حكم الجهاد في سورية!

ما حكم الجهاد في سورية اليوم، خصوصا أن الأوضاع لم تهدأ رغم أكثر من 12 عاما على بدئها؟ ورغم أن "الجهود الدينية" رفدت الساحة السورية بعشرات الآلاف من "المجاهدين" الذين تم شحنهم إلى هناك، برغبات كثيرة، وطموحات "جهاد النكاح"، و"حور العين"، وغيرها من المغريات.

اضافة اعلان


لا بأس من طرح هذا السؤال الضروري، فقد يكون تأخر الحسم في سورية عائدا إلى نقص في المجاهدين المتطوعين، والذين يبدو أنهم "تراخوا عن واجبهم" تجاه قضية مقدسة كالجهاد الذي حضت عليه عشرات الفتاوى من "شيوخنا الأفاضل" نصرة للإسلام والمسلمين في سورية. فهل ما تزال تلك الفتاوى سارية المفعول اليوم؟


هو مجرد سؤال لا غير، لكي نعرف وجهتنا التالية، خصوصا أن "مشايخنا" تركونا بلا إرشاد منذ فترة، ولم يخرجوا علينا بفتاوى جديدة، ما قد يشير إلى أن سورية ما تزال هي وجهة الجهاد العالمي ما دام لا يوجد أي "تحديث" من أصحاب الشأن في هذا الخصوص!


 يغيب الشيوخ اليوم عن المشهد، فليس هناك احتلالات جديدة أو قديمة، ولا مذابح وتطهير عرقي لشعوب شقيقة تم الاستفراد بها بتواطؤ العالم كله.

 

يغيبون في سابقة مريبة، تحملنا على أن نحاكم ضمائرهم على ما جنته أيديهم خلال عقود من التخريب وتزييف الوعي.


الشيوخ المعنيون، هم "شيوخ الفتاوى السياسية المدفوعة مسبقا"، وليس جميع الشيوخ. الشيوخ الذين يغيبون عن محرقة غزة اليوم، ولم نسمع لكثير منهم تعليقا يعبر عن موقفه من العدوان الذي يشنه الكيان العنصري، أو عن غيرته الدينية على إخوانه في غزة الصامدة. يغيبون اليوم، بعد أن ملأوا الفضاء والإعلام ببكائهم الكاذب على سورية، ووجهوا إليها عشرات الآلاف من الشباب بفتاواهم الحرام، ليمعنوا فيها فسادا وتخريبا، ويحيلوها إلى مستنقع لرغبات واشنطن الشاذة، ومخططاتها التي لا تنتهي للمنطقة.


كيف لم يطلق أحدهم فتوى تؤكد على وجوب الجهاد في هذا الوقت بالذات، أم أن مرجعياته العليا لم تأذن بهذا الأمر، أو أن البيت الأبيض ارتأى أن ترتاح "الجهود الدينية" في الوقت الحاضر، من أجل استجماع القوى لأيام قادمة نكون فيها أكثر حاجة إليهم!


"نجوم الفتاوى" الذين ازدهرت صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي خلال التحشيد ضد سورية، واستقطبوا ملايين المتابعين بتمثيلهم الرخيص، لم يطلوا علينا اليوم رغم أكثر من شهر على انطلاق حملة التطهير العرقي للاحتلال ضد شعب غزة، وهو ما يوجب على الجمهور العربي والمسلم أن يحاكمهم، وأن يعرف أنهم شيوخ "الدين السياسي"، الذين ساهموا بتجهيل أجيال عديدة، ونخروا خرابا في وعينا، ليشتتوا الانتباه عن قضايانا الحقيقية، لمصلحة أعدائنا الذين عرفوا كيف يوظفون انحرافات هذه الفئة.


منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي وهم يتصدرون المشهد، وينقلون "سلاحهم" من كف إلى أخرى، وفقا لمصالحهم الدنيئة، فرأينا كيف هبوا استجابة لرغبة واشنطن في إعلان "الجهاد المقدس" ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، فاشتعلت عشرات الفتاوى ضد "السرطان الأحمر"، ورموا بعشرات آلاف الشباب إلى الموت، وساهموا بخبث ودراية في إبعاد الضوء عن قضيتنا الأساسية فلسطين وهم يفرغون المنطقة من الشباب لمصلحة قضية لا تعنينا.


هؤلاء الشيوخ، هم ذاتهم أو امتداد لهم، الذين ملأوا المنابر والإعلام صراخا وعويلا على الشعب السوري، وأسهموا في تدمير بلد كان مستقرا، ليحولوه إلى دولة فاشلة ترمي بأبنائها إلى منافي الله الكثيرة.


أنا هنا لا أطالب بفتاوى مماثلة لنصرة غزة، فهي تمتلك من الرجال والصبر ما لا يمكن لنا تصوره، كما أن المقاومة الباسلة فيها لا يشرفها أن تأتي نصرتها من شيوخ بلا ضمائر ولا حس إنساني. أنا لا أطالبهم بفتاوى جديدة، بل أن يخرسوا مرة وإلى الأبد، وأن لا يحاولوا بيعنا بضاعتهم الفاسدة مرة أخرى، فهم مكشوفون ولا يمكن لأي شيء أن يستر عوراتهم.


شيوخ الضلالة هؤلاء، ما تزال صفحاتهم على السوشال ميديا مليئة بملايين المريدين، وكأن سنوات طويلة من التزوير والكذب لم تكن كافية لكي تكشف لنا زيفهم ودناءة مساعيهم، وبوصلتهم المنحرفة المشبوهة. هؤلاء هم خصومنا الأساسيون في معركة استعادة الوعي، وينبغي لنا أن ندرك أن التخلص من إرثهم هو الخطوة الأولى التي تؤهلنا لتحقيق أهداف جذرية في قضايانا المصيرية.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا