تركيا: دليل لقراءة انتخابات غير مضمونة لأردوغان

إمري أونغون* – (أوريان 21) 4 أيار (مايو) 2023 يصوت الناخبون الأتراك في اليوم نفسه للانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهو ما يجعل انتخابات 14 أيار (مايو) 2023 ذات أهمية خاصة. وقد أدت الأزمة الاقتصادية والفساد وسوء إدارة السلطات بعد زلزال شباط (فبراير) 2023 إلى إضعاف موقف الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان وأنصاره. وفيما يلي تفاصيل عن القوى الموجودة في المعترك. * * بالنظر إلى التشكيلة السياسية الحالية، قد تؤدي الانتخابات العامة التي ستجرى في تركيا في 14 أيار (مايو) 2023 إلى هزيمة رجب طيب أردوغان، الذي يتولى حزبه -حزب العدالة والتنمية- السلطة منذ 2002. فبعد أن خسر النظام المدن الكبرى خلال الانتخابات البلدية في العام 2019، تعزز هذا الاحتمال بسبب سوء إدارة الحكومة لتبعات الزلزال الذي تسبب، يوم 6 شباط (فبراير)، في هلاك أكثر من 50 ألف شخص في تركيا. وقد سبق في العام 1999، بعد زلزال مرمرة، أن سهل المشهد المؤسف نفسه لعجز مؤسسات فاسدة في التعامل مع العواقب المادية والبشرية للكارثة، صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. لفهم رهانات العملية الانتخابية، يجدر التذكير بأنه بعد فترة من التوسع من خلال اندماج أكبر في الرأسمالية العالمية باقتصاد موجه نحو التصدير الصناعي، شهدت تركيا اهتزازاً شديداً بسبب أزمة العام 2008. وتسارع الركود في الأعوام الأخيرة بسبب سياسة اقتصادية متقلبة وقصيرة المدى. فقد شهد حزب العدالة والتنمية الحاكم هروبا استبداديا إلى الأمام منذ أزمة 2008، اشتد كلما زادت معارضة المجتمع لهذا التطور، لا سيما مع تدخل النظام التركي في سورية. وفيما يتعلق بالمسألة الكردية، التي تحتل مكانة هيكلية في تركيا منذ تشكيل الجمهورية، فإن القمع هو الرد الرئيسي للنظام منذ أعوام عدة، حيث سُجن الآلاف من رؤساء البلديات والقادة السياسيين ونشطاء الحركة الكردية (وناشطين للتعبئة اليسارية). وأخيراً، علق حزب العدالة والتنمية في غضون 20 عاماً في مستنقع من الفساد، في حين تحول الحزب نفسه، الذي كان في البداية آلة سياسية جماهيرية بالغة الفعالية، إلى قوقعة فارغة تتكون من انتهازيين ينتفعون من وسائل الدولة ومؤسسات تدور في فلك النظام، مثل الغالبية العظمى من وسائل الإعلام. في هذا السياق، تكتسي الانتخابات العامة التي ستجرى الآن أهمية خاصة. سوف يتم إجراء انتخابين في 14 أيار (مايو): الدور الأول من الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية. ويتم تنظيم الانتخابات الرئاسية في دورتين بين المرشحين اللذين يحصلان على أكبر عدد من الأصوات إذا لم يحصل أي من المرشحين على الأغلبية في الدور الأول . وتتميز تركيا بنظام رئاسي قوي، خاصة منذ إلغاء منصب رئيس الوزراء العام 2018، ويشكل الوزراء حكومة مع رئيس جمهورية يتمتع بصلاحيات واسعة. ولا يوجد سوى مجلس واحد منتخب بالتصويت على قائمة المقاطعات، مع بعض الأحكام المحددة التي تعد حاسمة.

حملة منظمة حول ائتلافات

يتقدم نظام الرئيس المنتهية ولايته تحت ألوان “تحالف الجمهورية” (Cumhuriyet İttifakı). وأرضيته برنامج قومي استبدادي، نيوليبرالي بعمق، محافظ بشكل متزايد ومناهض لحقوق المرأة. ويتألف هذا التحالف بشكل أساسي من حزب أردوغان، حزب العدالة والتنمية (AKP) الذي يتولى السلطة منذ العام 2002، وله 285 نائبًا منتهية ولايتهم من أصل 600. وإلى جواره نجد حزب الحركة القومية المتطرف (Milliyetçi Hareket Partisi-MHP)، الحليف الرئيسي لحزب العدالة والتنمية في البرلمان بـ48 نائبًا، وهو القوة الثانية في هذا الائتلاف، إضافة إلى العديد من الأحزاب القومية والمحافظة الصغيرة ذات الأهمية الأقل. المنافس الرئيسي لتحالف الجمهورية هو “تحالف الأمة” (Millet İttifakı)، الذي يكشف برنامجه بشكل أساسي عن ليبرالية سياسية لمكافحة الفساد، وليبرالية اقتصادية ممزوجة بحد أدنى من الحقوق الاجتماعية. ويريد هذا التحالف على الخصوص استرداد 418 مليار دولار يقدر أن النظام وأتباعه سرقوها من الدولية. وينتظم هذا التحالف حول “حزب الشعب الجمهوري” (Cumhuriyet Halk Partisi)‏ القومي من يسار الوسط، صاحب 134 نائبًا. وقد انضم إليه الحزب الجيد (İyi Parti) القومي المتطرف، الذي يضم 36 نائباً، فضلاً عن أحزاب عدة أصغر. أما تحالف المعارضة الثاني، اليساري، فهو تحالف “الأمل والحرية” ( Emek ve Özgürlük İttifakı)، وقد تشكل حول حزب الشعوب الديمقراطي (Halkların Demokratik Partisi)، وهو حركة قومية كردية ويسارية، لها 57 نائبًا منتهية ولايتهم. وأخيرًا، يدعم تحالف السلف (Ata İttifakı) القومي سنان أوغان. كما يترشح محرم إينجه، المنشق عن حزب الشعب الجمهوري، كمستقل. مع أن تصميم أردوغان يبدو ثابتًا، فإن من المحتمل أن يكون ترشيحه غير قانوني، إذ إن الدستور ينص على فترتين متتاليتين كحد أقصى. ومع ذلك، يعتبر أردوغان أن المراجعة الدستورية للعام 2017 أعادت الحسابات إلى الصفر. وإضافة إلى ذلك، لم يتمكن الرئيس المنتهية ولايته أبداً من إثبات حصوله على شهادة جامعية، بينما ينص الدستور التركي على وجوب أن يكون المترشح للرئاسة حاصلاً على شهادة التعليم العالي. وليس هذا سوى مثال عرضي على اصطفاف معظم الجهاز القضائي وراء الرئاسة، والمزايا العديدة التي يتمتع بها النظام في هذه المنافسة الانتخابية. وهو يتمتع مسبقًا بسيطرة مطلقة على وسائل الإعلام العمومية، ويحظى بدعم الغالبية العظمى من الوسائل العاملة في القطاع الخاص.

تردد وانشقاقات في المعارضة

لكن حجم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية يجعل فوز أردوغان غير مؤكد، حتى لو استفاد النظام لبعض الوقت من مماطلة المعارضة في اختيار مرشحها للانتخابات الرئاسية. وعلى عكس المواعيد النهائية السابقة، أراد رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلي، أن يكون مرشح المعارضة، بينما كان شريكه “الحزب الجيِّد” يفضل الاصطفاف إما وراء رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أو وراء رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، عضو حزب الحركة القومية اليميني المتطرف (MHP) من 1989 إلى 2013. وإذا كان “الحزب الجيد” يرى أن كمال كليتشدار أوغلو لا يتمتع بالصفات التي تجعله “الأكثر أهلية” للانتخاب، فإن هذا يعود بلا شك إلى هويته الكردية والعلوية، في بلد ذي غالبية سنية كبيرة حيث “المسألة الكردية” محل جدل. ولكن، بين صورة أكرم إمام أوغلو التي عززتها الهجمات القضائية التي شنها عليه النظام، وكون اختيار منصور يافاش غير مقبول للحركة الكردية نظرًا لماضيه، كان تعيين مرشح التحالف أمراً معقداً. ومع ذلك، انتهى الأمر بقيادة حزب الشعب الجمهوري إلى إقناع الأحزاب اليمينية الصغيرة المشاركة في التحالف بدعم كمال كليتشدار أوغلو، الذي كان سخيا في منحهم ترشيحات مؤهلة للنجاح في الانتخابات البرلمانية. تسبب هذا في قطيعة مع “الحزب الجيّد”، الذي أعلن انسحابه من التحالف بخطاب ناري أطلقته رئيسته، ميرال أكشنر. غير أن أكشنر استهانت -هي وقيادة أركان حزبها- كليا بالصورة السلبية للغاية التي ولدتها هذه القطيعة لدى أطياف المجتمع الراغبة في وضع حد للأردوغانية. وعلاوة على ذلك، لم يكن للحزب الجيد أي بديل، لأن رئيسي بلديتي إسطنبول وأنقرة رفضا عرضه وأعادا تأكيد وفائهما لقيادة حزبهما. وهكذا، بعد أن وجد ظهره إلى الحائط تمامًا عقب أيام قليلة فقط بعد مغادرته تحالف الأمة، وافق “الحزب الجيد” على اتفاق يسمح له بحفظ ماء الوجه وعاد، ضعيفاً، إلى صفوف التحالف. ينص هذا الاتفاق على وجود ثمانية نواب للرئيس (عددهم غير محدد في الدستور التركي) إلى جانب رئيس الجمهورية، وسيكونون: رئيسا بلديتي إسطنبول وأنقرة إذا رغبا في ذلك، نائب رئيس كل حزب مشارك في الائتلاف (أي 6 إضافيين). وسيكون عدد الوزراء متناسبًا مع نتيجة الانتخابات التشريعية، مع ضمان أن يكون لكل حزب في التحالف وزير واحد على الأقل. ويوفر هذا الترتيب تمثيلاً مبالغاً فيه للأحزاب اليمينية الصغيرة من “تحالف الأمة”. وعلى سبيل المثال، سيكون للحزب الديمقراطي الذي حصل على 0.1 في المائة من الأصوات في الانتخابات التشريعية للعام 2015 نائب رئيس ووزير!

التفاصيل الدقيقة للتصويت البرلماني

يتم هذا الانتخاب وفقاً لتصويت قائمة المقاطعات عن طريق التمثيل النسبي. وفيها تفاصيل دقيقة قد تتيح العديد من المناورات. وتتمثل الخاصية الأولى في وجود سد وطني. لفترة طويلة، كان هذا السد محدداً بنسبة 10 في المائة لمنع الحركة الوطنية الكردية من دخول البرلمان. وقد تمّ تخفيضه إلى 7 في المائة، ويحسب على أساس الأصوات التي حصل عليها تحالف الأحزاب وليس كل حزب على حدة. وتتمثل الخاصية الثانية على وجه التحديد في نظام التحالفات: يمكن للعديد من الأحزاب التي تقدم قوائم أن تعلن رسميًا أنها في تحالف، ما يعني أن التصويت لصالح حزب في هذا التحالف يعادل التصويت على التحالف بأكمله. وتكمن الخاصية الثالثة في طريقة حساب توزيع النواب، وأهم ما يميزها هو تفضيل القائمة التي تأتي في المقدمة. خلال الانتخابات النيابية الأخيرة للعام 2018، تم احتساب توزيع عدد المقاعد من خلال التحالفات، بإضافة الأصوات التي حصلت عليها قوائم كل حزب في هذه التحالفات. وقام النظام بتغيير ذلك لانتخابات العام 2023، وسيتم توزيع المقاعد فقط على أساس عدد الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة. وهكذا، بصرف النظر عن تجاوز عتبة 7 في المائة، فإن التحالفات المكوّنة من قوائم عدة لم تعد لها أي فائدة. وهكذا، من وجهة نظر حسابية، من الأفضل أن تكون هناك قائمة واحدة لكل تحالف، مع موافقة الأطراف مسبقًا. وحدث ذلك أن النظام كان مقتنعاً بقدرته على تقديم قوائم مشتركة، خلافاً للمعارضة، وبالتالي كان يأمل في الاستفادة من هذه الميزة التي قد تكسبه ما يصل إلى 25 مقعداً. غير أن هذه المناورة تحطمت أمام العقبة التالية: رفض حزب الحركة القومية المتطرف، الحليف الرئيسي لحزب العدالة والتنمية، وضع قوائم مشتركة وعرض قوائمه في كل مكان. وبعبارة أخرى، يلعب حزب الحركة القومية على الهزيمة ويريد الحفاظ على هويته من هذا المنظور. وبذلك لم يتمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على اتفاق إلا مع حزب الشعب اليميني المحافظ المتطرف، و”جهاديي هدى- بار”، فضلاً عن حزب اليسار الديمقراطي المزعوم، لتقديم مرشحين على قوائمه المؤهلة.

