هل ثمة فرصة للمصالحة حول سورية؟

Untitled-1
Untitled-1
أليكسي خليبنيكوف* - (معهد الشرق الأوسط) 12/12/2018 ترجمة: علاء الدين أبو زينة بينما تصل المرحلة العسكرية من الصراع السوري إلى نهايتها، تكتسب المرحلة السياسية زخماً. ولا يعني هذا القول إن الجزء الأكثر تعقيداً من الحرب الأهلية السورية قد انتهى، وإنما العكس: أصبح الصراع يدخل الآن فترة أكثر صعوبة، والتي ستضطر فيها الأطراف إلى التعامل القضايا الأكثر حساسية على الإطلاق في سورية ما بعد الحرب، بما في ذلك إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين، والإصلاحات السياسية، والمصالحة، ومناطق النفوذ، والكثير من التحديات الأخرى. دعت الاجتماعات الدولية التي انعقدت في سوتشي، وكذلك طهران وإسطنبول، إلى إطلاق عملية سياسية ومصالحة سورية داخلية. ومن المهم أن تترافق هذه المرحلة أيضاً مع مصالحة بين دمشق والدول العربية الإقليمة التي كانت قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية بسورية قبل أكثر من ست سنوات. وفي هذا الصدد، يغيب عن تركيبة أستانا الثلاثية أحد العناصر المهمة: تمثيل الدول العربية الإقليمية. ومع أن روسيا وإيران وتركيا أقامت شراكة وقادت زمام المبادرة في الأزمة السورية، فإنها تظل تفتقر إلى الدعم من الدول العربية. وفي الوقت الحالي، يبدو أن القوى غير العربية تريد أن تفرض رؤيتها الخاصة على تطورات ما بعد الصراع في سورية، وهي رؤية لا تعكس بأي شكل خطط وأهداف اللاعبين العرب الإقليميين. هذا هو السبب في أن المصالحة بين دمشق والعواصم العربية الأخرى هي متطلب مسبق لحل مستدام للصراع السوري. وعلى الرغم من أن هذه المهمة تبدو أكثر صعوبة باطراد -إذا لم تكن مستحيلة- فإن الصراع سوف يتواصل من دونها على الأرجح. وفي نهاية المطاف، يجب استعادة العلاقات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية بين دمشق واللاعبين الإقليميين، وسوف تحتاج سورية إلى إعادة ضمها إلى "العائلة العربية". وستكون دول الخليج العربية -السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر بشكل رئيسي- أساسية لتحقيق هذه الأهداف، ويجب أن يتم ضمها لتشارك في المرحلة السياسية من إعادة الإعمار والمصالحة في سورية. أسباب للشك هناك درجة معقولة من الشك إزاء إمكانية تحقيق هذه المصالحة. فقد شرعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر في الدعوة إلى استقالة الرئيس بشار الأسد منذ الشهر الأول من الانتفاضة السورية، وكانت من الداعمين الأقوياء لجماعات مختلفة من المعارضة والميليشيات المسلحة، وزودتها بالدعم المالي واللوجستي والسياسي. وسوف يشكل تجاوز هذه العقبة تحدياً كبيراً، وسوف يحتاج الجانبان إلى إرادة المصالحة بينهم حتى يتم التوصل إلى تسوية. ينظر مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده المملكة العربية السعودية إلى إيران كخصم رئيسي كسب نفوذاً عبر المنطقة خلال السنوات الأخيرة. وقد شكل حضور إيران الاقتصادي والعسكري والسياسي المتنامي في كل من العراق وسورية سبباً جدّياً للقلق. ويُنظر إلى الشراكة بين دمشق وطهران على أنها عقبة كبيرة أمام المصالحة السورية-الخليجية، كما يَنظر إليها بحذر أيضاً لاعبون إقليميون ودوليون آخرون أيضاً، بمن فيهم إسرائيل، والأردن، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي. من جانبها، ما تزال الحكومة السورية مترددة تماماً إزاء التسوية مع دول الخليج، حتى مع أن هذا الدول يمكن أن تكون مفيدة في إعادة إعمار البلد وإعادة دمجه في الاقتصاد الإقليمي. ولم تنس الحكومة السورية أيضاً أن إيران وقفت معها في وقت مبكر من الانتفاضة، في وقت تخلى فيه عنها كل الآخرين. ضوء في آخر النفق؟ في الوقت نفسه، يمكن أن يكون اعتماد سورية الكثيف على إيران أيضاً عنصراً إيجابياً يساعد في تعزيز المصالحة بين دمشق ونظرائها العرب عن طريق توفير فرصة لدول مجلس التعاون الخليجي للعب دور أكبر. في السنوات الخمس عشرة الماضية، استفادت طهران من التغيرات الإقليمية، مثل الغزو الأميركي للعراق، والربيع العربي والحروب في سورية واليمن. وقد زادت القوى غير العربية، مثل إيران وتركيا، من نفوذها في الشرق الأوسط على حساب القوى العربية التقليدية. وينطبق الأمر نفسه على الرياض مع ذلك. فبينما تراجعت كل من العراق مصر وسورية، ظهرت المملكة العربية السعودية كأقوى لاعب عربي، وملأت فراغ السلطة. ومع ذلك، وضع هذا الواقع السعودية في نهاية المطاف في موقف صعب يتمثل في مواجهة وموازنة النفوذ المتزايد للمنافسين من غير العرب؛ إيران وتركيا. قامت إيران وروسيا وتركيا فعلياً بتحييد كل اللاعبين العالميين والإقليميين الرئيسيين، وحدّت من قدرتهم على التأثير في الصراع في سورية. وبعد أن قامت روسيا بنشر جيشها في  البلد في خريف العام 2015، شرعت دول مجلس التعاون الخليجي في إدراك أن نظام الأسد موجود هناك ليبقى، وأنها سوف تخسر معظم -إذا لم يكن كل- "استثماراتها" في البلد. ولتأمين نفوذها في سورية ما بعد الحرب، كان على دول الخليج أن تطور علاقات أفضل مع موسكو. وبالإضافة إلى ذلك، ولتقليل خسائرها في سورية إلى الحد الأدنى، ربما تريد دول مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده السعودية أن تتصالح مع دمشق وأن تشارك في إعادة إعمار البلد وتنمية اقتصاده. ومن أجل جعل دمشق أقل اعتمادية من الناحية السياسية والاقتصادية على طهران، يمكن أن تقوم السعودية والإمارات باحتواء سورية عن طريق عرض المساعدة المالية والمشاريع الاقتصادية المشتركة. مع أن هذا التصور قد يبدو طموحاً للغاية، فإن هناك مبرراً قوياً، من جانب سورية، لإقامة شراكة خليجية. فاقتصاد إيران  الآنفي حالة قاتمة يرثى لها، وسوف يكون للعقوبات الأميركية الجديدة تأثير سلبي إضافي. وفي المقابل، سوف يؤثر هذا أيضاً على الاقتصاد السوري، الذي يصبح أكثر اعتماداً باطراد على إيران. وبالإضافة إلى ذلك، لا توجد آفاق لرفع العقوبات عن سورية إذا ظلت دمشق تدور في مدار طهران القريب. كما يبقى من غير الواضح أيضاً ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيقرر أن يسير ضد واشنطن ويطبق فكرة إنشاء عربة للأغراض الخاصة، كطريقة للالتفاف على العقوبات والاحتفاظ بالتجارة مع إيران. وسيصنع هذا أخباراً سيئة لسورية. سوف تستفيد سورية من تنويع شركائها الاقتصاديين. ويسهم ارتباطها بإيران اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً في تقليل قدرة دمشق على التصالح مع دول الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، والتي تستطيع أن تقدم الأموال والتقنيات التي تمس الحاجة إليها لمساعدة جهود إعادة الإعمار والتنمية. مع ذلك، ظهرت بعض العلامات على الحركة. كانت لوزير الخارجية السوري، وليد المعلم، مقابلة دافئة بشكل مدهش مع نظيره البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2018. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) ظهرت تقارير تشير إلى أن الإمارات العربية المتحدة ربما تعيد فتح سفارتها في دمشق، المغلقة منذ ست سنوات. وقد أثار ذلك أسئلة عما إذا كانت دول الخليج تقوم بمراجعة علاقاتها مع دمشق بينما تنتقل الحرب السورية إلى مرحلة سياسية جديدة. في حين أن ذلك قد يبدو مفاجئاً، فإن مثل هذه الخطوة لا مفر منها للعديد من الأسباب. أولاً، بعد الانتشار العسكري الروسي، أدركت السعودية والإمارات وقطر أنها خسرت الحرب في سورية. ثانياً، يبدو أن موسكو أقنعت دول مجلس التعاون الخليجي بأنه كلما كانت الدولة السورية أقوى، كلما ضعف التواجد الإيراني. ثالثاً، سوف تعيق سورية مستقرة وقوية ومستقلة صعود نفوذ طهران في المنطقة. رابعاً، تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى تعويض خسائرها في سورية من خلال المشاركة في إعادة الإعمار وفي المشاريع الاقتصادية. وخامساً، من المهم لهيكل الأمن الجديد في المنطقة أن تؤمِّن دول مجلس التعاون الخليجي لنفسها درجة من النفوذ في تحديد مستقبل سورية. مع ذلك، ما تزال بعض الأسئلة في حاجة إلى الإجابة. كيف سيكون رد إيران على مصالحة محتملة بين سورية ودول مجلس التعاون الخليجي؟ كيف سترد تركيا على هدف مجلس التعاون الخليجي المتمثل في احتواء الحكومة السورية، خاصة بالنظر إلى أن السعودية والإمارات تعارضان جماعة الإخوان المسلمين؟ كل هذه الأسئلة ستلعب دوراً مهماً في تحديد مستقبل الصراع السوري. ومع ذلك، وكما هو واقع الحال الآن، فإن من الأكثر منطقية لكل اللاعبين المنخرطين أن يسلكوا مسار التسوية بدلاً من ارتياد طريق سوف يطيل أمد المواجهة.   اضافة اعلان

*خبير في شؤون الشرق الأوسط في مجلس الشؤون الدولية الروسي. عمل مستشاراً للعديد من المراكز الفكرية والمؤسسات في الولايات المتحدة، والشرق الأوسط وروسيا.

*نشر هذا التحليل تحت عنوان: Is there room for reconciliation on Syria?