إصدار جديد يستعرض نشأة الصهيونية وهجرة اليهود

Untitled-1
إصدار جديد يستعرض نشأة الصهيونية وهجرة اليهود
عمان- أصدرت دار عصور للنشر والتوزيع، كتابا بعنوان "هجرة اليهود من البلاد العربية في القرن العشرين-خلفياتها، ظروفها وملابساتها"، للباحث والكاتب الأردني حسام عبد الكريم، فجاء الكتاب في ثلاثة فصول.اضافة اعلان
في مقدمته للكتاب يستعرض المؤلف نشأة الصهيونية في أوروبا قائلا: "كانت الصهيونية مشروعا أوروبيا بالدرجة الأولى له ارتباط مباشر بمصالح الدول الكبرى وخاصة بريطانيا العظمى. حيث إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين كان يحقق عدة أهداف في ذات الوقت. حل مشكلة الوجود اليهودي (غير المرغوب فيه)، في أوروبا، وخلق قاعدة غربية في منطقة إستراتيجية على خطوط التجارة العالمية، وتأسيس حاجز يفصل شرق العالم العربي عن غربه ويحول دون وحدته، وتم اختيار فلسطين كمقر لإقامة الدولة اليهودية مما ساعد في تقوية المشروع الصهيوني عن طريق إعطائه بعدا دينيا جاذبا لعموم اليهود خاصة المتدينين منهم.
كان النشاط الصهيوني الأول في أوروبا بامتياز؛ المهاجرون الأوائل كانوا من أوروبا، المستوطنات الأولى أنشأها أثرياء يهود أوروبا، ووعد بلفور كان عبارة عن رسالة وجهها وزير الخارجية البريطاني إلى "اللورد روتشيلد"، في إنجلترا. رغم ذلك فإن الحركة الصهيونية كانت مهتمة بيهود المشرق، لأنها كانت تدرك أن نجاح المشروع الصهيوني في فلسطين يعتمد على الإعداد، أي الهجرة إلى فلسطين؛ لأنهم يحتاجون إلى أعداد لكي يتمكنوا من إقامة دولة قادرة على الاستمرار، ولذلك هم بحاجة إلى أكبر عدد ممكن من اليهود، بمن فيهم الشرقيون الذين كان الصهاينة الأوروبيون "الأشكناز"، يعتبرونهم في درجة أدنى حضاريا وثقافيا.
ويوضح عبد الكريم أن يهود الدول العربية لم يكونوا صهاينة بالمعنى الحركي. كان لديهم نوع من الصهيونية الدينية العمومية استمدوها من التوراة والتلمود، حنين إلى أورشاليم والأرض الموعودة واللغة العبرية. الصهيونية البدائية، إن جاز التعبير، عندهم لم تكن تعني الهجرة وتأسيس دولة يهودية في فلسطين بل كانت تشبه ذلك الحنين باعتبارها منبع الدين. تلك كانت علاقتهم بفلسطين والقدس، روحية ودينية ودون البعد السياسي الذي تبنته الحركة الصهيونية وحولته إلى برنامج عمل.
ويرى المؤلف أن الحركة الصهيونية وجدت أمامها مهمة شاقة في "صهينة"، يهود البلاد العربية. فما هو مطلوب منهم لم يكن أمرا سهلا ولا بسيطا، فالاقتناع بالصهيونية يعني الاستعداد للهجرة ومغادرة الوطن الذي عاش فيه الأجداد لمئات، وربما آلاف، السنين. إنه تغيير جذري في مجرى حياة الإنسان يتضمن مفارقة حياة كاملة عاشوها بكل أبعادها والانتقال إلى بلد آخر بعيد ومجتمع جديد ومجهول. بالنسبة للغالبية العظمى من اليهود لم يكن الدين وحده حافزا كافيا للقيام بهكذا خطوة، وكثيرا ما كان يهود البلاد العربية يعبرون للمبعوثين والنشطاء الصهاينة عن تعاطفهم وتأييدهم ولكن دون أن يقبلوا دعواتهم للهجرة إلى فلسطين. 
لم يحقق الصهاينة النجاح المأمول من نشاطهم في البلاد العربية وعند تأسيس "دولة إسرائيل عام 1948"، كان عدد اليهود فيها القادمين من البلاد العربية لا يتجاوز الـ"80 ألفا"، وهو انجاز متواضع بالنظر إلى حوالي سبعين سنة من النشاط منذ انطلاق الحركة الصهيونية. ومعظم الذين تجاوبوا مع الحركة الصهيونية وهاجروا كانوا من فئة الشباب ومن الطبقات الفقيرة في أوساط اليهود بالإضافة إلى بعض المتدينين، أما الأثرياء والميسورون والزعماء التقليديون للطوائف اليهودية فلم يهاجر منهم أحد. رغم ذلك، لا ينبغي الاستهانة بما قامت به الحركة الصهيونية، وفرعها في فلسطين الوكالة اليهودية، إذ إنها بذرة الفكرة الصهيونية في كل مكان.
كما يتحدث المؤلف عن تأسيس "إسرائيل"، عام 1948، مبينا أنه كان حاسما في تأثيره على يهود الدول العربية. حيث أصبحت الدولة اليهودية أمرا حقيقيا قائما على الأرض وليس مجرد أحلام أو وعود. صارت الهجرة إلى "دولة اليهود"، خيارا واقعيا مطروحا أمام يهود الدول العربية. من جهة أخرى تسبب تأسيس "إسرائيل"، في موجة غضب عارمة في أرجاء العالم العربي من شرقه لغربه بعد أن رأى الناس كيف تم اغتصاب أرض فلسطين وارتكاب المجازر بحق أهلها وتشريدهم في أرجاء الأرض. انعكس الغضب الشعبي إجراءات قاسية طالت يهود الدول العربية الذين صاروا محل اشتباه في تأييدهم للصهيونية ولإخوانهم في الدين واحتلوا فلسطين.
ويشير إلى أن اليهود تعرضوا في عدة بلدان عربية إلى اعتداءات وهجمات وقتل من جانب العامة الغاضبين والسلطات العربية كانت تجد صعوبة في التمييز بين مواطنيها اليهود الذين ما يزالون موالين لبلدانهم وبين الصهاينة الذين يعملون لصالح "إسرائيل"، وقد استغل الصهاينة تلك الأجواء الضاغطة التي وجد يهود الدول العربية أنفسهم فيها من أجل تهجيرهم إلى "إسرائيل". وبالفعل فإنه في السنوات الثلاث الأولى التي تلت إعلان قيام "إسرائيل"، هاجر إليها جميع يهود العراق واليمن وليبيا تقريبا، بالإضافة إلى قسم منهم من يهود مصر والمغرب وتونس وسورية. كما يتحدث عبد الكريم عن التأثير الفرنسي على يهود المغرب العربي حيث كان تأثيرا كبيرا. لقد انحاز اليهود جمعا إلى فرنسا وقيمها وثقافتها واعتبروها الأمل في التحضر والعدالة والمساواة وصاروا ينظرون إليها كضامن لهم في بلادهم. هذا الولاء لفرنسا أحدث شرخا في العلاقة مع بقية أهل البلاد من العرب والمسلمين. وكانت النتيجة أن اليهود ربطوا مصيرهم بالاستعمار الفرنسي وعندما غادر الاستعمار غادر معظمهم معه. وعندما حصل الاستقلال المغربي والتونسي عام 1956، فإن موجة ثانية وكبيرة من هجرة اليهود حصلت: "القادرون منهم إلى فرنسا والأقل حظا إلى "إسرائيل". 
وفي نفس العام 1956 حصل العدوان الثلاثي على مصر والذي أعقبه هجرة معظم من تبقى من يهود مصر. أما يهود الجزائر فهاجروا جماعيا إلى فرنسا عام 1962، قبيل حصول الجزائر على استقلالها. وبعد حرب 1967، لم يبق في الدول العربية إلا بضعة آلاف فقط من اليهود. ومع السبعينيات من القرن الماضي يمكن القول إن الوجود اليهودي في الدول العربية انتهى تماما وصار مجرد ذكرى.
في خاتمة الكتاب يقول المؤلف إن الحركة الصهيونية تتحمل القدر الأكبر من المسؤولية عن هجرة اليهود وانتهاء وجودهم في البلاد العربية التي عاشوا فيها لمئات أو آلاف السنين، والمسؤولية الصهيونية على وجهين: الأول "إنشاء (دولة اسرائيل)، في قلب العالم العربي، وهي التي قامت على الظلم الغصب وتشريد الشعب الفلسطيني. 
هذا الكيان العنصري المعادي للأمة العربية لا يمكن إلا أن يكون مصدر توتر وقلق وباعثا لمشاعر هي مزيج من الغضب والخوف في أوساط الأمة العربية التي هي في نهاية المطاف. وبالرغم من الحدود القطرية، مترابطة وموحدة ثقافيا وحضاريا وتاريخيا منذ أن جاء الإسلام قبل أربعة عشر قرنا، ولا يمكن أن تتجاهل الشعب الفلسطيني ومأساته. فوجود (دولة يهودية)، معادية فلسطين انعكس بالضرورة على حياة اليهود في الدول العربية الذين صاروا محل شبهة الولاء والتعاطف مع إخوانهم في الدين، ولم يعد ممكنا، على المستوى الشعبي على الأقل، الاستمرار في التعامل معهم كمواطنين عاديين. صارت فسحة العيش في البلاد العربية تضيق شيئا فشيئا أمام اليهود.
الثاني: النشاط الفعال الذي قامت به الحركة الصهيونية في أوساط اليهود داخل الدول العربية من أجل دفعهم للهجرة. لم تكتف الصهيونية بتأسيس (دولة إسرائيل)، ثم السكون وانتظار هجرة اليهود إليها طوعيا، بل جعلت هجرتهم هدفا إستراتيجيا لها تسعى له بكل طاقتها وبشتى الأساليب التي وصلت أحيانا حد العنف والإرهاب. لقد غرست الصهيونية بذور الشقاق بين عموم العرب واليهود الذين يعيشون بينهم بسبب نشاطها في نشر الفكر الصهيوني في أوساطهم. وكان من الصعب تمييز الصهاينة الحركيين الفاعلين الموالين لإسرائيل من بين بقية اليهود في الدول العربية".
ويشير عبد الكريم إلى أن قيام "دولة إسرائيل" في العام 1948، كان لحظة تاريخية حسمت مستقبل يهود الدول العربية. ويمكن القول إن ذلك كان إعلانا ببدء نهاية الوجود اليهودي في العالم العربي، ولم يبق سوى الترتيبات والظروف لتنفيذ ذلك. اليهود الأوروبيون، (الأشكناز)، هم الذين أسسوا دول (إسرائيل)، عن طريق هجرتهم. أما بالنسبة ليهود البلاد العربية الشرقيين فالعكس حصل تأسس دولة (إسرائيل)، ما أدى إلى هجرتهم.
يتحدث الكتاب عن دور الاستعمار في هجرة اليهود من الدولة العربية، كما يقول المؤلف: يتحمل الاستعمار الأوروبي قسما من مسؤولية ما جرى. في البلاد المغرب العربي حيث لعب الاستعمار الفرنسي دورا في خلق فجوة بين اليهود بقية فئات المجتمع. وصل الأمر في الجزائر إلى منح الجنسية الفرنسية لليهود حصرا دون المسلمين. وكذلك إيطاليا التي قامت، بمساهمة فاعلة من يهودها، باستقطاب يهود ليبيا والحصول على ولائهم لها على حساب وطنهم الأصلي. وأما الاستعمار البريطاني فمعروف دوره في تأسيس دولة "إسرائيل"، منذ وعد بلفور إلى سياسة الانتداب في فلسطين. ولا ننسى أن العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، والذي اشتركت فيه بريطانيا وفرنسا مع "إسرائيل"، كان له دور مهم في موجة الهجرة اليهودية الثانية.