الكتابة الصحفية بين الطين والعجين

سامح المحاريق يكتب الأستاذ باسم سكجها بكثير من المرارة حول ذلك التجاهل الذي يبديه أصحاب المسؤولية لما يقدمه الكتاب الصحفيون من قراءات ورؤى، فأذن من طين وأخرى من عجين تتلقى ما تنتجه الكتابات الصحفية مهما التزمت بالتوازن والعقلانية، ويكاد المسؤولون لا يتواصلون إلا إذا صنعت المادة المكتوبة صدى ايجابياً لأحد المنجزات التي يقدمها المسؤول، وما أندرها طبعاً، وعدا ذلك، فهم يكتبون ونحن نفعل ما نشاء. هذه نتيجة طبيعية لتركيبة البيئة السياسية في الأردن، فالمسؤول، وعلى وجه أدق، صاحب المسؤولية، ليس مديناً لأحد في الإعلام أو الروافع الأخرى في مسيرته تجاه موقعه، وربما يكون مديناً لمسؤول آخر، أو لمرحلة تتطلب شخصاً بمواصفاته، وهذه النقطة تجعل علاقته مع الإعلام ومع النخب تقوم على التهوين من شأن ما يقدمونه لأنهم ليسوا شركاء في صناعة النخب، ولذلك علينا أن نتصدى عملياً لمسألة استعادة دور الكاتب الصحفي في هذه المرحلة، ويبدأ ذلك في مواجهة موجة التحزب الجديدة التي تسعى لاستثمار العلاقات والمصالح من أجل حجز مكان في المقدمة للمرحلة المقبلة. النخب الرسمية تبحث عن كتاب مستأنسين يقولون خيراً، من وجهة نظر أصحاب المسؤولية، أو يصمتون، ولا يوجد لديهم أي تصور لفرق بين المهنة الصحفية في دورها الإخباري المحدود، وبين واجب الكاتب الصحفي الذي عليه أن يوظف أدواته النقدية بصورة موضوعية من أجل تقييم الخطاب نفسه، وتحليل السياقات المرتبطة به، وإذا كان الخطاب الرسمي وشبه الرسمي ترقيعياً في حد ذاته، أو كان متجنياً لأنه يمثل نخباً تنتظر دورها أو تبحث عن حصة ما، فإن آخر ما يريده المسؤول الحالي والسابق والمتوقع، هو وجود كتاب مستقلين يؤرقونه وينغصون عليه روايته كانت تبريراً أو تجميلاً أو مجرد حب للظهور وإثراءً لأرشيفهم الشخصي من التصريحات والصور. المسؤول ليس مديناً للكتّاب، وليس نداً لهم على المستوى الفكري أو السياسي، فالمسؤولون في الآونة الأخيرة خرجوا من الجانب التكنوقراطي أو من المؤسسات الخدمية أو التجارية، ويعتقدون أن الصحف والمواقع الإلكترونية عليها أن تنشر النص كما يردها من المصدر، ويتغافلون عن حقيقة موقع الصحافة بوصفها السلطة الرابعة، وأن واجبها أن تتيح لكل طرف التعبير عن رأيه وفي النهاية للكاتب الصحفي رأيه الذي يمليه عليه ضميره وتقديره للسياق العام وللمصلحة الوطنية والاجتماعية، ولذلك نتحيز وعلى الأقل لا نمتلك إلا أن نتحرك تجاه التحديث السياسي، لأنه سيحيد أو سيخفف من مأزق المسؤول الذي لا يعرف كيف جاء أو لماذا سيذهب. هل الوضع خطير؟ هل يستلزم الغضب؟ نعم، فالعلاقة بين المسؤول والمواطن التي تتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي وفي القنوات غير الرسمية، كلها تؤثر سلباً على المنعة المجتمعية والوطنية، والمسؤول الذي يتجاهل الكاتب ويهمشه مثل السائق المتكاسل عن إزالة الجليد عن زجاج سيارته، ويصر على استكمال طريقه، فهو لا يعرف كيف وصل إلى موقعه، ولا يعرف إلى أين يمضي، وفي النهاية فإن العناية الإلهية والرصيد الذي يمتلكه الأردن ومؤسساته ووعي المواطنين هو الذي يحمل المسؤول ولكن ذلك لا يعني أننا سنتمكن من التقدم، فكل ما نفعله في السنوات الأخيرة وخاصة على هامش الربيع العربي، هو استثمار تجربتنا التاريخية ولكن بعزل الكتاب وتهميشهم فإن ذلك لن يراكم التجربة التاريخية الجديدة. واجب الكاتب هو أن يكون شاهداً على عصره وصوتاً لمجتمعه، أما عبء الاستماع أو عدمه فهو مسؤولية أخلاقية يتلقاها صاحب المسؤولية أو يتركها فذلك أمر يخصه لأن التاريخ في النهاية يمتلك كلمته الأخيرة.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان