ظل الإسلاميين يخيم على الحرب في السودان

1685873413688351100
دخان الحرائق يتصاعد في جنوب الخرطوم، السودان، 19 أيار (مايو) 2023 - (المصدر)

غوينايال لونوار* - (أوريان 21) 1 حزيران (يونيو)2023

 

فرّت "عصابة كوبر"

اضافة اعلان

 


في 23 نيسان (أبريل) 2023، فتح مجهولون أبواب زنزانات السجن التاريخي بالخرطوم، وتبخّر النزلاء في شوارع العاصمة السودانية. وكان يمكن أن تكون هذه الحادثة قصة من بين عديد القصص التي تحدث في ضجيج الحرب، لو أن "عصابة كوبر" لم تكن مكوّنة من مجرمين من نوع خاص. فثلاثة من أفرادها مطلوبون للمحكمة الجنائية الدولية، كما تتضمن العصابة بعض الشخصيات البارزة لنظام عمر البشير.

 

ولم يكن المستبد المخلوع -على ما يبدو- في السجن لحظة "التحرير"، حيث تم إرساله قبل ذلك بقليل إلى مستشفى عسكري في أم درمان، المدينة التوأم للخرطوم. ولكن، إذا لم يكن القائد الأكبر موجودًا، فإن أولئك الذين تمكّنوا من الهروب ليسوا سمكًا صغيرًا.

 

مجرمون مطلوبون للعدالة الدولية

 


يواجه عبد الرحيم حسين، وزير الدفاع السابق، سبع تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وست تهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور خلال السنوات الأولى من الحرب، في 2003 و2004. وكان أحمد هارون، المتهم بنفس الجرائم، وزيرًا للشؤون الإنسانية، وقد ترك في جنوب كردفان، حيث كان واليًا، ذكريات دامية. وكذلك، كان كل من علي عثمان طه وبكري حسن صالح، نائبي الرئيس السابقين والخليفتين المفترضين لعمر البشير.

 

أما نافع علي نافع، الرئيس السابق للشرطة السياسية سيئة الذكر (جهاز الأمن والمخابرات الوطني)، وعوض الجاز، وزير النفط في عهد البشير، والفاتح عز الدين، وزير البرلمان آنذاك، فقد كانوا من بين أبرز أعضاء "حزب المؤتمر الوطني"، العمود الفقري للنظام. وبعبارات أخرى، يمكن قول إنه في خضم الغارات الجوية والنهب ونيران المدفعية، برزت مرة أخرى أشباح الإسلاميين الذين أرادوا، خلف المُنظّر حسن الترابي، جعل المجتمع يتماشى مع مثالهم الأعلى للإسلام السياسي. وهم نفس الإسلاميين الذين رفضتهم ثورة 2018 والذين ينظر إليهم السودانيون منذ ذلك الحين على أنهم وراء معظم مصائبهم.


من أطلق سراح "عصابة كوبر"؟ اتهم وزير الداخلية بالنيابة -إذ لا وجود لحكومة في السودان منذ الانقلاب العسكري في تشرين الأول (أكتوبر) 2021- الفصائل شبه العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي.

 

وينفي هؤلاء التهمة، ويوجهونها إلى الإسلاميين الذين يتلاعبون بقيادة الجيش، والذين هم أعداؤهم الحقيقيون في الحرب الجارية. ويشير سليمان بالدو، المحلل والمدير التنفيذي للمرصد السوداني للشفافية والسياسات، إلى أن عمليات إطلاق سراح أخرى تمت منذ اندلاع الاشتباكات بين الجنرالين في الخرطوم في 15 نيسان (أبريل).

 

وفي كل مرة، كان من بين مجرمي الحق العام أعضاء سابقون من نظام البشير، لا سيما أعضاء من جهاز الأمن والمخابرات الوطني. ويرى المحلّل وراء هذه الأحداث سيناريو جيد الحبكة:


"تدخلت مجموعة مسلحة في سجن أم درمان وأطلقت سراح عناصر من جهاز الأمن والمخابرات الوطني الذين كانوا محتجزين هناك وقد حُكم عليهم بالإعدام. وأطلقوا سراحهم وقالوا للآخرين إنه عليهم تحرير أنفسهم.

 

سمعتُ ذلك من أحد هؤلاء السجناء. كان من الواضح أن الهدف هو التستّر على إطلاق سراح مجموعة معينة، تتكون من 35 عضوًا قديمًا في جهاز الأمن والمخابرات الوطني. ومن المعقول جدًا بالتالي أن يكون الفاعلون زملاءهم السابقين الذين تم حشدهم بمجرد اندلاع النزاع. قام البرهان بإعادة تشكيل القوات الخاصة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني التي تم حلها".


قامت هيئة الأركان العامة للجيش الوطني، في حربها مع قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي، بإعادة تفعيل جميع القوات الموازية وأجهزة المخابرات والمليشيات التابعة، المرتبطة بالنظام العسكري/ الإسلامي السابق: جهاز الأمن والمخابرات الوطني بالطبع، ولكن أيضًا قوات الدفاع الشعبي، وهي مليشيا إسلامية تم إنشاؤها في أعقاب انقلاب عمر البشير في 1989، والتي لم تكن تستجيب إلا لأوامره وأوامر حزبه، و"كتائب الظل"، المرتبطة أصلاً بالجبهة الإسلامية القومية بزعامة حسن الترابي، المنادي بأسلمة المجتمع السوداني حتى أفول نجمه في العام 2000، ثم بحزب المؤتمر الوطني بزعامة عمر البشير. ويُظهر مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي في 15 نيسان (أبريل)، أي يوم اندلاع الحرب، رجالاً مسلحين يزعمون أنهم إسلاميون ومستعدّون للقتال.


استحالة إصلاح قطاع الأمن


من المتفق عليه منذ فترة طويلة في الخرطوم أن الجيش الوطني ما يزال إلى حد كبير تحت سيطرة الإسلاميين، على الأقل على مستوى صف الضباط. يقول سليمان بالدو: "كان لديهم كل الوقت، خلال ثلاثين عامًا، لضمان عدم تجنيد أي شخص غير عضو في الحركة في المدرسة العسكرية. هكذا جعلوا من الجيش لواءً إسلاميًّا".

 

وقد تورط ضباط من الجيش في انقلابات تم إجهاضها في تموز (يوليو) 2019 وأيلول (سبتمبر) 2021.

 

ويؤكد أمجد فريد، مدير الديوان السابق لعبد الله حمدوك (رئيس الوزراء السابق) والناشط من أجل الديمقراطية من فترة طويلة: "كان التوتر بين الجيش الوطني وقوات الدعم السريع، الذي يغذّيه عداء مؤسساتي وشخصي، في تصاعد منذ مدة. وكان للخلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني، وحول القيادة والمدة التي ستستغرقها العملية، أثر حاسم".

 

لكن الإسلاميين لعبوا أيضًا دورًا أساسيًا في تصعيد التوتر". ويتابع أمجد فريد: "بالطبع، فتحت قوات الدعم السريع المواجهة بنشر قواتها حول مطار مروي وحول الخرطوم. لكنني أشك بقوة في أن جنود الجيش الوطني هم الذين أطلقوا الرصاصة الأولى في الخرطوم صباح 15 نيسان (أبريل)".


تذهب عدة روايات عن الأحداث في هذا الاتجاه: بينما كان التوتر في ذروته، في 13 و14 نيسان (أبريل)، توصّل الوسطاء، بعد أخذ وردّ بين الجنرالين، إلى تهدئة. وكان حتى من المقرر عقد اجتماع في 15 نيسان (أبريل) في الساعة 10 صباحاً بين الرجلين.

 

ولم يحدث ذلك أبدًا لأن معسكرين من قوات الدعم السريع في الخرطوم تعرضّا لهجوم قبل ذلك بقليل، وقامت القوات شبه العسكرية بالرّد. كانت الحرب قد اندلعت.

ويسأل شخص مطّلع: "لماذا تمّ (الهجوم) فقط على معسكرين في حين أن لدى قوات الدعم السريع 11 معسكرًا في العاصمة؟ لأن الإسلاميين أرادوا فقط إشعال الفتيل". ويؤكّد المصدر نفسه أن شخصًا ما يعرفه على صلة بالإسلاميين المتشددين قد حذّره، قبل انطلاقها بساعات قليلة، من أن الحرب ستندلع.


كتبت صحيفة "عاين" الاستقصائية السودانية في مقال نُشر قبل اندلاع الحرب مباشرة:


"لا يمكن فصل أعمال الجيش الوطني عن التوجه السياسي الذي تعطيه الحركة الإسلامية السودانية. تمارس الحركة الإسلامية نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا قويًا على الجيش والمؤسسات المرتبطة بالقوات المسلحة السودانية بسبب الولاءات المشتركة وشبكات التمويل المتداخلة".


وبالتالي فإن أتباع عمر البشير، الذين يسميهم السودانيون بـ"الكيزان"، يتحكمون حقًا بزمام المناورة. وهم لم يختفوا أبدا، حتى لو تم تفكيك المؤسسات المرتبطة بالنظام القديم جزئيًا بعد الثورة.

 

ويتذكّر أمجد فريد، مدير الديوان السابق الذي عاش الأمور من الداخل: "كانوا دائمًا نشطين، وقد سعوا باستمرار إلى تقويض الانتقال الديمقراطي.

كما حاولوا منذ البداية عرقلة الاقتصاد، ونشروا معلومات كاذبة خلال فترتي حكومتي حمدوك، وهم كذلك وراء محاولة اغتيال رئيس الوزراء في آذار (مارس) 2020".

 

ويجب هنا التنويه إلى بعض التفاصيل التي تزيد الوضع تعقيدًا: الإسلاميون في السودان منقسمون: هناك الأوفياء للخط الإخواني لحسن الترابي (والذي توفي في العام 2016)، وهناك الموالون لحزب عمر البشير، "حزب المؤتمر الوطني"، الذي مزج مناخ الأعمال بعقيدته الإسلاموية.


عودة إلى النظام القديم

 


يحمل انقلاب تشرين الأول (أكتوبر) 2021 بصمة الاثنين. وقد ختم هذا الانقلاب التحالف بين اللواء البرهان، رئيس مجلس السيادة آنذاك، وعلي كرتي، وهو سياسي مخضرم في "الجبهة الإسلامية الوطنية" التي يتزعمها الترابي أصبح مسؤولاً رفيعًا في "حزب المؤتمر الوطني".

 

وتم حل الحزب الرئاسي في العام 2019 خلال فترة التحول الديمقراطي، وصودرت ممتلكاته. وغادرت كوادره الذين لم يتم اعتقالهم السودان، بأمر من الحزب، وتوجّه كثير منهم إلى المنفى في تركيا. "ومع ذلك، لم تختف هياكل الحزب"، يقول موضّحًا كليمان ديشاي، عالم الأنثروبولوجيا والباحث في معهد البحوث الاستراتيجية في المدرسة العسكرية (IRSEM) بباريس.


هيمنت مجموعة علي كرتي على باقي الجماعات التي كانت في المنفى في تركيا. وكان كرتي منسّقًا لقوات الدفاع الشعبي في التسعينيات، ووزيرًا للعدل ووزيرًا للخارجية. وأمرهم الحزب في أعقاب انقلاب تشرين الأول (أكتوبر) 2021 بالعودة إلى البلاد، ففعلوا.


وهكذا ظهر علي كرتي مجددًا في السودان من دون أن يتعرض للمضايقة، مع أنه كان تحت طائلة مذكرة توقيف منذ العام 2019.


بعد فترة وجيزة من توقّف الانتقال الديمقراطي، ألغى الجنرال البرهان -وهو الحاكم الفعلي للبلاد- عمليات التطهير التي نُفّذت في الإدارة إبّان الثورة. وصار السودانيون يكتشفون يومًا بعد يوم أن هؤلاء وأولئك الذين عيّنتهم الحكومة المدنية لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك، قد أقيلوا لصالح سلفه الإسلامي. ويضيف كليمان ديشاي:


"كان المجلس العسكري في حاجة إلى كوادر حزب المؤتمر الوطني ليحكم البلاد بعد الانقلاب. قبل كل شيء، أعاد العسكر السلطة إلى الجناح المدني للإسلاميين الذي كان علي كرتي يجسده، من خلال السماح لهم بفتح جميع الجمعيات وجميع المنظمات شبه الحكومية، مثل جماعة الدعوة الإسلامية التي كانت تتحصل على جزء من الزكاة، وحافظت على القاعدة الاجتماعية لنظام عمر البشير من خلال توزيع الوظائف والقيام بالأعمال الخيرية".


وبخطوات صامتة، استعادوا موقعهم في البلاد.


يقول أمجد فريد بأسف:


"قبل اندلاع هذه الحرب مباشرة، أثاروا التوترات، على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الأرض. وقد رأينا، بالفعل، في الأسابيع التي سبقت 15 نيسان (أبريل) شخصيات إسلامويّة تدعو إلى العمل المسلح".


توضّح بعض المصادر أنهم لن يغفروا لعبد الفتاح البرهان قبوله المحادثات في جدة التي نظمتها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة حول موضوع تطبيق القانون الإنساني، حتى لو لم يتم احترام الاتفاق الناتج عن هذه الاجتماعات في الميدان. وبالمثل، يبدو أن إطلاق سراح "عصابة كوبر" من شأنه أن يأجّج التوترات القائمة داخل الحركة الإسلامية. وقد تكون هذه أخبارًا سارّة نادرة لأهل السودان. فبأي حال من الأحوال، لا يتصور أحد قبول عودة الجيش والاسلاميين إلى السلطة حينما تصمت المدافع بعد كارثة هذه الحرب الجديدة.

*غوينايال لونوار: صحفية مستقلة، متخصّصة في العالم العربي وبلدان شرق أفريقيا.
ترجم المقال من الفرنسية حميد العربي.

 

اقرأ المزيد في ترجمات