وقف الدراسات الرسمية في القطاع الصحي.. هل يرفع معدلات الإنفاق؟

مبنى وزارة الصحة-(أرشيفية)
مبنى وزارة الصحة-(أرشيفية)

في الوقت الذي توقفت فيه تقارير ودراسات مؤشرات الإنفاق الصحي في الأردن، بعد تجميد المجلس الصحي العالي في العام 2021، بقرار من مجلس الوزراء، اعتبر خبراء أن وجود مثل هذه المؤشرات مهم لتحسين واقع القطاع ومتابعة التغيرات التكنولوجية والفنية والمالية فيه.

اضافة اعلان


كما اعتبر هؤلاء الخبراء أن توقف العمل في رسم السياسات العامة للقطاع الصحي في المملكة، وإعداد مؤشرات الإنفاق الصحي، فضلا عن غياب الدراسات التي تتعلق بالتأمين الصحي أو التنظيم، من شأنها أن تترك آثارا سلبية على القطاع وجودة الخدمات، إضافة إلى ارتفاع معدلات الإنفاق.


بيد أن المعلومات التي حصلت عليها "الغد" تشير إلى أن المجلس الصحي لم يلغ حتى الآن، وأن مؤشرات الإنفاق قد تجريها وزارة الصحة أو إدارة التأمين الصحي، وبمساعدة من منظمة الصحة العالمية أو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو اس ايد).


وفي هذا الصدد، أكد وزير الصحة الأسبق الدكتور محمود الشياب، أهمية إيجاد مؤشرات جديدة للإنفاق الصحي كونها تتطور بتطور الخدمات والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، فضلا عن تغير العوامل الدوائية والتكاليف والأجهزة التشخيصية، وما يهم هو إعادة دراسة هذه التكاليف.


وبين أن الإنفاق الصحي يعد من أكثر المواضيع تغيرا، ويرتبط بعوامل كثيرة، لافتا إلى أن الاعتماد على الأرقام القديمة لا يقدم مؤشرات حقيقية للإنفاق.


بدوره، أوضح رئيس اللجنة الصحية الأسبق في مجلس النواب الدكتور إبراهيم بني هاني، أن الهدف من وجود المجلس الصحي العالي هو تنظيم القطاعات الطبية والخدمات والتعليم الطبي والتمريضي، وتحديد كل التوجهات، فضلا عن مهام أخرى كثيرة.


ولفت بني هاني إلى أن وزارة الصحة ليست وحدها المسؤولة عن الإنفاق، فهناك الخدمات الطبية الملكية، والجامعات ومستشفياتها، فضلا عن إعفاءات الرئاسة والديوان الملكي، مشددا على أن ثمة دراسة كانت تعتزم الحكومة إجراءها للحد من الإنفاق، لكنها لم تنجز بعد.


وتابع: "ما يهمنا هو مدى الرضى عن الخدمات في الرعاية الأولية والشاملة والمستشفيات المحلية والطرفية، في ظل الإنفاق الصحي الذي يتجاوز المليار و200 مليون دينار"، معللا سبب الإنفاق الكبير، بمحدودية خدمات إدارة القطاع الطبي والصحي.


وقال إن القطاع الصحي يمر بمرحلة صعبة بعد التكاليف الكبيرة التي يرتبها التأمين الصحي، والضغط البشري على المستشفيات ومقدمي الخدمة الصحية، وخاصة في القطاع العام.


بيد أن الأمين العام المساعد للشؤون الإدارية والمالية الأسبق في وزارة الصحة الدكتور عبد الرحمن المعاني، أكد أن من كان يعد فعليا دراسة الإنفاق الصحي هي وزارة الصحة، وكانت توضح خلالها النفقات الجارية والرأسمالية، والإيرادات والتكاليف، لافتا إلى أن هذا "لا يكفي، إذ إن القطاع الخاص الصحي والجامعي يلعبان دورا في موازنة الإنفاق، والتي تبلغ سنويا نحو مليار و200 ألف دينار".


وأشار المعاني إلى أن حصة وزارة الصحة من الإنفاق على القطاع الصحي سنويا لا تتجاوز 750 مليون دينار، وبالتالي يبلغ حجم الإنفاق في الأردن نحو 9 % من مجمل الموازنة العامة السنوية للدولة.


ولفت إلى تساؤل حول ما إذا كان الإنفاق الكبير ينعكس على البنية التحتية وجودة الخدمات ومستوى رضى المواطن، داعيا إلى توفير مركز متخصص ومحايد لإجراء دراسة الإنفاق السنوية بشكل واضح ومحايد، وتقدم له كافة البيانات اللازمة وأرقام القطاع.


وفي السياق، يرى صندوق النقد الدولي، وجود "ضغوط متوسطة المدى على الإنفاق الصحي" في الأردن، وأن الإنفاق على المستشفيات والأدوية ومعالجة فجوات تتعلق بالحصول على الخدمات الصحية "مرتفع"، في حين أن الإنفاق على الرعاية الصحية الأولية "منخفض".


ووفقا للصندوق فإن "الضغوط" سببها ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وتغطية نفقات علاج كبار السن من السكان الذين يعانون أمراضا مزمنة، إضافة إلى توفير الرعاية الصحية المدعومة لـ1.3 مليون لاجئ سوري.


ويهدف الأردن إلى تحقيق "تغطية صحية شاملة" بحلول العام 2030،  فيما يواجه "حيزا ماليا محدودا" ويطمح إلى تعزيز خدماته وتغطيته الصحية بطريقة فعالة من حيث التكلفة، وفقا للصندوق، الذي شدد على أن ذلك يتطلب إيجاد كفاءة في الإنفاق على الصحة لدعم أجندة التغطية الصحية الشاملة بطريقة مستدامة ماليا.


ورصدت الحكومة في موازنة العام الحالي 2024 قرابة 766.4 مليون دينار لوزارة الصحة، بارتفاع قدره نحو 65 مليون دينار، مقارنة بإعادة تقدير 2023، حيث تبلغ النفقات الجارية 671.5 مليون دينار، بارتفاع 41 مليون دينار، منها 20 مليون دينار نموا في الرواتب والأجور وتعبئة الشواغر.


فيما تبلغ النفقات الرأسمالية 95 مليون دينار بارتفاع نحو 24 مليون دينار، منها 10 ملايين دينار لمشروع مستشفى الأميرة بسمة في محافظة إربد.


وبلغت إيرادات صندوق التأمين الصحي 185 مليون دينار بارتفاع 5 ملايين دينار عن إعادة التقدير في 2023، ويلاحظ أن قيمة التقدير هي نفسها في عام 2023، وحقق الصندوق 180 مليون دينار، فيما بلغت النفقات الجارية 184.7 مليون دينار، بارتفاع نحو 5 ملايين دينار.


وكان وزير الصحة فراس الهواري، أعلن سابقا أن الوصول إلى التأمين الصحي الشامل هو "أولوية وطنية" يسعى الأردن لبلوغه بحلول العام 2030.


وأشار الهواري إلى أهمية توسيع قاعدة المشتركين في برنامج التأمين الصحي الوطني، والذي يقدم حاليا تغطية مجانية لجميع الأطفال دون سن السادسة، وجميع المواطنين فوق سن الستين، وكذلك المرضى الذين يحتاجون إلى علاجات مكلفة مرتبطة أساسا بالسرطان، والفشل الكلوي، والأمراض المزمنة.


غير أن منتدى الإستراتيجيات الأردني، أوضح في دراسة له، أن التحدي الرئيسي الذي يواجه القطاع الصحي في الأردن لا يتمثل في عدم كفاية الموارد، بل في كيفية إدارة وتخصيص تلك الموارد المتاحة وتوظيفها.


وقال إن الأردن ينفق حوالي (8 % إلى 9 %) من الناتج المحلي الإجمالي على القطاع الصحي سنويا، ويعد هذا المعدل أعلى بكثير من متوسط ما تنفقه كثير من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع، مبينا أن الأردن يحقق أداء جيدا في المؤشرات الصحية العامة، مثل متوسط العمر المتوقع عند الولادة، ومعدلات الوفيات، والتغطية الصحية الشاملة، ومؤشر الأمن الصحي العالمي.


وفي المقابل يعد أداء الأردن أسوأ في القضايا المتعلقة بالأمراض غير السارية وعدد الأسرّة لكل مواطن.


وأضاف أن برامج التأمين الحكومي غير مصممة وفق أسس اكتوارية، وهناك نسبة كبيرة لا يتم التأمين عليهم وفق أسس سليمة للاشتراكات، وهو ما يستنزف ميزانية الصحة العامة، لا سيما في غياب الرقابة والمساءلة، كما أن تعدد برامج التأمين الصحي الحكومي وتفاوت مستوياتها من حيث الاشتراكات المقتطعة والمزايا الممنوحة يزيد من تشرذم نظام التأمين الصحي العام، إضافة إلى وجود أدلة على سوء استخدام برنامج الإعفاءات الطبية والمبني على أساس نظام اتخاذ القرار التقديري للموافقة على الإعفاء.


وتتوقع مؤسسة فيتش سوليوشنز أن يصل إجمالي الإنفاق على الرعاية الصحية في الأردن إلى 4.6 مليار دينار بحلول العام 2030، مسجلا معدل نمو سنوي مركب لمدة 10 سنوات بنسبة 5.6 %، مقارنة بمعدل النمو السابق المتوقع عند 5.2%، وبقيمة 4.4 مليار دينار.


ويتوقع أن يواجه إطلاق التغطية الصحية الشاملة تحديات، ما يؤدي إلى تباطؤ التقدم، في إطار زيادة الوصول إلى نظام التأمين الصحي الوطني، كما يتوقع أن تتحمل الحكومة الجزء الأكبر من العبء المالي، مع ملاحظة خطط دعم اشتراكات التأمين الصحي وفقا للدخل الشهري للأسر.


وكان تم إنشـاء المجلـس الصحي العالي بنظـام رقم (1965) لسنة 21 م وتعديلاته حتى صدور القانون المعدل (2017) لسنة 13 (قانون المجلس الصــحي العالي) وهو آخر الحلقات لجهــود سـابقة، بهدف إيجاد مظـلة تنطـوي تحتهـا القطاعات والجهود الصحية المختلفة التي تعنى بوضع الخطوط العريضة للسياسات الصحية الوطنية ومتابعة تنفيذ هذه السياسات على المستوى الوطني.

 

اقرأ المزيد : 

"المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية": جودة خدمات الصحة العامة "منخفضة"