اللامركزية في الأردن.. تجربة تستحق التأمل

رئيس بلدية سحاب د. عباس المحارمة - (أرشيفية)
رئيس بلدية سحاب د. عباس المحارمة - (أرشيفية)
بعد صدور كتابي حول اللامركزية في الأردن تلقيت ردود أفعال وملاحظات من أصدقاء أكاديميين وصناع قرار ورؤساء هيئات لامركزية، وكانت مجمل تلك الردود تدور حول تجربة اللامركزية في الأردن من حيث مستويات التطور أو التراجع في النهج اللامركزي الأردني.اضافة اعلان

وهل يحتاج الأردن إلى تطوير قوانين اللامركزية أم أنه بحاجة إلى تعزيز فلسفة اللامركزية باعتبارها نهج إداري يسعى إلى إتاحة الفرصة للوحدات المحلية لتحقيق احتياجاتها الفعلية من التنمية والتطور.

وهل يحتاج الأردن في هذه الفترة إلى تعدد أشكال اللامركزية في ظل السعي الحكومي للتخلص من تعدد الجهات التي تشرف على نفس العنوان كما حدث في عمليه دمج البلديات.

كل هذه التساؤلات جاءت لتعكس أن القارئ الأردني دقيق في التشخيص والوصف، كما أنها تعكس في الوقت ذاته رغبة كامنة بتطوير تجربة اللامركزية الأردنية.

 ومع إيماني بان كل تساؤل يحتاج إلى أكثر من مجرد مقال لكنني أستأذن الجميع في إبداء الملاحظات الآتية:

1- لا يمكن الحديث عن لامركزية حقيقة دون وجود قانون مناسب ينظم عمل الهيئات اللامركزية وما التطور القانوني الذي شهده الأردن ابتداء من عام 2015 وحتى الآن حيث صدر قانون اللامركزية رقم (49) لسنة 2015 المتعلق بإنشاء مجالس المحافظات وقانون البلديات رقم (41) المتعلق بتنظيم عمل البلديات، ثم جاء قانون الإدارة المحلية عام 2021 إلا دليل على حرص المشرع الأردني على إعادة النظر في المنظومة التشريعية المتعلقة باللامركزية في الأردن.

ولعل هذا التطوير يستدعي عملياً المقارنة بين مخرجات قانون عام 2015 وقانون عام 2021 لمعرفة أوجه القوة والضعف في كلا القانونين من خلال قياس مخرجات كل منهما وما تحقق على أرض الواقع من إنجازات تدعم أو تعيق عمل الهيئات اللامركزية.

2- إن نجاح تجربة اللامركزية من وجهة نظري لا يتوقف على تطوير المنظومة التشريعية فقط بل يتعداها إلى متغير أخر مؤثر وهو الناخب الأردني ، فمجالس اللامركزية تتم بالانتخاب وهل يستدعي بالضرورة البحث في العوامل المؤثرة على توجه الناخب الأردني عند اختيار ممثليه في الهيئات اللامركزية، فلو افترضنا جدا إننا نمتلك قانون لامركزية متطور ولكن الناخب الأردني يختار مرشحيه بناء على معايير خاصة فسوف نصل بالنتيجة إلى تجربة لامركزية غير فعالة بسبب اختيار الناخب وليس بسبب القانون.

3- إن تعدد الهيئات اللامركزية قد لا يكون مؤشراً صحياً على تجربة لامركزية حقيقية، فالأصل أن الهيئات اللامركزية تخضع في كل محافظة لهيئة مركزية عليا تندرج تحتها الهيئات اللامركزية الأقل تسلسا من الناحية الإدارية، وسبب ذلك أن احتياجات أي محافظة من التنمية لا تتوقف على تعدد هيئات اللامركزية بل يكفي وجود هيئة لامركزية واحدة تقود عمليات التنمية وتسخر كل جهود المحلية لنجاحها.

وهذا بالضبط ما يدعونا إلى مناقشة تعدد هيئات اللامركزية في الأردن وهل أثرت سلباً أم إيجاباً على عمليات التنمية، حيث سينصب نقاشنا القادم حول مستلزمات نجاح هيئات اللامركزية في الأردن.