تصريحات واشنطن بحل الدولتين.. لعبة!

حديث الإدارة الأميركية هذه الأيام، بدءًا من رئيسها جو بادين، وانتهاء بأصغر موظفي البيت الأبيض، بشأن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، لا يبعث إلى الراحة أبدًا، خصوصًا أن أركان هذه الإدارة كانوا قُبيل شهرين من الآن يتحدثون عن ضرورة عدم وقف الحرب الهمجية التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاغ غزة، والتي عدت يومها السابع بعد المائة. 

اضافة اعلان


قد تكون تلك التصريحات لـ»ذر الرماد في العيون»، أو عملية تضليل يُراد بها ظاهريًا إيهام العرب بشكل عام، والفلسطينيين بشكل خاص، بأن واشنطن معنية وماضية في إيجاد منفذ يقود إلى حل الدولتين، لكن باطنيًا تُريد كسب الوقت لتحقيق مغانم كثيرة لها أولًا، ومن ثم لربيبتها المُدللة.


كما أن الرئيس بايدن عندما قال «هُناك عدد من أنماط حل الدولتين، فبعض الدول الأعضاء في الأُمم المُتحدة ليس لديها جيوش»، يبدو وكأنه يغمز من قناة أو أُخرى بأنه في حال كان هُناك دولة فلسطينية، فإنها ستكون أولًا بلا أي جيش، بمعنى أنها ستكون لقمة سائغة وسهلة في متناول الكيان الصهيوني الغاصب.

 

إلى جانب أنها ستكون دولة بلا أي حدود، مُقطعة الأوصال، ما بين جدار فصل عنصري، ومُستوطنات غير شرعية وغير قانونية، ودليل ذلك أن الاحتلال ومنذ العام 1967 شرّع الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين العامة والخاصة، حتى بلغ عديدها نحو 176 مُستوطنة و186 بؤرة استيطانية، مُشكلة ما نسبته 42 بالمائة من مساحة الضفة الغربية المُحتلة.


ثم يتوجب على إدارة البيت الأبيض، ومن لف لفها من دول الغرب، أن تُجيب عن سؤال: «كيف سيتم إقامة دولة فلسطينية مُستقلة في الضفة الغربية؟»، وعدد المُستوطنين فيها يبلغ 726.5 ألف، يُشكلون 22.8 بالمائة من العدد الإجمالي لسكان الضفة. 


يجب ألا نُمني النفس، وعدم الوقوف كثيرًا، عند التصريحات التي تخرج من أفواه المسؤولين الأميركيين، خصوصًا فيما يتعلق بوجود «خلاف» وبلوغه مرحلة غير مسبوقة، بين إدارتي واشنطن والكيان، وإن إدارة بايدن تتطلع لمرحلة ما بعد بنيامين نتنياهو، وأنه لا حل عسكريا لحماس وعلى إسرائيل الاعتراف بذلك.


تلك تصريحات لا تُسمن ولا تغني من جوع، لا يُفترض التأمل فيها ولو قليلًا، كونها تُخالف ما يجري على أرض الواقع، فمن أراد السلام أو سعى إليه، يُفترض به ألا يُسرف في مُساعدة ودعم القاتل، أيًا كان، فما بالك إذا مُغتصبًا لأرض منذ 75 عامًا. 


منذ عشرين عامًا، وبالتحديد العام 1994، ذهبت دول عربية إلى مؤتمر مدريد للسلام، وما بعد ذلك وقعت السلطة الفلسطينية والاحتلال اتفاقية «اوسلو»، التي ماتت وكُفنت ودُفنت.. بعد كُل تلك الأعوام، لم يحصل الفلسطينيون على دولة، كما وعد الغرب، بقيادة الولايات المُتحدة الأميركية، العرب والفلسطينيين بذلك.


وفي هذه الأيام الخوف من أن يُعاد نفس السيناريو، لكن بشخوص مُختلفة، وتكون النتيحة نهش مزيد من الأراضي الفلسطينية، ويا ليت الأمر يقف عند هذا الحد، فقد يتجاوزه إلى أبعد من ذلك، كقضم أجزاء، لن تكون بسيطة، من دول عربية.


عندما يقول مسؤولون أميركيون: «هُناك فُرصة لإسرائيل للخروج من الأزمة بتحالفات إقليمية، شرط ضمان مُستقبل قيام دولة فلسطينية»، فذلك يدل على أن هُناك خيوطا تُحاك في الخفاء، ليس فيها أي مصلحة للفلسطينيين.


لو كانت واشنطن جادة في أقوالها، لمارست ضغوطًا حقيقية على إسرائيل، من أجل وقف عدوانها الوحشي، لكنها اكتفت وعلى استحياء، بتصريح هنا وأقل من فعل هناك، قد يُستغل لدعاية انتخابية تعود بالنفع على بايدن وزبانيته، أو لمصلحة الكيان المُعتدي.


ينطبق كتاب «لُعبة الأُمم»، لمايلز كوبلاند، الذي يصور الدول كقطع شطرنج تُحركها وزارة الخارجية الأميركية، كيفما تشاء ويحلو لها، على ما يحصل فلسطين.. كأننا بالفعل أمام لُعبة، لكنها خبيثة، تقوم على أشلاء أطفال رُضع ونساء ومرضى!.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا