ما المطلوب للتغلب على تحديات سوق العمل بالأردن؟

عمال في إحدى ورش البناء في عمان-(ارشيفية)
عمال في إحدى ورش البناء في عمان-(ارشيفية)
عمان- بعدما كشف البنك الدولي عن حاجة الاقتصاد الأردني الملحة إلى معالجة هيكلية لتحديات سوق العمل وتحفيز بيئة الأعمال وتسريع وتيرة الإصلاحات لتحقيق معدلات نمو اقتصادي مستدامة، شدد اقتصاديون على ضرورة إجراء إصلاح شامل لسوق العمل.اضافة اعلان
وبحسب الخبراء، فإن هناك فوضى تسود سوق العمل الأردني، تثقل ديناميكيته وقدرته على التطور والنمو وفاقمت من تحدياته، والتي كان لها انعكاس سلبي على العملية الاقتصادية برمتها ما أضعف مستويات النمو الاقتصادي، وقلص من فرص التقدم التنموي، وفاقم من مشكلة البطالة. 
واعتبر الخبراء، أن مشكلة سوق العمل تنبع من تحديات كبيرة كان لها أثر سلبي على انخفاض تدفق الاستثمارات، ومنها ارتفاع حجم الضرائب والتي تثقل كاهل القطاعات الاقتصادية المختلفة، إلى جانب ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج الأولية ولا سيما، أسعار الطاقة والمواد الأولية اللازمة لعمليات الإنتاج.
ويضاف إلى ذلك، تركز النشاط الاقتصادي في عدد محدود من القطاعات وضعف الإنتاجية إلى جانب استمرار الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، علاوة على ضعف معدلات النمو الاقتصادي التي لا تسمح بتوفير المزيد من فرص العمل وتنامي القطاعات الاقتصادية، وتدني الدخل المتأتي لعدد كبير من الوظائف والذي لا يلبي متطلبات المستويات المعيشية اللائقة.
وشدد الخبراء، على أن النهوض بسوق العمل الوطني وتحسين بيئة الأعمال محليا ضرورة ملحة للنهوض بالاقتصاد الوطني، والارتقاء بمعدلات النمو والوصول بها إلى مستويات جيدة ذات عائد إيجابي في تحسين المؤشرات الاقتصادية والمعيشية.
وأوضح الخبراء، أن إصلاح بنية سوق العمل يكون من خلال النهوض بمهارات العاملين في القطاعات الاقتصادية ذات القيمة العالية وتحفيز هذه القطاعات لاستحداث المزيد من فرص العمل والتوجه إلى التنوع الاقتصادي والتركيز على القطاعات الحديثة، كالتكنولوجيا والاستدامة والمناخ.
كما دعوا إلى تنفيذ مسح وطني لفرص العمل المطلوبة محليا، إضافة إلى ضرورة مواءمة التعليم الجامعي مع متطلبات سوق العمل، إلى جانب أهمية تأهيل القوى العاملة وصقل مهاراتها التكنولوجية والرقمية، والتوسع في التعليم المهني، علاوة على وجوب تعزيز الحماية الاجتماعية لمختلف الأطراف المكونة لسوق العمل وإدخال العمالة غير المنظمة التي تشكل نصف القوى العاملة محليا في معادلة الاقتصاد الرسمي، وذلك من خلال مراجعة قانوني الضمان الاجتماعي والعمل. 
وكان البنك الدولي، لفت في تقرير التحديث الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نيسان (أبريل) 2024، الذي أصدره مؤخرا إلى حاجة الاقتصاد الوطني  لتنفيذ معالجة هيكيلية لتحديات سوق العمل، إذ تظل بيئة الأعمال ضرورية لتحقيق اقتصاد أعلى ومستدام النمو والتوظيف.
كما أشار إلى حاجته إلى تحفيز بيئة الأعمال والتركيز المستمر على تنفيذ الإصلاح لتحقيق اقتصاد مستدام، ورفع معدل النمو وذلك من خلال، زيادة الإنتاجية، متابعة الاستثمار، والنمو القائم على التصدير.
وأكد التقرير، أن سوق العمل المحلي شهد تحسنا قليلا خلال الفترة الماضية، إذ تحسنت المشاركة في القوى العاملة إلى 34.1 % في الربع الرابع من العام الماضي، مدفوعة بشكل أساسي بارتفاع مشاركة الإناث التي سجلت أعلى مستوى منذ الربع الأول من العام 2019، بنسبة ناهزت 15.1 % في الربع الرابع من العام الماضي، إضافة إلى انخفاض البطالة إلى 21.4 % في الربع الرابع من العام الماضي، مشيرا إلى  أنها ما تزال أعلى من متوسط معدلها ما قبل جائحة "كورونا".
وقال وزير تطوير القطاع العام الأسبق، ماهر المدادحة: "إن سوق العمل الأردني يصطدم منذ عقود بتحديات جمة كان لها انعكاس سلبي على العملية الاقتصادية برمتها مما أضعف من مستويات النمو الاقتصادي، وقلص من فرص التقدم التنموي، وفاقم من مشكلة البطالة".
وبين، أن هذه التحديات تتمثل في انحسار النشاط الاقتصادي في عدد محدود من القطاعات، إضافة إلى ضعف الإنتاجية، إلى جانب استمرار الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل.
ويشار إلى أن نسبة النمو الاقتصادي في المملكة ترواحت خلال الفترة (2018-2023)، بين انكماش نسبته 1.6 % (نموا سالبا) و(2.3) % نموا إيجابيا. 
وأوضح المدادحة، أن بيئة الأعمال تواجه كذلك تحديات كبيرة كان لها أثر سلبي على انخفاض تدفق الاستثمارات ، ومنها ارتفاع حجم الضرائب والتي تثقل كاهل القطاعات الاقتصادية المختلفة، إلى جانب ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج الأولية ولا سيما، أسعار الطاقة والمواد الأولية اللازمة لعمليات الإنتاج، مما يقلل من قدرة القطاعات الإنتاجية على المنافسة والتوسع.
وبقصد مواجهة تحديات سوق العمل وبيئة الأعمال وإصلاحهما، دعا المدادحة إلى ضرورة البدء بتغيير وهيكلة سياسات الاقتصاد الكلي المحلية، بهدف تنشيط الاقتصاد وزيادة فرص العمل وبالتالي، تحسين مستويات النمو، إضافة إلى أهمية تحرير القطاعات الاقتصادية التي تحد من الاستثمار وتقديم الحوافز اللازمة لها.
كما دعا إلى أهمية تنفيذ مسح وطني لفرص العمل المطلوبة محليا، إضافة إلى أهمية العمل على مواءمة التعليم الجامعي مع متطلبات سوق العمل، إلى جانب ضرورة تأهيل القوى العاملة وصقل مهاراتها التكنولوجية والرقمية، والتوسع في التعليم المهني.
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي حسام عايش، أن هناك فوضى سائدة في سوق العمل الأردني تثقل من ديناميكيته وقدرته على التطور والنمو، وتتمثل هذه الفوضى في تقليدية فرص العمل المستحدثة ومحدوديتها، إضافة إلى تدني مستوى المعارف والمهارات للخريجين والباحثين عن العمل إلى جانب، مخرجات التعليم الجامعي البعيدة عن نظاق سوق العمل.
وأضاف عايش، "هناك تحديات أخرى تلقي بظلالها على سوق العمل المحلي منها، ضعف معدلات النمو الاقتصادي التي لا تسمح بتوفير المزيد من فرص العمل وتنامي القطاعات الاقتصادية، إضافة إلى إشكالية تدني الدخل المتأتي لعدد كبير من الوظائف، والذي لا يلبي متطلبات المستويات المعيشية اللائقة، مما يدفع الكثير من الباحثين عن العمل إلى عدم الإقبال على العمل في هذه الوظائف، علاوة على تحديات ضعف منظومة النقل العام، فضلا عن الارتفاع المطرد في معدلات البطالة منذ أكثر من عقدين".
ويذكر أن معدلات البطالة قد سجلت خلال الأعوام  2018-2022 ارتفاعا بنحو 4.2 %، وبحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة، فقد بلغ معدل البطالة خلال العام 2018 ما نسبته 18.7 %، وفي نهاية العام الماضي وصل إلى نحو 21.4 %.
ولفت عايش، إلى أن ضعف سوق العمل الأردني والتحديات التي تحيط به تعبر عن حالة الاقتصاد الأردني ومرواحته مكانه ومحدودية تطوره واستحداثه لقطاعات اقتصادية جديدة.
ومن أجل التغلب على ضعف سوق العمل الوطني وتحفيزه بالصورة التي تنعكس إيجابا على معدلات النمو الاقتصادي، طالب عايش بضرورة تسريع العمل برؤية التحديث الاقتصادي والتركيز على الأولويات والمشاريع في القطاعات ذات القيمة المضافة التي تسهدفها الرؤية، إضافة إلى وجوب زيادة حجم الاستثمارات الرأسمالية 
كما طالب، بأهمية إصلاح وتهيئة البنية الفوقية لسوق العمل من خلال، النهوض بمهارات العاملين في القطاعات الاقتصادية ذات القيمة العالية وتحفيز هذه القطاعات لاستحداث المزيد من فرص العمل، إضافة إلى التوجه لتنويع الاقتصاد والتركيز على القطاعات الحديثة  كالتكنولوجيا والاستدامة والمناخ، حيث يمكن الاسنفادة من هذه القطاعات في دفع معدلات النمو الاقتصادي، إلى جانب قابيلتها استيعاب العدد المتزايد من خريجي التخصصات المتطورة.
إلى ذلك، اعتبر مدير مركز الفنينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض، أن النهوض بسوق العمل الوطني وتحسين بيئة الأعمال محليا ضرورة ملحة للنهوض بالاقتصاد الوطني والارتقاء بمعدلات النمو، والوصول بها إلى مستويات جيدة ذات عائد إيجابي في تحسين  المؤشرات الاقتصادية والمعيشية كافة.
وأكد عوض، أن النهوض بواقع العمل وبيئة الأعمال محليا يتطلب العمل بصورة مباشرة، بتعزيز الحماية الاجتماعية لمختلف الأطراف المكونة لسوق العمل،(أصحاب الأعمال، المنتجين والعاملين )، إضافة إلى دعم حاجات هذه الأطراف وتحقيق التوازن فيما بينها، إلى جانب ضرورة إصلاح سياسات العمل الهيكلية بما يضمن إدخال العمالة غير المنظمة في معادلة الاقتصاد الرسمي، حيث إن ذلك يتطلب مراجعة قانوني الضمان الاجتماعي والعمل ولا سيما، في ظل وجود نصف القوى العاملة في البلاد غير خاضعة ومشتركة في الضمان الاجتماعي. 
وتابع، أن هناك حاجة ملحة أيضا إلى تحسين شروط وبيئة العمل وتحسين الأجور، إضافة إلى التوسع في برامج التدريب والتأهيل، علاوة على توفير المناخ المناسب لزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.
ويرى عوض، أن تحسين بيئة الأعمال محليا يبدأ بتقديم الدعم والحوافز للقطاعات الاقتصادية المختلفة وتخفيض الكلف التشغيلية عليها، إضافة إلى دعم القطاع الخاص والتوسع في مشاريع الشراكة بين القطاعين.