ورشات الإصلاح الأردنية – 2

مالك العثامنة إلى حين حضور فاعل للأحزاب في الحياة السياسية الأردنية، فإن الصالونات السياسية “المرتجلة على صيغة دعوات عشاء” ستكون هي الحاضرة على ما يبدو كميادين نقاش وورشات عصف ذهني وهي ظاهرة غير صحية غالبا لأنها ترسخ قنوات غير شرعية للنميمة والأخبار المضللة، وهذا دوما يعتمد على نوعية الحضور والنخب الحاضرة. لكن، من جهة أخرى، ومع غياب حضور الحياة الحزبية وهي الشكل الصحي والسليم لمناقشة السياسات العامة وشؤون الدولة ضمن منهجية نقاش جادة وموثقة فإن بعض الصالونات تلك حضورها ضرورة لسد فراغ ذلك الغياب. وشخصيا، فأنا انتقائي جدا بتلبية تلك الدعوات معتمدا على معرفتي بنوعية الحضور، ومثال ذلك أني قد لا ألبي دعوة “لقاء تأسيس حزب” أعلم أن غاية أصحاب الدعوة فيه التقاط الصور و”استقطاب” عدد الحضور لضمان خبر صحفي يزيد من رصيد أوهام التكاثر العددي، وألبي دعوة عشاء أعرف صاحبها والضيوف الحاضرين من نخب نوعية لديها ما يفيد سماعه ومعرفته وتثري الوعي بنقاشها. تلك مفارقة من مفارقات المشهد السياسي الأردني لكنه الواقع بطبيعة الحال. ما يدور في بعض تلك الصالونات “ذات الحضور النوعي فعلا” يشبه جلسات العصف الذهني المرافقة لورشات العمل الإصلاحي، ورغم طبيعة الدعوة اجتماعيا إلا أنها دوما تثير دهشتي بما يتم تداوله من آراء ذات سقف عالي نوعيا، وطروحات غير مسبوقة وشعور بالأمان في الحديث بأريحية لا نجدها لو كانت المواضيع ذاتها مطروحة في قاعة اجتماعات مجهزة بكل وسائل الصوت والصورة والقرطاسية اللازمة للتدوين. النخب النوعية “وهي قليلة في الأردن قياسا إلى نخب الصدف الطارئة” لفتت انتباهي بقدرتها على طرح الأفكار وتنظيمها في تلك الصالونات الاجتماعية البعيدة عن العيون والكاميرات، وأجدها متحررة من قيود التكلف في التصريح وهي تنتقد أو تؤيد سياسات معينة في الدولة، لكن المأساة ان كل ما يتم نقاشه والخروج به من نتائج ليس أكثر من قبض ريح ينتهي بانتهاء المناسبة وانفضاض جمع الضيوف. ببساطة، ما يحدث هو ما يجب تأطيره في حياة حزبية يجب رسمها بدقة موضوعية لا تركيبها بفوضى شكلية، وما يحدث فعليا حتى اليوم – ضمن حدود معرفتي ورؤيتي ومشاهدتي- أن عمليات إنتاج وفك وتركيب الأحزاب ليست أكثر من “قبض ريح” يتم توثيقه، والصالونات “النوعية فقط” هي ما يجب توثيقه وينتهي قبض ريح. الإصلاح السياسي يجب ان يخرج من فقاعة “اللجان الرسمية” والتوصيات متقنة الصنع إلى حالة جدل خال من الثرثرة بلا معنى، والحديث الجاد الذي يهمسه “النوعيون” من ذوات تعرف ما تقول هو الذي يجب ان يسمعه الناس بوضوح وصراحة بدلا من ثرثرات تهرف بما لا تعرف تبحث عن مساحات للنشر مدعمة بالصور الملونة وكثير من الابتسامات المتصنعة. مهم، أن يسمع الناس رأي رئيس جامعة، باحث أكاديمي متخصص، وزير سابق تقني يعرف تماما معوقات ما كان يديره والحلول، تشريعي يشرح بصدق معوقات تطور عملية التشريع، رجل أعمال يفهم جيدا معنى الاستثمار ولا يعرف لغة “غلة الدكانة” السائدة، والأهم ان يسمع بذلك أصحاب القرار لنبدأ الإصلاح فعلا. تلك ورشات الإصلاح التي لا يعرف بها أحد.. ومبادرات الحلول الحقيقية فيها تضيع مع نهاية السهرة. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان