مقترحات تعديل قانون الضمان: لنناقش الدراسات الإكتوارية أولا

جواد عباسي ينص قانون الضمان الاجتماعي على ضرورة القيام بدراسات إكتوارية لوضع المؤسسة مرة كل ثلاث سنوات على الأقل وهو ما تقوم به. لكن المؤسسة لم تعد تنشر هذه الدراسات لاطلاع العموم والنقاش. وعليه يجب نشر آخر دراسات إكتوارية للضمان الاجتماعي ومناقشتها مع كافة أصحاب العلاقة (نقابات ومجلس أمة ومؤسسات مجتمع مدني وغيرهم) قبل اقتراح أي تغييرات جديدة على قانون الضمان الاجتماعي. بعد نقاش الدراسات الإكتوارية بكل وضوح يجب التوافق على تأطير أي تعديلات على قانون الضمان بحيث لا يتم أي تعديل على القانون إلا إذا كان من مصلحة جميع الأطراف: عمال وموظفين وأصحاب عمل ومؤسسة الضمان. لا أن تكون التعديلات لصالح طرف على حساب طرف آخر. بداية إن اقتراح مؤسسة الضمان بتخفيض نسب اقتطاع تقاعد الشيخوخة للشباب إلى النصف مع تخفيض فترة الاشتراك المحسوبة للتقاعد إلى النصف يفيد أساسا أصحاب العمل والوضع المالي للمؤسسة على حساب العامل والموظف. ولنأخذ هنا مثالا: موظف شاب براتب 500 دينار أول 10 سنوات من عمله وهو صغير وأصبح راتبه 1500 دينار بعد 28 سنة عمل على سن الستين. لو اشترك 10 سنوات على النسبة المخفضة لتأمين الشيخوخة كما هو مقترح سينخفض راتبه التقاعدي بنسبة 17 % بعد 30 سنة. فيخسر 2250 دينارا سنويا من راتبه التقاعدي بعد الستين مقابل زيادة راتبه وهو صغير ب 195 دينارا سنويا فقط. تجارة خاسرة تماما له. بينما تتنازل المؤسسة عن 525 دينارا اقتطاعات في السنة من راتبه وهو صغير لتوفر 2250 دينارا سنويا من راتبه التقاعدي. وهو مربح إكتواري هائل، بدلا عن هذا لربما يجب التفكير بحوافز مالية للموظفين المستحقين للتقاعد المبكر- وهم حاليا حوالي 150 ألف شخص- بحيث يؤجلون هذا الخيار مقابل تخفيض عبء اشتراكاتهم. هذا سيكون مفيدا لهم وللوضع المالي للضمان الاجتماعي وللاقتصاد ككل. على صعيد الإصلاحات الجذرية لا زلت عند رأي أننا نحتاج قرارات دراماتيكية بعد دراستها إكتواريا تحفز الاقتصاد وتفيد العمال وأصحاب العمل ومؤسسة الضمان معا. منها مثلا تخفيض اشتراكات الضمان من 21.75 % إلى 10 % مقابل إلغاء التقاعد المبكر ورفع سن التقاعد إلى 62 عاما للجميع ذكورا وإناثا. بحيث تنطبق هذه النسب على جميع المشتركين الجدد حصرا مع اختيارية التحويل لها للمشتركين الحاليين إن أرادوا. وبحيث يكون احتساب الراتب التقاعدي مربوطا بمعدل أعلى 10 أو 15 سنة من مجموع سنوات الاشتراك لا آخر سنتين فقط. في موضوع التأمين الصحي تقترح المؤسسة توفير التأمين الصحي مقابل رفع اقتطاع الضمان من 21.75 % إلى 24.25 % لغير المؤمنين صحيا وإلى 22.75 % للمؤمنين صحيا. وتقترح المؤسسة أن يكون التأمين الصحي في القطاع الخاص حصرا ويحصل على تمول حكومي إضافي ويمول أيضا من فوائض صندوق إصابات العمل. أرى أن هذا الاقتراح أضراره كبيرة ويجب ألا يمرّ. فهو يحرم القطاع الصحي العام من تمويل حكومي مهم ليذهب حصرا إلى القطاع الطبي الخاص. وهو كذلك يزيد نسبة اقتطاع الضمان لتصبح عالية جدا على العمال والموظفين مما سيساهم في تقليل رواتبهم الفعلية وقدرتهم الشرائية. ولنتذكر أن تعديلات قانون الضمان العام 2014 والتي زادت نسب الاقتطاع بثلاث درجات مئوية على ثلاث سنوات سحبت سيولة إضافية من جيوب الشركات والأفراد بحوالي مليار ونصف مليار دينار بين 2015 ومنتصف 2021 وحتما ساهمت في تثبيط النمو الاقتصادي. لربما الأفضل أن يقوم الضمان باستدراج عروض تأمين طبي للمشتركين والمتقاعدين كما تفعل كثير من الجمعيات والنقابات بحيث يوفر لهم خيارات تأمينية عديدة من كثير من شركات التأمين. وتكون هذه العروض منشورة بشفافية أمام كافة المشتركين ويكون الاشتراك اختياريا للموظفين والعمال عبر خدمات الضمان الاجتماعي الإلكترونية ويدفعون مقابل ما يختارون. هكذا لا نزيد العبء على العمال والموظفين، بل نوفر لهم خيارات تأمين صحية إضافية يختارونها بحسب حاجتهم الفعلية. ويكون دور الضمان محصورا في توفير خيارات مناسبة بأسعار منافسة لأن شركات التأمين ستسعر عروضها بأفضل الأسعار نظرا للعدد الكبير من مشتركي الضمان. بدون زيادة عبء الضمان على الاقتصاد وبدون تحميله مصاريف إضافية. تعودنا في السنوات السابقة أن ما تقترحه إدارة الضمان تسير به الحكومة ويمرره مجلس الأمة بدون تغيير. آن أوان نقاش وطني هادئ شفاف لكل الدراسات الإكتوارية للمؤسسة.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان