أطباق أبو يوسف الشعبية علامة فارقة في مادبا منذ 60 عاما

أحمد الشوابكة

مادبا- يكتظ مطعم "خير الله" المشهور بـ"أبو يوسف" في وسط مدينة مادبا بالزبائن في جميع أوقات الطعام، والذي رسم في ذاكرة المدينة قصته الشعبية التي خلدته في قلوب القاطنين هناك، وما يزال يرسم ذكرى طيبة في قلوب السياح من مرتادي المدينة. اضافة اعلان
ويجتمع الزبائن على مائدة تزخر بالمأكولات الشعبية من الحمص والفول المدمس، والقدسية، و"قلاية البندورة"، يعدها صاحب المطعم الثمانيني حسين إبراهيم وابنه يوسف، وهما يعدان أقداح الشاي بالنعناع بعناية لافتة، وكذلك الاعتناء المتناهي في تقديم وجبة بنكهات شعبية، لا يعلو على مذاقها شيء، ليشكلا بذلك ثنائياً احترف المهنة وصنعا لهما زبائن هم في ازدياد كل يوم.
"قلاية البندورة باللحمة البلدية" و"مفركة البطاطا بالبيض" من الأطباق التي يعدها أبو يوسف وابنه بمتعة تزيد من نكهتها وطعمها الخاص الذي يجذب مرتادي المطعم إلى تكرار الزيارة مرارا إلى هذا المكان، كما أن طريقة التقديم وما يصحبها من مقبلات تضفيان مزيدا من الأجواء الشعبية على ما يقدمه المطعم.
ما يشد الزبائن للعودة إلى مطعم "أبو يوسف" هو استمتاعهم برؤية عملية إعداد أطباق الحمص والفول والمسبحة، وقلاية البندورة ومفركة البطاطا بالبيض، التي يبدع حسين إبراهيم وابنه في إعدادها.
ويرتاد المطعم الكثير من شخصيات مادبا المعروفة؛ من رؤساء بلديات، ووزراء، ونواب، وأعيان، وصحفيين، وأطباء، ومحامين، وغيرهم ممن شكلوا على مدى تاريخ المكان علامات بارزة في تاريخ الوطن.
ويستذكر أبو يوسف دخول ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني المفاجئ إلى المطعم، وتناوله صحن حمص داخل المطعم، واحتساءه الشاي على رصيف المطعم، ما يؤكد تواضع الهاشميين ومتابعتهم شؤون البلد والشعب، معتبرا مجيء ولي العهد إلى مطعمه نقطة مضيئة في حياته العملية على مدار سنين العمر التي خلت في المجال.
ولا يمكن لمن زار مادبا، وتذوق وجبة معينة من مطعم "أبو يوسف"، إلا أن يكرر الزيارة له مرة أخرى، أما أهالي مادبا فليس هناك منهم من لم يتذوق أطباقه الشعبية.
وعبر السائح الإيطالي فرندكو عن دهشته من أجواء المطعم لاحتضانه مختلف طبقات المجتمع، بقوله "الجميع هنا يأكل بمتعة كبيرة، وهذا ما نفتقده في بلادنا". الدهشة نفسها أصابت زوجة السائح الإيطالي، التي كان بصرها يجول في المطعم، وتقول "طريقة صنع أقراص الفلافل هنا، مثيرة. أما الوجبة الأكثر لذة فهي صحن الحمص بالشطة الحمراء". أما المغترب محمد البشير، فقال "كلما سمحت لي ظروف عملي بأن أحط الرحال في مدينتي التي أعشقها.. أجدني أقصد قلبها النابض بالحياة، فيقودني الحنين إلى مطعم أبو يوسف، كلما أتيح لي ذلك".
وبحزن كبير، يردف البشير "كنت أجتمع في هذا المطعم، وعلى مدخله مع أصدقائي. هنا لا يمكن مقاومة نكهة الشاي بالنعناع الذي يرافق صحن الحمص، أو الفول مع توابعه. وللذكريات هنا طعم حميم.. لقاء الأصدقاء لتبادل الأحاديث، واسترجاع الذكريات، يملؤني بالشوق والحنين إلى مادبا التي أغيب عنها بسبب عملي في الخارج".
أما الإعلامي والرسام الجرافيتي خالد الطوالبة، فيقول "مهما تعرضت ملامح المطعم العامة للتغيير، فسيظل حاملاً لذكرياتنا على مدار السنين".
صاحب المطعم أبو يوسف، يشير إلى أنه عمل منذ 60 عاما على إعداد أطباق الحمص والفول والأكلات الشعبية، مضيفا "تعلمت الحرفة في عمان، منذ كنت في العاشرة من عمري. وفي العام 1973 أتيت إلى مادبا لأول مرة، وأقمت فيها، وتنقلت بين أحيائها، إلى أن استقر بي المقام أخيرا في شارع عادل الجميعان، حيث افتتحت مطعمي هذا، بعد رحلة عمل شاقة". وبحنين كبير، يتذكر أبو يوسف الأيام الخوالي، قائلا "ما تزال ذكريات المكان حية في رأسي، نابضة بالحياة، تقول: الله!.. يا ذلك الزمان.. عُد! عد إلينا بتلك الأيام التي كان فيها سعر صحن الحمص مع رغيف الخبز بقرشين اثنين فقط".