واشنطن تقذف كرة الإرهاب خارج الملعب الأفغاني

غادة بدر أفغانستان.. أرض الثروات و مقبرة الغزاة، كما اسماها بايدن، تعلن فصلا جديدا في التاريخ السياسي الحديث، فصل تنهي فيه التواجد الأميركي العسكري على أرضها، وتنهي حربا عسكريه كانت هي الأطول في التاريخ الأميركي العسكري. ترحل الولايات المتحدة عن افغانستان وضمن سيناريو سريع الخطوات، وكأن الحدث ذاته يقامر بعظمة الولايات المتحدة ويجلبها إلى حلبة المواجهة مع التنين الأحمر إلى الأبد؛ نعم إلى الأبد. ظلت افغانستان في العشرين عاما السابقة هاجس العسكريين وصناع التكنولوجيا والسلاح الأميركيين ومقصدهم للحصول على العناصر الأرضية النادرة، تلك العناصر التي طالما مكنت الولايات المتحدة من ممارسة التنغيص السياسي على الصين، خاصة اذا علمنا أن 97 % من الصناعة الأميركية والعالمية يستحوذ عليها التنين الآسيوي، ولولاه لما كانت هناك أسلحة ذكية وأنظمة توجيه دقيقة وطائرات دون طيار واقمار صناعية وهواتف ذكية وأجهزة إلكترونية محمولة وارضية وسيارات كهربائية ومحركات طائرات جبارة وبطاريات ليثيوم وتربينات توليد الطاقة من الرياح. تلك الصناعات التي تبني أركان الدولة الحضارية والجيوش العظمى. لا تعفى الولايات المتحدة من تسيد الصين عليها، في الوقت الذي كانت منظومة الدفاع والتسليح الأميركي تحت الرحمة الصينية، فكان لزاما على الولايات المتحدة أن تجد الحل وكان هناك في أفغانستان ذلك البلد الحبيس بين الجبال الشاهقة الذي لا بحر فيه، والذي تكمن في صخوره الكنوز التي ستقلب موازين العالم. حارب السوفييت من أجل هذه الثروات في أفغانستان، بل قاموا بمسح جيولوجي سري كشف عن وجود عناصر الارض النادرة بقيمة تريليون دولار، فجهزوا البنية التحتية وشبكات الطاقة، وقبل حصاد الغنائم انسحب الروس بشكل مفاجئ في 1989، ما أدى إلى مسارعة الحكومة الأفغانية لإخفاء الوثائق السرية السوفيتية التي غدت غنيمة في يد الولايات المتحدة في 2002، وهي الغنيمة التي ارادوها وبحثوا عنها واستندوا إليها، بل انهم وسعوا عمليات المسح من خلال التقنيات الحديثة حتى تيقنوا ان بوجود ثروات هائلة تقدر بثلاثة تريليون دولار، وبعض المعادن النفيسة الأخرى، ليكبر الحلم الأميركي وتتشكل خيوطه في هزيمة الصين صناعيا وروسيا عسكريا، وتحقيق عنصر عدم تبعية المنظومة الدفاعية الأميركية الحديثة لأحد. وبناء على ذلك راحت الولايات المتحدة تقيم قواعد المليار دولار مع حلفائها البريطانيين. لم يخف على ترامب ان كل ما تريده أميركا موجود في مكانين اثنين فقط؛ القمر وأفغانستان، الأول يحتاج إلى تكاليف باهظة، اما الثاني ففي قبضته. ترامب طالب الحكومة الأفغانية بالإسراع بتنفيذ اتفاقيات عمليات التنقيب والتعدين، فظن المجتمع الدولي أن المناجم ستنتشر وان افغانستان ستزدهر، لتقرر الإدارة الأميركية الانسحاب دونما مقدمات، فأي ليلة تلك التي ضمت في ساعاتها فرقاء طحنتهم المواجهات ليدخلوا بمفاوضات ماراثونية تعترف بحكمهم مقابل تأمين خطة المناجم والاستحواذ على العناصر النادرة، وتوفير المليارات على المجهود الحربي في أفغانستان العنيدة، إضافة لقطع طريق العودة على الخصمين الصيني والروسي إلى كابول من خلال اتفاقاتهما مع الحكومات المتعاقبة لاستخراج الحديد والنحاس ظاهريا، وهو الامر الذي تم اجهاضه تماما. السؤال الأول؛ هل في جعبة الولايات المتحدة خطط بديلة رغم معرفتها بأن خصومها السياسيين يريدون استمرارها في انفاق مواردها في حرب لا نهاية لها، والثاني هو سبب افتقار خطاب بايدن لخطة واضحة وشاملة حول الانسحاب، وعدم توقع استسلام القوات الأفغانية البالغة 300 ألف جندي دون قتال، والذي ترجم واحدا من الأخطاء العديدة التي قام بايدن بالاعتراف بارتكابها في أفغانستان في السنوات الأخيرة للتواجد الأميركي على التراب الأفغاني، فالجيش الأفغاني الذي تم إعداده على النمط الغربي في أفقر بقعة في العالم تصرف وكأنه جيش كرتوني لم ير في عتاده سوى عبء في حركته. المتمعن في الملف الأفغاني يدرك جيدا ان الأوراق السياسية امام حركة طالبان عديدة وقوية، فالولايات المتحدة وجدت نفسها بعيدة عن الحلم بعد عشرين عاما، وبعد كلفة مادية بلغت تريليون دولار، وبعد مقتل 2448 جنديا ونحو 38 ألف مدني أفغاني، وهي التي أكدت أنها ستواجه الإرهاب في وسط أفريقيا حيث داعش وحركة الشباب وبوكو حرام. في ظل هذا الزخم من التغيرات والمعطيات نستطيع أن نطرح السؤال عن الخيارات التي قد تحدث في أفغانستان، كالمواجهة بين طالبان والقوات الحكومية، او سقوط البلاد في القبضة الطالبانية كما هو جار الآن، أو ربما تحقيق الحل السياسي والانتهاء إلى اتفاق سلام بين الفرقاء الأفغان.اضافة اعلان