منذ ربع قرن: القضاء يدخل عهدا جديدا يعزز مقوماته واستقلاله

تعبيرية
تعبيرية
عمان- منذ بواكير عهده، أكد جلالة الملك عبدالله الثاني "أننا لن نستطيع تطوير الأردن والنهوض به اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، دون تطوير القضاء"، وليبدأ مع عام 1999 عهد جديد من تاريخ تطور القضاء، وتعزيز مقوماته واستقلاله، ليغدو أنموذجا في النزاهة والشفافية والحياد، وترسيخ مبدأ سيادة القانون.اضافة اعلان
كانت العلامة البارزة بمبدأ ونص دستوري صريح باستقلال هذه السلطة، زاد فيها عدد القضاة من 350 حتى وصلوا ألفا، وأدخلت التكنولوجيا بما يخدم جميع الأطراف، وجُوِّدت الأحكام، وأصبح أمد التقاضي ليس طويلا، وسياسة جنائية فريدة، تحقق الردع وتساعد على إصلاح النفس والمجتمع.
الأمانة العامة للمجلس القضائي، توثق التطور الذي شهده القضاء في عهد جلالته، إذ أولى جلالة الملك منذ توليه سلطاته الدستورية، تطوير القضاء، كل رعايته واهتمامه، مؤكداً وفي مناسبات عدة، بأن القضاء الركيزة الأساسية في بناء الدولة المدنية، وتعزيز سيادة القانون، والذي لا يمكن تحقيقه دون وجود قضاء مستقلٍ وكفؤٍ ونزيهٍ وفاعلٍ وضامنٍ للحقوق والحريات، وبما يحقق الأمن والسلم المجتمعي ويعزز هيبة الدولة.
وكشفت الأمانة في بيان لها، أن الرؤى الملكية السامية أوجدت نهجاً مستمراً لدعم القضاء، ورسمت خطوات واضحة وموصولة لتعزيز استقلاله، وإزالة العقبات التي تؤثر على التقاضي وتسريعها.
وأشارت الى أن المسار التاريخي لإصلاح وتطوير القضاء بين 1999 و2023، جاء في نطاق اهتمام جلالة الملك بهذا الجهاز خلال مدة ربع قرن مضت، شكلت إضاءات لتحسين أداء القضاء، وأوجدت تحولاً كبيراً في تاريخه وتطوره وتعزيز فاعليته، وليعتلي مكانته في مصاف الأجهزة القضائية الرائدة بتحقيق الوصول للعدالة الناجزة.
ولفتت إلى أن أولى محطات اهتمام جلالته بعد توليه لسلطاته الدستورية بعام واحد كانت بتشكيل اللجنة الملكية الأولى لتطوير القضاء في العام 2000، إذ أوكل إليها مهمة رصد المعيقات والتحديات التي تواجه القضاء، لتحقيق أقصى حدود العدالة، وأثمر عن أعمال اللجنة وتوصياتها، نتائج أسهمت برسم الخطط لأعمال السلطة القضائية، طبقت في الأعوام اللاحقة.
وأشار إلى أن أهم توصيات اللجنة، تبلورت بإدخال تقنية الطباعة الضوئية في محاضر الجلسات لأول مرة في تاريخ القضاء، وإصدار أول مدونة لقواعد السلوك القضائي عام 2005، انسجاماً مع قواعد بنجلور للسلوك القضائي لعام 2002، وزيادة عدد القضاة وتعزيز قدراتهم بتأهيلهم علميا وأكاديميا، عبر ابتعاث بعضهم للدراسات العليا لدورات متخصصة، ليرتفع عدد القضاة من 350 إلى 539 بين العامين 2000 و2009 منهم، 42 من الإناث.
كما تبنت اللجنة، سياسة الحلول البديلة للمنازعات بسن قانون الوساطة لتسوية المنازعات المدنية عام 2003، وتبنى نظام إدارة الدعوى المدنية، عبر تعديل قانون أصول المحاكمات المدنية في عام 2002 على غرار ما هو مطبق في دول متقدمة، وتعديل قوانين وتشريعات ناظمة لإجراءات التقاضي، منها قانونا: محاكم الصلح عام 2008، وأصول المحاكمات الجزائية، وعقد المؤتمر القضائي الأول عام 2004 وفيه جرى تأكيد أهمية استقلال القضاء لمواجهة التحديات،.
وأكدت اللجنة، تبنـي نظام قضاة المستقبل عام 2007، لاستقطاب الأوائل من خريجي الثانوية العامة والجامعات وإعدادهم، وتأهيلهم أكاديمياً وعلمياً، تمهيداً لتوليهم منصب القضاء، فاستقطب البرنامج 181 طالباً وطالبة، عينوا لاحقاً في السلك القضائي.
وقالت الأمانة، ومع مجيء التعديلات الدستورية عام 2011 بالتوجيهات الملكية السامية لترسيخ مبدأ استقلال القضاء، وتضمين الدستور نصاً صريحاً بذلك، تشكلت علامة فارقة في تاريخ القضاء الأردني واستقلاله، منوهة بأن التعديلات الدستورية، ذات رؤى مستنيرة بتعزيز الضمانات الضامنة للوصول إلى العدالة، وتحقيقها بصورة ناجزة وفاعلة، عبر  الأحكام المعدلة للمادة (27) من الدستور، ليترسخ بذلك، أن السلطة القضائية المستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون باسم جلالة الملك.
وفي ضوء ذلك، صدرت عدة تشريعات كرست مبدأ استقلال القضاء، أبرزها قانون استقلال القضاء لسنة 2014 وتعديلاته، بحيث أصبح المجلس القضائي يتولى النظر في الشؤون المتعلقة بالقضاة النظاميين وتعيينهم، وكانت تجري في السابق بتنسيب من وزير العدل، وبموجب القانون ذاته، اتبع جهاز التفتيش القضائي للمجلس، وفي عام 2015 صدر نظام التفتيش القضائي على المحاكم النظامية وتعديلاته الحالي رقم 43 لسنة 2015 وتعديلاته والساري المفعول حـتى اليوم.
كما أنشئ قضاء إداري على درجتين، ليلغي العمل بقانون محكمة العدل العليا بموجب قانون القضاء الإداري رقم 27 لسنة 2014 والذي نص على أن ينشأ في المملكة قضاء يسمى القضاء الإداري ويتكون من المحكمة الإدارية، والمحكمة الإدارية العليا والنيابة العامة الإدارية.
وفي عام 2010 عقد المؤتمر القضائي الثاني، وافتتحه جلالة الملك، وأوعز للحكومة بتخصيص صندوق للتكافل الاجتماعي للقضاة وأعوانهم، وفي عام 2011 جرى تبني نظام القاضي المتدرج، لإعداد السادة القضاة عملياً قبل توليهم القضاء.
في ورقة جلالته النقاشية السادسة لعام 2016 بعنوان: "سيادة القانون أساس الدولة المدنية"، تبلورت رؤيته بالتركيز على وجوب ترسيخ مبدأ سيادة القانون، عبر جهاز قضائي مستقل ونزيه وعادل، وإجراءات قضائية تحقق العدالة وتوفر بيئة قانونية جاذبة للاستثمار.
ووجه جلالته في تلك الورقة، لضرورة وضع إستراتيجية لتطوير القضاء والأجهزة الإدارية المساندة له والارتقاء بهما، وتطوير التشريعات ذات الصلة بالعمل القضائي، وتفعيل مدونة السلوك القضائي، وتطوير وتحديث آلية تعيين القضاة، وتعزيز قدراتهم والتركيـز على مبدأ التخصص القضائي وتطوير جهاز التفتيش القضائي، ليكون أداة حقيقية لقياس الأداء المهني للقاضي وسلوكه.
