إحلال السلام أمراً سهلاً، بل إن صناعته تحتاج إلى مؤسسات. وهذا ما تُذكّرنا به لجنة نوبل للسلام من خلال منحها الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل للسلام هذا العام. ولا شك بأن الذي ساعد على تجاوز العداء بين شعوب أوروبا كان إنشاء مؤسسة أوروبية مشتركة. وينبغي لهذا النجاح الذي يبرزه ويؤكده بجلاء حصولُ أوروبا على نوبل للسلام، أن يحثنا على تعزيز دور أوروبا كمصدّر للسلام إلى الخارج أيضاً. ولذلك، سوف يكون إنشاء معهد أوروبي للسلام لفتة مهمة لصالح تفعيل بادرة سلام أوروبية على نحو أكثر فعالية.اضافة اعلان
في إطار الاتحاد الأوروبي، استطاع الأوروبيون والأوروبيات، على مدى العقود الستة الماضية، التغلب على اعتراضاتهم ومخاوفهم، واستطاعوا التوفيق بين مصالحهم، وحل خلافاتهم سلمياً. وتعد هذه الثروة من الخبرة ثروة قيمة، ولذلك لا يكفي أن نملأ بها كتب التاريخ، ولا يكفي ألا نذكرها إلا بالثناء الذي أُغدق على أوروبا في أوسلو. وإنما ينبغي -على العكس من ذلك- أن تصبح خبرات ومهارات الأوروبيين أكثر فعالية عن طريق تعزيز السلام في جوار الاتحاد الأوروبي، بل وخارج حدود هذا الجوار أيضاً.
وهكذا، يمكن أن يصبح المعهد الأوروبي للسلام أرضية مناسبة لصناعة السلام. ويجب أن يُركز هذا المعهد أنشطته على لعب دور الوسيط في النزاعات، وعلى الدبلوماسية، وعلى التبادل غير الرسمي للتجارب والخبرات. وإذا لم تكن هذه الفكرة جديدة، فإنها تبرهن الآن على ضرورة تكثيف العمل الحالي بشكل أكبر من أي وقت مضى. وقد وَضعت حكومتا السويد وفنلندا هذا الاقتراح على جدول الأعمال الأوروبي، وتلقاه البرلمان الأوروبي وأطلق مشروعاً تجريبياً للسنة المالية الحالية. وعليه، يجب أن يصبح منْحُ جائزة نوبل للسلام إلى الاتحاد الأوروبي فرصة للدخول في نقاش سياسي واسعا في هذا الشأن.
لقد أصبحت الفكرة منذ الآن عملية وملموسة للغاية: يتعين على معهد أوروبي للسلام، بالتأكيد، أن يقيم اتصالاً وثيقاً مع المؤسسات الأوروبية، ومع قادتها المعنيين بقضايا السياسة الخارجية، لكنه يجب أن يكون مستقلاً عنها رسمياً. وقد يمكن للمعهد أيضاً، بموجب طلبٍ من أطراف النزاع، أن يلعب دور الوسيط في الحالات التي يكون فيها هامش المناورة ضيقاً، لأسباب سياسية، عند "المصلحة الأوروبية في العمل الخارجي".
وترتبط القيمة المضافة لمعهدٍ أوروبي للسلام أساساً بكونه قادراً على العمل بطريقة أكثر مرونة، وأكثر قدرة على الابتكار، وأكثر استقلالية من استقلالية الدبلوماسية الأوروبية التقليدية. وستمنحه القنوات التي تربطه مباشرة بفريق الإدارة في الاتحاد الأوروبي سلطة موازية ونفوذاً تفتقر إليهما المؤسسات الأخرى.
ويمكن لمعهدٍ أوروبي للسلام أن يكون جسراً بين الوسطاء والخبراء في الاتحاد الأوروبي، حول قضايا السلام، بين الدول الأعضاء، ودول أخرى، والمجتمع المدني. ويستطيع على الخصوص أن يضمن إمكانية نشر وتعميق تجارب وخبرات أنشطة الاتحاد الأوروبي لصالح السلام لأن الآليات القائمة الخاصة بالاتحاد الأوروبي، لم تُحقق ذلك لحد الآن، وما يزال الوضع القائم غير مُرضٍ ولا يفي بالمطلوب.
يستطيع المعهد، بل وعليه أن يتشكل بطريقة لا تؤدي إلى إضعاف أو تكرار الهياكل القائمة في "المصلحة الأوروبية في العمل الخارجي". ويجب على المعهد أيضاً أن يُظهر المزيد من المسؤولية تجاه المهام التي لا يمكن القيام بها في إطار الهياكل الرسمية للاتحاد الأوروبي. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتحول القنوات الرسمية وغير الرسمية إلى قنوات تكميلية.
وبالكيفية نفسها، لا ينبغي أن يأخذ المعهد الأوروبي للسلام على عاتقه المهام التي تضطلع بها الآن بفعالية عالية مجموعة المنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الأكاديمية، ومنظمات الدول القائمة بالفعل. ويفضَّل أن يتصف معهد السلام بحجم محدود، وبنية بسيطة، وأن يلجأ إذا لزم الأمر إلى الاستعانة بخبرة المؤسسات والشبكات القائمة.
وفضلاً عن ذلك، سوف يجعل إنشاء المعهد أي اعتراض محتمل باطلاً، وهو الاعتراض الذي من شانه أن يجعل أي مؤسسات جديدة في بروكسل أمراً لا حاجة بأوروبا إليه، لا سيما في هذه الأوقات المتميزة بأزمة الديون الخانقة. وأما تكلفة الأمانة الإضافية، وتكاليف المجموعة الصغيرة من الخبراء الدائمين، فتكلفةٌ سيتم تعويضُها بسهولة عن طريق تجنب التكاليف المترتّبة عن الصراعات العسكرية.
لقد تعهّد زعماء "المصلحة الأوروبية للعمل الخارجي" بأن تقوم هذه المصلحة، بناءً على نتائج المشروع التجريبي للبرلمان الأوروبي، باقتراح إمكانات عمل محددة من أجل إنشاء معهد للسلام. وقد شرعت لجنة الموازنات في البرلمان الأوروبي، من جهتها، في وضْع الأسس القانونية في هذا الشأن، حتى يتسنى رصد الأموال الأوروبية الضرورية لإنشاء معهد أوروبي للسلام.
ويبقى الآن أن نكسب في الخطوة التالية أغلبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى جانب إنشاء هذا المشروع. وعلى ألمانيا، وفرنسا والسويد أن تلعب دوراً قيادياً في هذا الشأن. تضاف إلى ذلك أيضاً الحاجة إلى إقامة نقاش سياسي واسع في بلادنا وفي بقية دول الاتحاد الأوروبي. كما تجب الاستفادة من حصولنا على جائزة نوبل للسلام، للشروع في هذه المناقشة.

*الكتاب بالترتيب: وزير خارجية السويد، نائب أوروبي، نائب أوروبية.
*هذا المقال تحت عنوان:
Pour la création d'un Institut européen de la paix

[email protected]