‏"لافندر": آلة الذكاء الاصطناعي التي توجه القصف الإسرائيلي في غزة‏ (3-1)

الدخان يتصاعد بعد غارات جوية إسرائيلية على بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، 28 كانون الأول (ديسمبر) 2023 - (المصدر)‏
الدخان يتصاعد بعد غارات جوية إسرائيلية على بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، 28 كانون الأول (ديسمبر) 2023 - (المصدر)‏

مقدمة:
سبق وأن نشرت مجلة "972+" و"لوكال كول" تحقيقًا مهمًا أجراه يوفال أبراهام في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، وتعقب فيه الأسباب الكامنة وراء عدد الوفيات وحجم الدمار غير المسبوقين اللذين نتجا عن الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة في أعقاب هجوم حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر).

اضافة اعلان


وحسب يوفال، أظهر التحقيق أن "عدد الفلسطينيين الذين ربما يُقتلون في كل هجوم عادة ما يتم حسابه مسبقاً ويكون معروفاً للجيش الإسرائيلي -وأن عدد الضحايا المدنيين المقبول كـ’أضرار جانبية‘ في الحرب الحالية أعلى بكثير مما كان في الحروب السابقة".
كان السبب في ضخامة عدد الأهداف التي يستهدفها القصف هو استخدام نظام يسمى ’هبسورا‘ (الإنجيل)، يعتمد إلى حد كبير على آلة للذكاء الاصطناعي يمكنها ’توليد‘ أهداف بمعدل يفوق بكثير ما كان ممكناً في السابق، والتي وصفها ضابط مخابرات إسرائيلي سابق بأنها آلة تسهل عمل "مصنع للاغتيالات الجماعية".
الآن، مرة أخرى، يكشف تحقيق جديد أجراه يوفال أبراهام أيضًا عن وجود آلة أخرى تعيّن الأهداف البشرية الفلسطينية لقصف جيش الكيان، تعمل بالذكاء الاصطناعي وتُدعى "لافندر". وكتب أبراهام بعد أيام من نشر التحقيق:
"قمنا هذا الأسبوع في مجلة ’972+‘ و’لوكال كول‘ بنشر قصة كبيرة كنت أعمل عليها منذ فترة طويلة. ويكشف تحقيقنا الجديد أن الجيش الإسرائيلي قام بتطوير برنامج قائم على الذكاء الاصطناعي يسمى "لافندر"، تم استخدامه لتحديد عشرات الآلاف من الفلسطينيين كناشطين مشتبه بهم وأهداف للاغتيال خلال حرب غزة الحالية.
وقال إنه "وفقًا لإفادات ستة من المبلِّغين عن المخالفات الذين تمت مقابلتهم في هذا التحقيق، لعب "لافندر" دورا مركزيا في القصف غير المسبوق الذي ينفذه الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وخاصة خلال الأسابيع الأولى من الحرب. وفي الواقع، وفقًا للمصادر، أعطى الجيش موافقة شاملة للجنود على تبني قوائم القتل التي ينتجها "لافندر" -مع القليل من الإشراف البشري، والتعامل مع توصية آلة الذكاء الاصطناعي "كما لو أنها كانت قرارًا بشريا". وبينما تم تصميم الآلة لتحديد العناصر العسكرية الفلسطينية "من المستوى المنخفض"، كان الجيش يعرف أن الآلة ترتكب ما يُعتبر "أخطاء" في تحديد الهوية في حوالي 10 بالمائة من الحالات. وصاحب ذلك تفضيل منهجي لضرب الأشخاص/ الأهداف الذين أشر عليهم "لافندر" أثناء تواجدهم في منازل عائلاتهم، إلى جانب انتهاج سياسة متساهلة للغاية تجاه سقوط الضحايا المدنيين، مما أدى إلى مقتل عائلات فلسطينية بأكملها.
"كان لهذا التحقيق الذي يكشف طبقات جديدة وحقائق قاسية حول حرب غزة المدمرة - تأثير هائل خلال الساعات الـ48 التي تلت نشره. وقد شاهد المقال مسبقًا مئات الآلاف من الناس في جميع أنحاء العالم، وشاركه صحفيون مؤثرون ونشطاء حقوقيون وشخصيات عامة أخرى. وقامت وسائل الإعلام المختلفة، مثل صحف "الغارديان"، و"الواشنطن بوست"، و"لوموند"، و"هآرتس"، ومحطة "سي. إن. إن"، و"بزنس إنسايدر" و"الإندنبدنت" وغيرها بالتعليق على قصتنا وإيصالها إلى الجماهير العالمية. وأجرت وسائل الإعلام الكبرى الكثير من المقابلات معي للتعليق على التحقيق.
"في الوقت نفسه، على المستوى السياسي، أشار المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، إلى أن الولايات المتحدة تدرس محتويات تحقيقنا. كما استشهدت النائبة الفلسطينية عايدة توما سليمان بأجزاء من تقريرنا في خطاب ألقته في الكنيست. وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، عن "انزعاجه العميق" من النتائج التي توصلنا إليها، مضيفًا: "لا ينبغي تفويض أي جزء من قرارات الحياة والموت التي تؤثر على عائلات بأكملها إلى الحسابات الباردة للخوارزميات".
"كان من المفيد رؤية الكثير من القراء يشيدون بتحقيقنا باعتباره من أهم الأعمال الصحفية في الحرب... آمل شخصيًا أن يساعد هذا الكشف على تقريبنا خطوة نحو إنهاء هذه الحرب الرهيبة ومواجهة الأنظمة العنيفة التي تمكِّن الظلم هنا في إسرائيل وفلسطين".
في ما يلي الترجمة العربية للنص الكامل للتحقيق الأخير.

 

يوفال أبراهام* - (مجلة 972+) 4/4/2024

 


في العام 2021،‏‏ صدر ‏‏كتاب‏‏ بعنوان "فريق الإنسان والآلة: كيف نصنع التآزر بين الذكاء البشري والاصطناعي، الذي يُحدث ثورة في عالمنا" The Human-Machine Team: How to Create Synergy Between Human and Artificial Intelligence That Will Revolutionize Our World، باللغة الإنجليزية من تأليف صاحب اسم مستعار: "العميد واي. أس". وفيه يدافع المؤلف -وهو رجل تأكدنا من أنه القائد الحالي لوحدة النخبة في الاستخبارات الإسرائيلية، 8200- عن قضية تصميم آلة خاصة يمكنها معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة لتوليد الآلاف من "الأهداف" المحتملة للضربات العسكرية في خضم حرب. وكتب أن مثل هذه التكنولوجيا ستحُل ما وصفه بأنه "عنق زجاجة بشري لكل من تحديد الأهداف الجديدة واتخاذ القرار للموافقة على قصف الأهداف".‏
مثل هذه الآلة، كما يتضح الآن، موجودة بالفعل. وقد كشف تحقيق جديد أجرته مجلة "972+" وموقع "لوكال كول" أن الجيش الإسرائيلي طور برنامجًا قائمًا على الذكاء الاصطناعي يعرف باسم "لافندر" Lavender، نكشف عنه هنا لأول مرة. ووفقًا لستة من ضباط المخابرات الإسرائيلية، الذين خدموا جميعًا في الجيش خلال الحرب الحالية على قطاع غزة وكان لهم دور مباشر في استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد أهداف للاغتيال، لعب "لافندر" دورا مركزيا في القصف غير المسبوق للفلسطينيين، خاصة خلال المراحل الأولى من الحرب. وفي الواقع، وفقًا للمصادر، كان تأثيره على عمليات الجيش كبيرًا لدرجة أنهم تعاملوا بشكل أساسي مع مخرجات آلة الذكاء الاصطناعي "كما لو كان قرارا بشريا".‏
من الناحية الرسمية، تم تصميم نظام "لافندر" للتأشير على جميع الناشطين المشتبه بهم في الجناحين العسكريين لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي في فلسطين"، بمن في ذلك العناصر ذوو الرتب المنخفضة، كأهداف محتملة للقصف. وقالت المصادر لمجلة "972+" و "لوكال كول" إنه خلال الأسابيع الأولى من الحرب، اعتمد الجيش بشكل شبه كامل على "لافندر"، الذي عيّن ما يصل إلى 37.000 فلسطيني كمسلحين مشتبه بهم -ومنازلهم- لشن غارات جوية محتملة.‏
‏خلال المراحل الأولى من الحرب، أعطى الجيش موافقة شاملة للضباط لاعتماد قوائم القتل التي يضعها "لافندر"، من دون الحاجة إلى التحقق بدقة من سبب اتخاذ الآلة لهذه الخيارات أو فحص البيانات الاستخباراتية الأولية التي استندت إليها. وذكر أحد المصادر أن الأفراد البشريين غالبًا ما كانوا بمثابة "ختم" يصادق على قرارات الآلة، مضيفا أنهم، عادة، يكرسون شخصيا حوالي "20 ثانية" فقط لكل هدف قبل الإذن بقصف فقط للتأكد من أن الهدف الذي يحمل علامة "لافندر" هو ذكر. كان هذا على الرغم من معرفة أن النظام يرتكب ما يعتبر "أخطاء" في حوالي 10 في المائة من الحالات، ومن المعروف أنه يؤشر أحيانًا إلى أفراد لديهم مجرد صلة فضفاضة بالجماعات المسلحة، أو لا صلة على الإطلاق.‏
بالإضافة إلى ذلك، هاجم الجيش الإسرائيلي الأفراد المستهدفين بصورة منهجية بينما يكونون في منازلهم -عادة في الليل أثناء وجود أسرهم بأكملها- وليس أثناء النشاط العسكري. ووفقًا للمصادر، كان السبب في ذلك، من وجهة نظر استخباراتية، هو أنه من الأسهل تحديد مكان الأفراد في منازلهم الخاصة. وتم استخدام أنظمة آلية إضافية، بما في ذلك نظام يسمى "أين بابا؟" "?Where’s Daddy"، يتم الكشف عنه هنا لأول مرة، على وجه التحديد لتتبع الأفراد المستهدفين وتنفيذ التفجيرات عندما يدخلون إلى مساكن أسرهم.‏
‏والنتيجة، كما شهدت المصادر، هي أن آلاف الفلسطينيين -معظمهم من النساء والأطفال أو الأشخاص الذين لم يشاركوا في القتال- قد أبيدوا بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، خاصة خلال الأسابيع الأولى من الحرب، بسبب قرارات برنامج الذكاء الاصطناعي.‏
وقال أ.، ضابط مخابرات، لمجلة "972+" و"لوكال كول": "لم نكن مهتمين بقتل نشطاء (حماس) فقط عندما يكونون في مبنى عسكري أو يشاركون في نشاط عسكري. على العكس من ذلك، قصفهم الجيش الإسرائيلي في المنازل من دون تردد، كخيار أول. من الأسهل بكثير قصف منزل عائلة. النظام مصمم للبحث عنهم في هذه المواقف".‏
تنضم آلة "لافندر" إلى نظام آخر للذكاء الاصطناعي، "الإنجيل" The Gospel، الذي تم الكشف عن معلومات عنه في ‏‏تحقيق سابق‏‏ أجراه مجلة "972+" و "لوكال كول" في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، (1) وكذلك في ‏‏منشورات‏‏ الجيش الإسرائيلي نفسه‏‏. ويكمن أحد الاختلافات الرئيسية بين النظامين في تعريف الهدف: في حين أن "الإنجيل" يشير إلى المباني والهياكل التي يدعي الجيش أن المسلحين يعملون منها، فإن "لافندر" يحدد الأشخاص -ويضعهم على قائمة القتل.
‏بالإضافة إلى ذلك، وفقًا للمصادر، فإنه عندما تعلق الأمر باستهداف المقاتلين الصغار المزعومين الذين يؤشر عليهم "لافندر"، فضل الجيش استخدام الصواريخ غير الموجهة فقط، والمعروفة باسم القنابل "الغبية" (النقيض للقنابل الدقيقة "الذكية")، والتي يمكن أن تدمر مباني بأكملها فوق قاطنيها وتسبب خسائر كبيرة. وقال سي، أحد ضباط المخابرات: "إنك لا تريد أن تهدر قنابل باهظة الثمن على أشخاص غير مهمين - إنها مكلفة للغاية للبلاد وهناك نقص (في تلك القنابل)"، وقال مصدر آخر إنهم سمحوا شخصيا بقصف "المئات" من المنازل الخاصة لناشطين صغار مزعومين حددها "لافندر"، حيث قتل العديد من هذه الهجمات مدنيين وعائلات بأكملها باعتبارها "أضرارًا جانبية".‏
وفي خطوة غير مسبوقة، وفقًا لاثنين من المصادر، قرر الجيش أيضًا خلال الأسابيع الأولى من الحرب أنه مقابل كل ناشط صغير في "حماس" حدده "لافندر"، يسمح بقتل ما يصل إلى 15 أو 20 مدنيا. في الماضي، لم يكن الجيش يأذن بأي "أضرار جانبية" خلال اغتيالات المسلحين ذوي الرتب المنخفضة. وأضافت المصادر أنه في حال كان الهدف مسؤولاً كبيرًا في "حماس "برتبة قائد كتيبة أو لواء، فإن الجيش أذن في مناسبات عدة بقتل أكثر من 100 مدني في عملية اغتيال قائد واحد.‏
‏تم تنظيم التحقيق التالي وفقا للمراحل الزمنية الست لعملية إنتاج الأهداف المؤتمتة إلى حد كبير والتي استخدمها الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأولى من حرب غزة. وسوف نشرح أولًا آلة "لافندر" نفسها، التي حددت عشرات الآلاف من الفلسطينيين باستخدام الذكاء الاصطناعي. وسوف نكشف، ثانيًا، عن نظام "أين بابا؟" الذي تعقب هذه الأهداف وأرسل إشارات إلى الجيش عندما دخل المستهدفون منازل عائلاتهم. وثالثًا، سوف نصف كيف تم اختيار القنابل "الغبية" لضرب هذه المنازل.
رابعًا، سوف نوضح كيف خفف الجيش القيود عن العدد المسموح به من المدنيين الذين يمكن قتلهم أثناء قصف هدف. وسوف نلاحظ، خامسًا، كيف أن البرمجيات الآلية حسبت بشكل غير دقيق عدد الأفراد غير المقاتلين في كل أسرة. وسادسًا، سنبين كيف أنه في مناسبات عدة، عندما يتم قصف منزل، عادة في الليل، لم يكن الفرد المستهدف في بعض الأحيان في داخل المنزل على الإطلاق، لأن ضباط الجيش لم يقوموا بالتحقق من المعلومات في الوقت الحقيقي.‏


‏الخطوة 1: توليد الأهداف‏

 


‏"بمجرد أن تتحول إلى النظام الآلي، يصبح توليد الأهداف مجنونا"‏
‏في الجيش الإسرائيلي، كان مصطلح "هدف بشري" يشير في الماضي إلى ناشط عسكري كبير يمكن قتله، وفقًا لقواعد ’قسم القانون الدولي‘ في الجيش في منزله الخاص. وقالت مصادر استخباراتية لمجلة "972+" و "لوكال كول" إنه خلال حروب إسرائيل السابقة، بالنظر إلى أن هذه كانت طريقة "وحشية بشكل خاص" لقتل شخص ما -غالبًا عن طريق قتل عائلة بأكملها إلى جانب الهدف- كان يتم تحديد هذه الأهداف البشرية بعناية فائقة وكان يتم قصف كبار القادة العسكريين فقط في منازلهم، للحفاظ على مبدأ التناسب بموجب القانون الدولي.‏


ولكن بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) -عندما شن مسلحون بقيادة حماس هجومًا مميتًا على بلدات في جنوب إسرائيل، أسفر عن مقتل حوالي 1.200 شخص واختطاف 240 آخرين- اتخذ الجيش، كما قالت المصادر، نهجًا مختلفًا تمامًا. في "حملة السيوف الحديدية" قرر الجيش تصنيف جميع نشطاء الذراع العسكري لحماس كأهداف بشرية، بغض النظر عن رتبهم أو أهميتهم العسكرية. وهذا غيَّر كل شيء.‏


كما شكلت السياسة الجديدة أيضًا مشكلة فنية للاستخبارات الإسرائيلية. في الحروب السابقة، من أجل السماح باغتيال هدف بشري واحد، كان على ضابط أن يمر بعملية "تجريم" معقدة وطويلة: التحقق الدقيق من الأدلة على أن الشخص المعنيّ هو بالفعل عضو بارز في الجناح العسكري لحماس؛ ومعرفة مكان إقامته، ومعلومات الاتصال به؛ وأخيرا معرفة متى يكون متواجدًا في المنزل في الوقت الحقيقي. وعندما كان عدد الأشخاص الموضوعين في قائمة الأهداف بضع عشرات فقط من كبار النشطاء، كان بإمكان أفراد الاستخبارات التعامل بشكل فردي مع العمل الذي ينطوي عليه تجريم المستهدفين وتحديد أمكانهم.‏


مع ذلك، بمجرد أن توسعت قائمة الأهداف لتشمل عشرات الآلاف من الناشطين ذوي الرتب الدنيا، اعتقد الجيش الإسرائيلي أنه يجب أن يعتمد على البرمجيات الآلية والذكاء الاصطناعي. وكانت النتيجة، كما تشهد المصادر، أن دور الموظفين البشريين في تجريم الفلسطينيين كعناصر عسكرية قد نُحى جانبا، وقام الذكاء الاصطناعي بمعظم العمل بدلاً عنهم.

 

ووفقًا لأربعة من المصادر التي تحدثت إلى مجلة "972+" و"لوكال كول"، حدّد "لافندر" -الذي تم تطويره لإنشاء أهداف بشرية في الحرب الحالية- حوالي 37.000 فلسطيني على أنهم "مقاتلون من حماس" مشتبه بهم، معظمهم من الرتب الدنيا، للاغتيال (نفى الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي وجود قائمة قتل كهذه في تصريح لمجلة "972+" و"لوكال كول").


‏أوضح الضابط الكبير ب. لمجلة "972+" و"لوكال كول"، مسلطًا الضوء على السبب وراء تطوير هذه الآلة لتحديد الأهداف بشكل خاص للحرب الحالية: "لم نكن نعرف من هم صغار الناشطين، لأن إسرائيل لم تكن تتعقبهم بشكل روتيني (قبل الحرب). أرادوا السماح لنا بمهاجمة (النشطاء ذوي الرتب الدنيا) أوتوماتيكيًا. هذه هي ’الكأس المقدسة‘. بمجرد أن تتحول إلى الاستهداف الآلي، يصبح توليد الأهداف مجنونًا".‏


‏وقالت المصادر إن الموافقة بشكل تلقائي على اعتماد قوائم القتل التي يولدها "لافندر"، الذي كان يُستخدم في السابق كأداة مساعِدة فقط، مُنحت بعد حوالي أسبوعين من بدء الحرب، بعد أن تحقق أفراد المخابرات "يدويا" من دقة عينة عشوائية من مئات عدة من الأهداف التي اختارها نظام الذكاء الاصطناعي.

 

وعندما وجدت تلك العينة أن نتائج "لافندر" وصلت إلى دقة بنسبة 90 في المائة في تحديد انتماء الفرد إلى حماس، أذن الجيش باستخدام النظام بشكل كاسح.

 

ومنذ تلك اللحظة، قالت المصادر من الجيش إنه إذا قرر لافندر أن شخصًا ما هو عنصر في حماس، فقد طلب منهم بشكل أساسي التعامل مع ذلك كأمر، من دون الحاجة إلى التحقق بشكل مستقل من سبب قيام الآلة بهذا الاختيار أو فحص البيانات الاستخباراتية الأولية التي تستند إليها.‏


وقال ب.‏‏: "عند الساعة 5 صباحًا، ‏‏كان ‏‏(سلاح الجو) يأتي ويقصف جميع المنازل التي حددناها. لقد قضينا على آلاف الأشخاص. لم نتفقد ملفاتهم واحدًا واحدًا -وضعنا كل شيء في أنظمة آلية، وبمجرد أن يصبح أحد (الأفراد المحددين) في المنزل، كان يصبح على الفور هدفًا. وقصفناه هو ومنزله".‏


‏‏وقال أحد المصادر عن استخدام الذكاء الاصطناعي لتمييز المسلحين المزعومين من ذوي الرتب المنخفضة: "كان من المفاجئ جدا بالنسبة لي أن يُطلب منا قصف منزل لقتل جندي من القوات البرية، والذي كانت أهميته في القتال منخفضة للغاية.

 

أطلقتُ على تلك الأهداف اسم ’الأهداف القمامة‘. ومع ذلك، وجدت استهدافهم أكثر أخلاقية من الأهداف التي ‏‏قصفناها فقط من أجل ’الردع‘‏‏ -مباني الأبراج التي يتم إخلاؤها وإسقاطها فقط لإحداث الدمار". ‏


‏كانت النتائج المميتة لهذا التخفيف من القيود في المرحلة المبكرة من الحرب مذهلة. ووفقًا لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، التي اعتمد عليها الجيش الإسرائيلي ‏‏بشكل حصري تقريبًا‏‏ منذ بداية الحرب، قتلت إسرائيل حوالي 15,000 فلسطيني -ما يقرب من نصف عدد القتلى حتى الآن- في ‏‏الأسابيع الستة الأولى‏‏ من الحرب، حتى تم الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة أسبوع في 24 تشرين الثاني (نوفمبر).‏


‏"كلما زادت المعلومات وتنوعت، كان ذلك أفضل"‏


‏يحلل برنامج "لافندر" المعلومات التي تم جمعها عن معظم سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من خلال نظام مراقبة جماعية، ثم يقيِّم ويصنف احتمال أن يكون كل شخص بعينه ناشطًا في الجناح العسكري لحماس أو الجهاد الإسلامي في فلسطين. ووفقًا للمصادر، فإن الجهاز يعطي كل شخص تقريبًا في غزة تصنيفا من 1 إلى 100، يعبر عن مدى احتمال كونه عضوًا في المنظمات الفلسطينية.


‏وأوضحت المصادر أن لافندر يتعلم كيفية تحديد خصائص نشطاء حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين المعروفين، الذين تم تزويد الجهاز بمعلوماتهم كبيانات للتدريب، ثم يقوم بعد ذلك بتحديد هذه الخصائص نفسها -التي تسمى أيضًا "السمات"- بين عامة السكان. والشخص الذي يتبين أن لديه العديد من سمات التجريم المختلفة سيصل إلى تصنيف عال، وبالتالي يصبح تلقائيا هدفًا محتملاً للاغتيال.


في كتاب "فريق الإنسان والآلة"، المشار إليه في بداية هذا المقال، يدافع القائد الحالي للوحدة 8200 عن مثل هذا النظام من دون الإشارة إلى "لافندر" بالاسم. (لم تتم تسمية القائد نفسه أيضًا، لكن خمسة مصادر يعملون في الوحدة 8200 أكدوا أن القائد هو المؤلف، وكذلك ذكرت صحيفة "هآرتس"). وبينما يصف الأفراد البشريين بأنهم "عنق الزجاجة" الذي يحد من قدرة الجيش خلال عملية عسكرية، أعرب القائد عن أسفه: "نحن (البشر) لا يمكننا معالجة الكثير من المعلومات. لا يهم عدد الأشخاص الذين توكل إليهم مهمة إنتاج أهداف خلال الحرب - ستظل غير قادر على إنتاج أهداف كافية لكل يوم".‏


‏ويقول إن الحل لهذه المشكلة هو الذكاء الاصطناعي. ويقدم الكتاب دليلا إرشاديا قصيرا لبناء "آلة أهداف"، تشبه في وصفها "لافندر"، تستند إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتعلُّم الآلي.

 

ويتضمن هذا الدليل العديد من الأمثلة على "مئات وآلاف" السِّمات التي يمكن أن تزيد من تصنيف الفرد، مثل التواجد في مجموعة "واتس آب" مع ناشط معروف، وتغيير الهاتف الخلوي كل بضعة أشهر، وتغيير العناوين بشكل متكرر. ‏


‏ويكتب القائد : "كلما زادت المعلومات، وكلما زاد التنوع، كان ذلك أفضل. المعلومات البصرية، معلومات الهواتف الخلوية، جهات الاتصال على وسائل التواصل الاجتماعي، معلومات ساحة المعركة، جهات الاتصال الهاتفية، الصور".

 

ويضيف القائد أنه بينما يختار البشر هذه السّمات في البداية، سوف تقوم الآلة بمرور الوقت بتحديد السمات من تلقاء نفسها. ويقول إن هذا يمكن أن يمكن الجيوش من إنشاء "عشرات الآلاف من الأهداف"، في حين أن القرار الفعلي بشأن ما إذا كانت ستهاجمها أم لا سيظل قرارا بشريا.‏


‏لم يكن الكتاب هو المرة الوحيدة التي يلمح فيها قائد إسرائيلي كبير إلى وجود آلات لتوليد الأهداف البشرية مثل "لافندر". وقد حصلت مجلة "972+" و "لوكال كول" على لقطات مصورة من محاضرة خاصة ألقاها قائد "مركز علوم البيانات والذكاء الاصطناعي" السري التابع للوحدة 8200، "العقيد يوآف"، في "أسبوع الذكاء الاصطناعي" بجامعة تل أبيب في العام 2023، والتي ‏‏كتبت عنها‏‏ في ذلك الوقت وسائل الإعلام الإسرائيلية.‏


‏في المحاضرة، يتحدث القائد عن آلة استهداف جديدة ومتطورة يستخدمها الجيش الإسرائيلي تكتشف "الأشخاص الخطرين" بناء على تشابههم مع القوائم الحالية للناشطين المتشددين المعروفين التي تم تدريبها عليها.

 

وقال "العقيد يوآف" في المحاضرة: "باستخدام هذا النظام، تمكنا من تحديد قادة فرق الصواريخ التابعة لحماس"، في إشارة إلى العملية العسكرية الإسرائيلية في أيار (مايو) 2021 في غزة، عندما تم استخدام الآلة لأول مرة.


تحتوي شرائح عرض المحاضرة، التي حصلت عليها أيضًا مجلة "972+" و"لوكال كول"، على رسوم توضيحية لكيفية عمل الآلة: تتم تغذيتها بالبيانات حول نشطاء حماس الحاليين، وتتعلم كيفية ملاحظة سماتهم، ثم تقوم بتصنيف الفلسطينيين الآخرين بناء على مدى تشابههم مع النشطاء. ‏


‏وقال "العقيد يوآف" في المحاضرة: "نحن نرتب النتائج ونحدد العتبة (التي نهاجم عندها الهدف)"، مؤكدًا أنه "في نهاية المطاف، يتخذ أناس من لحم ودم القرارات. في مجال الدفاع، نركز من الناحية الأخلاقية كثيرًا على هذا. وتهدف هذه الأدوات إلى مساعدة (ضباط المخابرات) على كسر حواجزهم". ‏


ولكن في الممارسة العملية، كما تقول المصادر التي استخدمت "لافندر" في الأشهر الأخيرة، تم استبدال الوكالة البشرية والدقة بخلق أهداف جماعية بطريقة فتاكة وقاتلة.

*يوفال أبراهام Yuval Abraham: مخرج أفلام وناشط إسرائيلي مقيم في القدس، من مواليد العام 1995. أمضى سنوات في الكتابة عن الاحتلال الإسرائيلي، معظمه باللغة العبرية. وهو صحفي مستقل يتمتع بخبرة في العمل في أطر تعليمية ومدارس إسرائيلية فلسطينية ثنائية اللغة. درَس اللغة العربية بشكل مكثف ويقوم الآن بتدريسها لمتحدثين آخرين بالعبرية، إيمانًا منه بالكفاح المشترك من أجل العدالة والمجتمع المشترك في إسرائيل وفلسطين.‏


*نشر هذا التحقيق تحت عنوان: ‘Lavender’: The AI machine directing Israel’s bombing spree in Gaza

هوامش المترجم:


(1) ‏الإشارة إلى تحقيق نُشر في مجلة (972+) و"لوكال كول" بعنوان:

A mass assassination factory’: Inside Israel’s calculated bombing of Gaza.

 

نشرت ترجمته العربية في جريدة "الغد" بعنوان "مصنع للاغتيالات الجماعية": داخل حملة القصف الإسرائيلي المرخص لغزة. في ثلاثة أجزاء أيام 16، 17، و18 كانون الأول (ديسمبر) 2023.


(2) الكأس المقدسة‏‏ Holy Grail: كنز يعمل ‏‏كفكرة‏‏ مهمة في ‏‏الأدب الآرثري‏‏. وتصف التقاليد المختلفة "الكأس المقدسة" بأنها كوب أو طبق أو حجر يتمتع بقوى علاجية خارقة، وأحيانًا يوفر الشباب الأبدي أو القوت بوفرة لا حصر لها، وغالبًا ما تكون حراسته في عهدة "الملك الصياد" ويوجد في قلعة الكأس المخفية. وبالمجاز، قد ينظرُ الذين يسعون إلى أي هدف بعيد المنال أو ذي أهمية كبيرة على أنه "الكأس المقدسة".

 

 اقرأ المزيد في ترجمات:

  الذكاء الاصطناعي اختطف نظام تشغيل الحضارة الإنسانية‏