وعلى إثر الورقة النقاشية، شكلت اللجنة الملكية الثانية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون لعام 2016، وأوكل لها تشـخيص الواقع الفعلي للجهاز القضائي، ووضع إستراتيجية شاملة لتطويره وتعزيز سيادة القانون ومعالجة التحديات بخطة قابلة للتطبيق، وتضمنت مخرجاتها، توصيات لتطوير القضاء، تمثلت بتوطيد استقلال القضاء والقضاة، وتحديث الإدارة القضائية وتطويرها، وتطوير العدالة الجزائية وتنفيذ الأحكام، وإجراءات الدعوى الحقوقية وتنفيذ الأحكام.
وبناء على هذه الخطة، عدل قانون استقلال القضاء المالي والإداري، وإعيد تشكيل المجلس القضائي، ما اسهم بتزيز استقلال القضاة وتحسين ظروفهم المعيشية، عبر تعديل نظام الخدمة القضائية، كما جرى ربط المعهد القضائي برئيس المجلس القضائي، وأعيد النظر بالخطة الأكاديمية لبرنامج دبلوم المعهد، وتطوير خططه. كذلك طورت الخطة، عمل النيابة العامة.
وأتاح قانون تشكيل المحاكم المعدل، إنشاء الغرفة الاقتصادية في محكمتي بداية عمان واستئناف عمان، وتخصيص هيئة قضائية لدى محكمة التمييز تُعنى بقضايا الغرفة، وتعديل تشريعات وإصدار أخرى، منها إصدار قانون محاكم الصلح، وتعديل قانون أصول المحاكمات المدنية، وتعديل قوانين: البينات، وأصول المحاكمات الجزائية، والعقوبات، والوساطة، والتنفيذ، وتشكيل المحاكم النظامية، كذلك، تعديل نظام تشكيل محاكم الصلح والبداية، وتحديد الصلاحية المكانية لمحاكم الصلح والبداية والاستئناف، وإصدار: قانون الاعسار، وإصدار انظمة: تصفية الشركات، والخبـرة أمام المحاكم النظامية، واستعمال الوسائل الإلكترونية في الإجراءات القضائية الحقوقية، واستخدام التقنية الحديثة في الإجراءات القضائية الجزائية، وتعديل نظام المكاتب الفنية لدى محكمة التمييز والمحكمة الإدارية ومحاكم الاستئناف.
وأتاحت الخطة تطوير منظومة العدالة الجزائية، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة والحد من المساس بالحرية في الإجراءات الضرورية للتحقيق والمحاكمة وتنفيذ العقوبة، بتبني المشرع الجزائي نظام (بدائل التوقيف)، ونظام بدائل العقوبات السالبة للحرية، ودمج محاكم بداية عمان في محكمة بداية واحدة، وإنشاء محكمة جنايات واحدة تتولى النظر بالجنايات الواقعة ضمن اختصاص محافظة العاصمة، مع الإبقاء على محاكم الصلح منتشرة في  المحافظة نفسها، والبدء بإنشاء مبنى محكمة استئناف عمان.
وقد أصبح عدد المحاكم: 16 بداية و48 صلح، موزعة على الأقاليم، إضافة لمحاكم الأحداث والبلديات ومحكمة أمانة عمان، وزيادة عدد القضاة بين العامين 2018 و 2024 بين 950 إلى 975.
وترجمة للتوجيهات الملكية السامية ومخرجات اللجنة الملكية الأولى والثانية، عكف المجلس القضائي بالتنسيق مع شريكه الرئيس وزارة العدل، على تطوير خطط إستراتيجية سعت للارتقاء بأعمال السلطة القضائية، وتعزيز مبدأ سيادة القانون وضمان المحاكمة العادلة وتسريع إجراءات التقاضي، والوصول إلى العدالة الناجزة بصورة موصولة منذ 2002 وحتى نهاية 2026.-(بترا)