بنود عدم المنافسة

إذا لم يقدم “تحالف الأمة” قائمة مشتركة بين “حزب الشعب الجمهوري” و”الحزب الجيد”، تخضع بعض المقاطعات لبنود عدم المنافسة، حيث يقدم طرف واحد فقط قائمة هناك. وإضافة إلى ذلك، توصل حزب الشعب الجمهوري إلى اتفاق مع الأحزاب اليمينية الصغيرة الأخرى لمنحها عددًا كبيرًا نسبيًا من الأماكن المؤهلة للانتخاب. وفعل هذا مقابل دعمهم لكمال كليتشدار أوغلو كمرشح للتحالف. وبالتالي، هناك 25 مقعدًا يمكن أن تفوز بها هذه التشكيلات. أخيرًا، يجد تحالف “العمل والحرية” نفسه مدرجاً في قائمتين. يقدم حزب الشعوب الديمقراطي (مع المكونات الأخرى للتحالف) مرشحيه في 81 مقاطعة في تركيا تحت ألوان “حزب اليسار الأخضر” (YSP). وقد اختار حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يواجه إجراء قضائيا قد يؤدي إلى حظره قبل الانتخابات مباشرة، مسبقًا التنافس تحت ألوان حليفه حزب اليسار الأخضر الذي يستوفي الشروط لتقديم نفسه على المستوى الوطني. وعلى اليسار دائماً، اختار حزب العمال التركي (Türkiye İşçi Partisi)، الذي يستفيد من هالة تعاطف وديناميكية نضالية حقيقية، إطلاق قوائمه الخاصة في 51 دائرة (جزء منها ليس في كردستان). وفي غالبية هذه الدوائر، لن يكون مجموع نتائج حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال التركي كافياً للحصول حتى على نائب واحد. وهكذا ستكون هناك قوائم منافسة في سبع مقاطعات كان حزب الشعوب الديمقراطي قد فاز فيها بنواب في الماضي، وهي الدوائر الانتخابية الثلاث في إسطنبول، أنقرة 1، إزمير2، هاتاي، أضنة، أنطاليا ومرسين.

آفاق اليسار

تمثل هذه الانتخابات رهانًا تاريخيًا بالنسبة لتركيا. وتعد إعادة انتخاب أردوغان بمثابة إدامة نظام استبدادي ونيوليبرالي بشكل متزايد، وصل إلى حد تعدي نقطة فارقة من حيث الهجمات على حقوق المرأة وحقوق المثليين. وتسير الضراوة الشديدة التي يتسم بها خطاب الشركاء المحافظين المتطرفين لحزب العدالة والتنمية الذين يريدون تجريم الزنا أو إلغاء القانون المتعلق بالعنف المنزلي في الاتجاه نفسه. أما “تحالف الأمة”، فهو ملتزم أولا بمكافحة الفساد، ويتمثل وعده الرئيسي في الإفراج عن آلاف السجناء السياسيين -وغالبيتهم العظمى من الأكراد- وإعادة بعث البلديات الكردية الموضوعة تحت إشراف الدولة، والبحث عن حل سياسي للمسألة الكردية. وفي حالة انتصاره، يحتاج تحالف الأمة إلى دعم تحالف العمل والحرية من أجل تأمين الأغلبية في البرلمان. وسيفتح الفوز المحتمل لكمال كليتشدار أوغلو آفاقاً جديدة ليسار مناضل. *إمري أونغون: كاتب فرنسي يحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، عضو في حزب “فرنسا الأبية” وفي حركة اليسار البيئي الاشتراكي. ترجم المقال من الفرنسية حميد العربي. اقرأ أيضا في ترجمات:
اضافة اعلان