نستبدل أسيادا بأسياد

أصدق ما في فكرة أن ضربة إيران مسرحية هو أن العرب جمهور؛ جمهور متفرج على هكذا مسرحية، بل جمهور ليس له دور في صنع أو توجيه أحداث المسرحية التي تخص دوله وشعوبه، وإن الحوار السياسي والعسكري في المنطقة قائم  بين دول ترسم مصالحها الخاصة باحتراف دبلوماسي وعسكري مبهرين، وهذا يؤكد حقيقة غائبة حاضرة وهي أن مصير الشعوب والدول العربية ليس بيدها، بل بيد أعدائها في حين وخصومها في حين آخر! 

اضافة اعلان


الجولة الأخيرة بين إيران وإسرائيل بدأت من قصف إسرائيل لقنصلية إيران في سورية، والذي يعتبر-وفقا للقانون الدولي- قصفا مباشرا من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي لطهران، ناهيك عن انه اعتداء مباشر على سورية، الأمر الذي بات لا يذكر وكأن سورية العرب وقلب المشرق العربي باتت مباحة لدولة الكيان دون ردع أو عمل عربي مضاد! 


قامت إيران بإرسال رسالة على شكل صواريخ - بغض النظر عن التقارير الصادرة عن الجانبين بخصوص حجم الخسائر- وصرحت بتلك الرسالة أن إيران ليست كالدول العربية التي تعودتم إهانتها، وها نحن نضربكم في "عقر داركم"  ليلا جهارا، بعد  تبليغ الجيران وغير الجيران بموعد بدء الضربة، ولكن مضمون رسالتنا هو أننا لا نريد حربا معكم، وإن موضوع  القنصلية والرد عليه أصبح ملفا مغلقا بعد ضربتنا، إرتكازا لمبدأ "وحدة بوحدة"، فدعونا نكمل -بعد هذه السردية- رقصنا السياسي في المنطقة كالمعتاد.


والأوضح في الرسالة أن ضربتنا لكم ليس لها علاقة بوقف الحرب على غزة ولا بإدخال مساعدات ولا بأي شيء يمت بصلة للقضية الفلسطينية! 


أمام هذا الوضوح الدبلوماسي والعسكري الذي يليق بالدول المستقلة، خرج الجمهور العربي المغرق في نرجسية سياسية تجره إلى أن يعتقد أن العالم مكرس لخدمة مصالحه دون أي جهد منه، وانقسم جمهور المشاهدين والمستمعين إلى قسمين، أولهم عبرعن إحباطه لأن الضربة لم توجع إسرائيل، وأعتبر أن إيران بهذا متواطئة مع دولة الكيان، وغدا القسم الثاني من الجمهور العربي يمجد تلك الضربة واعتبرها أول خطوة لتحرير فلسطين! وبين هذين الفريقين تثور ضوضاء كبيرة تعبر تعبيرا واضحا صريحا عن سذاجة العقل السياسي العربي الجمعي وأكثر الأحيان الشخصي أيضا. 


المطلوب من أي دولة أولا هو أن تتصرف كدولة تقوم على خدمة مصالحها، وقد يكون من مصالحها الوقوف معك باعتبارك تمثل مصالحها في اللحظة الراهنة، الحد المتيقن من الحقائق أن رسالة إيران الصاروخية وصلت قواعد عسكرية إسرائيلية بعينها، ونظرا للتكلفة المادية لصدها فإن هذا يجعل الأميركي يفكر بالكلفة الباهظة للدفاع عن إسرائيل. 


هذا الواقع الجديد الذي تمثل بانتهاء وهم التفوق الإسرائيلي من جانب، والكلفة المادية الباهظة لحماية إسرائيل من جانب آخر؛ قد يشكل تحولا في أي من الاتجاهات التالية: قرار بتدمير إيران- كما حصل في العراق، وهو أمر غير مرغوب به أميركياً- ، أو قرار لمشروع مصالحة بين الغرب وإسرائيل وإيران يضمن حالة اقتسام النفوذ بين إيران وإسرائيل في المنطقة، بما يشمل حل ما للقضية الفلسطينية، بحيث يصبح الاحتلال صفوي صهيوني مباشر وغير مباشر مع ضمان مصالح أميركا  في المنطقة! 


هذا لا يعيب إيران، فهي تتصرف كدولة، ولكنه يعيب العرب العاربة والمستعربة التي تتشظى بين أحضان الدولة الراعية! وتتناحر للاصطفاف مع محور أو ضده! 
يقال إن الملك اليمني الحميري سيف بن ذي يزن استعان قبل الإسلام بالصفويين لإخراج الحبشيين من اليمن، وبعد التحرير جاءته وفود عربية ومنها قريش وعلى رأسهم "أبو طالب" لتهنئته بالتحرير، ورغم إشادته بجهود ذي يزن بتحرير أرض اليمن فإنه انتقد سيطرة الفرس، فقال بن ذي يزن: "لعلنا استبدلنا أسيادا بأسياد"، جنابك نحن ما زلنا نتسابق لاستبدال أسياد بأسياد. 

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا