تقدم اقتصادي واجتماعي ممكن من غير موارد إضافية

يؤشر إلى التقدم بمستوى الدخل والصحة والتعليم والتكامل الاجتماعي، والفكرة المقصودة على نحو عملي وبسيط هي الحصول على خدمات تعليمية وصحية واجتماعية لجميع المواطنين، وتتحمل الأسر والمجتمعات مسؤولية كبيرة بالمشاركة مع الحكومة لأجل تحسين وتفعيل هذه الخدمات، فقد انتهى عصر الدولة المركزية التي تنظم وتدير الخدمات والمرافق، حتى عندما تتولى الحكومة تمويل وإدارة هذه الخدمات يظل للمجتمعات والأسر والأفراد دور كبير في الشراكة والرقابة، والوعي أيضا. إن التقدم الصحي والاجتماعي؛ معظمه إن لم يكن جميعه مستمد من عادات ومنظومة وعي وسلوك فردي واجتماعي، مثل النظافة، والتغذية الجيدة، والتدفئة والإضاءة والتهوية للبيوت، وإجراءات السلامة في الحياة والشارع والفضاء العام، وممارسة الرياضة، واكتساب اللياقة البدنية والصحية، ولحسن الحظ فإن الانترنت يمكن أن تساعد كثيرا في تقديم المهارات والمعارف اللازمة في هذا المجال. وربما يمكن لمنظمات المجتمع المدني العاملة في هذا المجال أن تقدم مجموعة من الأدلة الإرشادية والورش العملية، كما يمكن بناء منصات ومجموعات شبكية لتبادل المعرفة. لدينا تحدّيان كبيران على مستوى الحكومة والمجتمعات والأسر في مجال الرعاية الاجتماعية، وهما تمكين الفئات الخاصة في المجتمع مثل ذوي الإعاقة وكبار السن، وبناء التكامل الاجتماعي، مثل المساواة والرضا والتماسك الاجتماعي ومواجهة الجريمة والتعصب والإدمان والتفكك الأسري والانتحار والاكتئاب والعزلة والشعور بالوحدة، إذ ما زال هذا القطاع في بداية الطريق، ولم يتبلور بوضوح ومؤسسية مثل التعليم والصحة. وتتشكل حالات وتحديات أكثر تطورا وإلحاحا من قبل؛ فكبار السن يتزايد عددهم وتتعقد احتياجاتهم وبخاصة مع العمل والإقامة في عمان والخارج بعيدا عن الأسر الممتدة، وانسحاب الأسر النووية من التزاماتها وعلاقاتها الاجتماعية والرعائية، وهناك أيضا تزايد في حالات الطلاق والأسر برعاية احد الأبوين. وهناك خسائر تنموية وهدر وضغوطات كثيرة بسبب اتجاهات السلوك الاجتماعي، مثل التمييز بين الأطفال في الرعاية والتعليم، والسلوك غير الاجتماعي في القيادة والسكن والمرافق العامة واحترام القانون، والتعصب والتطرف، وضعف الوعي والتقدير لأهمية التعليم وتطوير المهارات وبخاصة بين المراهقين في المدارس وبين طلبة الجامعة الذين برغم ذهابهم إلى الجامعة فإنهم لا يبذلون الجهد الكافي لاكتساب المعرفة والمهارات اللازمة، وتزيد حالات اللامبالاة والاهتمام بالقضايا العامة والعمل التطوعي والانتماء والمشاركة، والعزوف عن القراءة. وتتعرض صحة نسبة كبيرة من المواطنين للأمراض والوهن بسبب عادات غير صحية، مثل التدخين والإفراط في السكريات والدهون والنشويات، وكثير من الأطعمة والوجبات غير الصحية التي تقدم في الأسواق، وعدم ممارسة الرياضة، والنوم غير الكافي وغير المنتظم، ويعاني عدد كبير من المواطنين من سوء التغذية بسبب النقص في الغذاء أو العادات الغذائية السيئة، وبالطبع فإن ضعف الصحة يزيد التكلفة على المواطنين، كما يضعف الكفاءة والعمل والإنتاجية. تجمع الدراسات والتقارير الدولية على أن التقدم الاقتصادي والاستثمار الخارجي مرتبطان على نحو واضح وشرطي بمستوى التعليم والصحة، وفي ذلك يمكننا أن نحقق تقدما اقتصاديا ونجتذب المستثمرين والسياح بمنظومة من التقدم الاجتماعي والسلوكي والصحي، وهو أمر يحتاج إلى وعي والتزام أكثر مما يحتاج إلى الموارد المالية.اضافة اعلان