تدمير النظام الصحي في قطاع غزة يتجاوز مستشفياته

جانب من آثار الدمار الحاصل بمستشفى الشفاء في شمال غزة-(وكالات)
جانب من آثار الدمار الحاصل بمستشفى الشفاء في شمال غزة-(وكالات)

تقرير خاص - (الإيكونوميست) 22/2/2024
قد يشهد قطاع غزة 58.000 حالة وفاة إضافية خلال الأشهر الستة المقبلة إذا ما استمر القتال.
*   *   *
الجرحى يرقدون على أرضيات المستشفى، والدماء تتدفق من جروحهم غير المعالجة. والأطباء يجرون عمليات البتر بلا تخدير. وبسبب نقص الشاش، لجأوا إلى تمزيق أرديتهم واستخدامها للتضميد.

اضافة اعلان

 

وبعد الجراحة، لا يوجد ماء ليغسلوا الدم عن أيديهم. ومن دون معدات معقَّمة، تنشر المستشفيات الأمراض بدلاً من علاجها. ويقول العديد من الأطباء الذين عملوا في مناطق حرب أخرى إن الظروف في غزة هي الأسوأ بين كل ما شاهدوه في أي صراع آخر

 

. ويقول تقرير صدر في شباط (فبراير) عن "أطباء من أجل حقوق الإنسان"، وهي منظمة رقابية إسرائيلية: "المستشفيات، التي كان المقصود منها أن تكون ملاذات آمنة... تحولت في كثير من الأحيان إلى أفخاخ للموت".


وفي 18 شباط (فبراير)، أعلنت "منظمة الصحة العالمية" أن "مستشفى ناصر" في خان يونس؛ أكبر مدينة في جنوب قطاع غزة، حيث ما يزال القتال يدور بعنف شديد، لم يعد يعمل. وتشير دراسة صدرت في اليوم التالي إلى أنه حتى لو أمكن الاتفاق على وقف إطلاق النار، فإن الأضرار التي لحقت بالنظام الصحي في غزة كبيرة للغاية بحيث أن العديد من الوفيات الإضافية ستأتي، حتى عندما يتوقف القتال.


منذ أن بدأ الهجوم البري الإسرائيلي في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، أصبحت المرافق الطبية ساحة رئيسية للمعارك. وقد لجأ عشرات الآلاف من سكان غزة إلى مجمعات المستشفيات التي تعرَّض العديد منها لهجمات القوات الإسرائيلية التي تزعم أن نشطاء حماس يحتمون بها.

 

ووفقًا لـ"منظمة الصحة العالمية"، فإن 85 في المائة من ما يقرب من 800 من العاملين في مجال الصحة ومرضى المستشفيات الذين قتلوا في الصراعات في جميع أنحاء العالم في العام الماضي لقوا حتفهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومعظمهم في قطاع غزة الذي يبلغ عرضه عشرة أميال. كما وقع نحو 60 في المائة من 1.500 هجوم شُنت على مرافق الرعاية الصحية في جميع مناطق النزاع في العالم هناك أيضًا.


بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على بدء الحرب، لا يعمل الآن سوى ربع مستشفيات غزة البالغ عددها 36 مستشفى، وأقل من ثلث العيادات الصحية البالغ عددها 72 عيادة -وتعمل هذه المرافق بشكل جزئي فقط. وفي 18 شباط (فبراير)، انتهى الحصار الذي فرضته القوات الإسرائيلية واستمر أسبوعًا كاملًا على "مستشفى ناصر"؛ المستشفى الأكبر الذي ما يزال يعمل في غزة، بدخول القوات إلى المستشفى واعتقال العديد من الأطباء، بمن فيهم مديره. وما يزال هناك حوالي 130 مريضًا و15 مسعفًا على الأقل في المبنى الذي لا تتوفر فيه كهرباء ولا مياه جارية.


الآن، تقوم إسرائيل بتدمير النظام الصحي في غزة من جذوره. العاملون الصحيون مرهقون ومصدومون؛ وسيارات الإسعاف تم تحطيمها؛ والمستشفيات التي ما تزال قائمة ربما تكون غير مستقرة من الناحية الهيكلية.

 

وحتى عندما لم تتعرض المستشفيات لضربات مباشرة، تسببت موجات الصدمة الناجمة عن القنابل في إتلاف الأنابيب الداخلية مثل خطوط الغاز، وتركت إمدادات الأكسجين محطمة.


حتى الآن، قتل أكثر من 29.000 شخص في الحرب التي تدور في غزة. لكن أبحاثًا جديدة تشير إلى أن الوفيات ستستمر في الارتفاع لفترة طويلة بعد توقف القتال. وتشير دراسة نشرتها في 19 شباط (فبراير) "كلية جونز هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة" في ماريلاند، و"كلية لندن للصحة والطب الاستوائي"، إلى أن الوفيات الإضافية -أي عدد الوفيات التي تتجاوز تلك المتوقعة في أي عام عادي، ستزيد بمقدار 6.550 حالة خلال الأشهر الستة المقبلة، حتى لو كان هناك وقف فوري لإطلاق النار.

 

وإذا استمر القتال عند مستواه الحالي، فقد يصل هذا الرقم إلى أكثر من 58.000 وفاة خلال نفس الفترة. ويرجع ذلك في جزء منه إلى الأمراض المعدية، وفي جزء آخر إلى الإصابات المؤلمة التي أصبحت المستشفيات القليلة المتبقية أقل قدرة على علاجها.

 

ويتوقع متخصصون آخرون أن يؤدي الافتقار إلى الرعاية الصحية المناسبة إلى إصابة نحو 280.000 شخص بإصابات أو أمراض مغيِّرة للحياة.


أصبحت المستشفيات، التي تتمتع بحماية خاصة بموجب قوانين الحرب، ساحة معركة في العديد من الصراعات الحضرية الأخيرة. وقد تم تدمير حوالي 60 في المائة من النظام الصحي في سورية في الأعوام الأربعة التي تلت اندلاع الحرب الأهلية هناك في العام 2011، وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة.

 

كما تم تدمير ربع الخدمات الصحية في اليمن في السنة الأولى من الحرب الأهلية في العام 2014. وفي العام 2022، بعد غزو روسيا لأوكرانيا، تم تدمير 37 مستشفى من أصل 1.600 مستشفى في ذلك البلد.


ومع ذلك، تقول إسرائيل إن مستشفيات غزة هي أهداف مشروعة. وقد نشرت أدلة تقول إنها تظهر أن مقاتلي حماس اختبأوا بين المرضى وقاموا بتخزين الأسلحة في عدد قليل من المستشفيات على الأقل.

 

وتقول أيضًا إن حماس احتفظت بنفق أسفل أكبر مستشفى في القطاع، "مستشفى الشفاء"، في مدينة غزة، والذي كان متصلاً بشبكة الأنفاق الأكبر التابعة له، حسب زعمها.

 

وإذا تم استخدام المستشفى لأغراض عسكرية، فإنه يفقد وضعه الخاص. لكن إسرائيل لم تسمح لمحققين مستقلين بالوصول إلى المستشفيات في القطاع للتحقق من هذه المزاعم.

 

وبعد سيطرتها على "مستشفى الشفاء" في تشرين الثاني (نوفمبر)، تراجعت عن ادعائها بأنها كشفت عن أدلة على وجود مركز رئيسي للقيادة والسيطرة فيه.


يقول العديد من الفلسطينيين إن لدى إسرائيل نية أوسع: إضعاف "قدرة مجتمع غزة على الوجود"، على حد تعبير منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان". أما إذا كان هذا صحيحًا أم لا، فشيء قابل للنقاش.

 

لكن الأمر غير القابل للنقاش هو أن الحرب جعلت بالفعل جزءًا كبيرًا من قطاع غزة غير صالح للسكن. وسيؤدي انهيار النظام الصحي إلى زيادة صعوبة عكس ذلك الاتجاه.

 

*نشر هذا التقرير تحت عنوان:  

The wrecking of Gaza’s health system goes beyond its hospitals

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

  تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة جريمة حرب‏