"حرب دينية".. وموجة كراهية جديدة!

نجحت الميديا الكاذبة في تحريك موجة كراهية كبيرة تجاه الإسلام، والفلسطينيين على وجه خاص، في الشارع الغربي، من خلال اختراع العديد من القصص غير الحقيقية، وتزوير الوقائع على الأرض، والاستعانة بالذكاء الاصطناعي لفبركة فيديوهات تحرض على العرب.

اضافة اعلان


في أحدث تجليات تلك الموجة، وجّه رجل أميركي في ولاية إلينوي كراهيته وعنصريته تجاه طفل فلسطيني لم يتجاوز الستة أعوام، فأرداه قتيلا بست وعشرين طعنة، كما طعن والدته وسبب جروحا لها، وكان يردد عبارات معادية للمسلمين خلال تنفيذ جريمته.


ورغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن ظهر على الإعلام ليدين الجريمة، إلا أن ذلك لا يعفيه من تحمل المسؤولية عما جرى، وما قد يجري في بلده وفي أوروبا، فقد أخذ اليمين الأميركي الصهيوني على عاتقه تحويل العدوان الذي يشنه الاحتلال على قطاع غزة، إلى حرب دينية يستدعي من خلالها تاريخا كاملا من الكراهية والجرائم.


تعبير "الحرب الدينية" صرح به السيناتور الأميركي ليندسي غراهام، على قناة "فوكس نيوز"، فأثار ضجة كبيرة حين قال "نحن في حرب دينية"، ولم يتردد في دعوة إسرائيل إلى "تسوية الأرض" بغزة وأهلها لـ"الدفاع عن نفسها".


"الحرب المقدسة" التي يعلنها اليمين الصهيوني الغربي اليوم ليتباكى خلالها على الاحتلال، لم تكن يوما بعيدة عن تصريحات الأميركيين المتطرفين. جورج بوش الابن أعلنها حربا دينية على "الإرهاب" بعد أحداث 11 سبتمبر، حين وصفها بأنها "حملة صليبية" تلك التي يشنها على أفغانستان وعلى تنظيم القاعدة. ورغم الاختلاف الثقافي في التعاطي مع المصطلح وإطلاقاته بين اللغة العربية والإنجليزية، إلا أنه يستدعي للذاكرة العربية والإسلامية تاريخا كاملا وطويلا من العنف والإرهاب الذي جاء من أوروبا المسيحية بواسطة حملات منظمة نشرت الموت والوحشية وسعار الاحتلال.


ولكن، كيف نفهم الإسلاموفوبيا: أو المشاعر المعادية للمسلمين في الغرب، وكيف يتم تغذيتها بواسطة الساسة اليمينيين؟


في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة الأميركية من قبل تنظيم القاعدة، شنت واشنطن حربين، الأولى لاحقت فيها التنظيم المتطرف في أفغانستان، والثانية على العراق، واتهمته بأن له صلة بالتنظيم، كما تهمته بامتلاك أسلحة دمار شامل. الحربان ترافقا بتجييش كبير لوسائل الإعلام التي اختلقت العديد من الأخبار والقصص الكاذبة، إضافة إلى التضييق على المسلمين في الولايات بشكل خاص، والتي استعادت إرث المكارثية التي "اهتمت" بالقضاء على الشيوعية في أميركا خلال منتصف القرن الماضي. وسط هذه الفوضى، والخوف الذي يعيشه الأميركي الذي اختبر تفجير البرجين وموت الآلاف، وبفساد الإعلام وتحيزه وسيطرة اليمين المتطرف عليه، انتشرت البرامج التي تناولت العديد من القضايا الثقافية الإسلامية، ولكن بتأويلات وتفسيرات خارجة عن مقاصدها الحقيقية.


هذا الأمر قاد، بالضرورة، إلى تكون رؤية جمعية من الغرب، خصوصا في الولايات المتحدة، تجاه الجاليات المسلمة، وبدرجات متفاوتة، تدرجت من التحفظ إلى الحذر وعدم الترحيب وعدم الاحترام والكراهية، وصولا إلى اعتداءات تم تنفيذها ضد مسلمين شهدتها معظم المجتمعات الغربية.


الاعتداءات شكلت تعبيرا آنيا عن رفض القبول، ولكن كانت ثمة آثار راسبة في الفكر الجمعي الغربي تجاه الإسلام والمسلمين، كشفه معهد "غالوب" في استطلاع أجراه بعد عقد على "حرب بوش المقدسة"، والإجراءات التقييدية التي تم اتخاذها تجاه المجتمعات المسلمة، والبروباغندا التي رافقت كل ذلك، فوجد المعهد أن 52 % من الأميركيين و48 % من الكنديين يقولون إن الغرب لا يحترم المجتمعات الإسلامية.


اليوم، يبدو أن التجييش تجاه الفلسطينيين يأخذ أولوية قصوى لدى وسائل الإعلام الغربية، فتجتهد لتشيطن نضاله المقدس لنيل حريته من احتلال هو الأقسى والأكثر ظلما في العصر الحديث. الجميع خاضع اليوم لرؤية السياسة العنصرية التي ينطلق منها الاحتلال ومؤيدوه من اليمين الغربي المتطرف، ولا أحد يريد أن ينظر بعين التعاطف للضحية التي امتدت معاناتها لزهاء قرن كامل. وهكذا، فإن الإعلام الغربي المنحاز والمزور، والساسة المتصهينون، لا يتورعون عن تسمية حملة التطهير العرقي التي يشنها الاحتلال الصهيوني ضد سكان غزة، بـ"الحرب الدينية".

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا