ما الذي فعلته إيران في ردها؟

الذين تابعوا قنوات السوشال ميديا على مدار ساعات ما بعد الإعلان عن بدء الرد الإيراني على الاعتداء الصهيوني على القنصلية الإيرانية في دمشق، سيكتشفون حجم الجهل الذي وقع فيه المعلقون، والذين دشنوا قنوات مجانية للسخرية من تلك الضربة على اعتبار أنها ضربة معلنة تم الاتفاق عليها بين طهران وواشنطن وتل أبيب.

اضافة اعلان


أراد معظم المعلقين أن تكون إيران نفسها محل السخرية، من باب اعتبار أن الضربة لم تكن سوى مسرحية هزيلة ورديئة الإخراج، كونها كانت معلومة مسبقا، ومصرحا بتوقيتها وحجمها. فهل يمكن تقييم الرد الإيراني بهذا المستوى؟


الخطأ الكبير الذي وقع فيه أولئك المعلقون هو في طبيعة تفكيرهم ومنطلقاته، من أن طهران أرادت ضربة قاصمة تؤثر في البنية العسكرية لكيان الاحتلال وبناه التحتية، أو في الأرواح والمنشآت الإستراتيجية، وهو تفكير طفولي لا يمكن للسياسة الإيرانية أن تندرج ضمنه.


لم ينظر كثيرون إلى التفسيرات الموضوعية للرد وطبيعته، والتصريحات الرسمية الإيرانية المصاحبة له أو تلك التي أعقبته، من أنه رد "مسؤول"، ومحسوب يأخذ بالاعتبار الظروف الموضوعية للمنطقة، وعدم نيتها توسيع مجال الحرب، أو نقل الصراع إلى مستوى أعلى من المواجهة. هذه الاعتبارات جميعها استوعبتها طهران في ردها، ليأتي بالصورة التي ظهر عليها.


إذن، لماذا جاء الرد، ولماذا هذا الاستعراض لبعض القدرات، خصوصا أنها لم تستخدم مستوى متقدما من قوتها الصاروخية؟


لقد وضع الاستهداف الصهيوني لقنصليتها طهران في خانة ضيقة، وكانت تعلم أنها مجبرة على الرد، رغم أنه لا مصلحة لها في التصعيد مع واشنطن وتل أبيب، لذلك كل ما أرادته هو مجرد "رسالة" إلى العالم بأنها قوة إقليمية لا يمكن التقليل من شأنها، أو القفز عن رأيها في "ترتيب" الملفات الشائكة في المنطقة. والأهم هو إعلانها أنها "قوة عاقلة" لا تنجرف وراء رغبات الثأر والتدمير غير محسوبة العواقب.


لقد أعلنت طهران صراحة عن نفسها قوة إقليمية، وبأن الكيان الصهيوني ليس اللاعب الوحيد في المنطقة، وأنها تستحق جزءا من الكعكة التي تتناهشها الكثير من الأطماع، خصوصا أن تأثيرها يمتد عبر العديد من الدول العربية، وأذرعها المسلحة تتواجد فوق الأرض بتسليح جيد قادر على إدارة مواجهات الاستنزاف من أكثر من جهة.


إيران غير معنية بخوض مواجهات الآخرين، ولا هي مهتمة بمستقبل النزاع مع عدونا. إن إستراتيجيتها تتمحور حول كيفية بناء قوتها الذاتية التي تخوّلها للجلوس إلى طاولة اللاعبين الرئيسيين، وبأن تقدم نفسها للغرب ولروسيا بأنها طرف فاعل ويمكن الاعتماد عليه، في مقابل دول إقليمية مفككة أو ضعيفة.


لقد وضعت طهران في تفكيرها صورة الصواريخ التي قصف بها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكيان الصهيوني، والثمن المرتفع الذي دفعه العراق، وما يزال يدفعه حتى اليوم، جراء ذلك، بالتعبير عن نفسه بأنه "قوة منفلتة" لا يمكن ضبطها، أو تدجينها ضمن معايير الإمبريالية العالمية المهيمنة. لذلك، أرادت طهران أن تظهر عكس ذلك تماما، وبأنها دولة قادرة على الدفاع عن مصالحها بطريقة "منضبطة" تراعي الردع، ولا تندرج في الثأر والمواجهات غير المحسوبة.


من المرجح أن طهران لو أرادت أن تكون ضربتها ذات تأثير كبير لكانت قد أنجزت هذه المهمة، لكنها أرادتها رسالة إلى الكيان الصهيوني وواشنطن وعواصم التأثير الأخرى للإعلان عن نفسها وعن رؤيتها للحقبة المقبلة من الصراع، ولعلنا نرى في قادم الأيام مفاوضات جادة مع إيران حول الدور المفترض الذي قد تقوم به في المنطقة مستقبلا.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا