النساء وحل عقدة الاقتصاد العالمي

على الرغم من مرور زمن طويل أهمل فيه الانتباه للمؤشرات الاقتصادية للنساء على مستوى الاقتصاد الدولي، فإن الموجة الثالثة من الحركات الاجتماعية العالمية التي حولت أوضاع النساء في العالم إلى كتلة اجتماعية واقتصادية لها سماتها وخصائصها، قد لفتت الانتباه مؤخراً إلى تطوير مؤشرات تتابع صعود المرأة عالمياً. وهذه المرة تذهب الأنظار إلى القوة الاقتصادية المتصاعدة للنساء، والتي ربما تجعلنا نعيد النظر في أصل الثروات في المجتمع إذا ما أعدنا الاعتبار لرؤوس أموال هائلة تنتجها النساء، وأنتجتها المرأة عبر التاريخ تحت بند العمل غير المأجور.

اضافة اعلان

يتوقع البنك الدولي ارتفاع مداخيل النساء حول العالم بحلول العام 2014 إلى نحو 18 تريليون دولار، أي أكثر من ضعف إجمالي الناتج العام المتوقع للقوتين الآسيويتين الأكثر صعوداً اقتصادياً في العالم، الهند والصين. بالتأكيد لن نغادر الحديث عن "تأنيث الفقر" في العالم قريباً، وعن العلاقات الظالمة التي ورّثت النساء العجز الإنتاجي المادي، والتي حرمت أكثر من ثلثي نساء العالم من قاعدة مادية صلبة يقفن عليها مرة بسبب تقسيم العمل ومرة بسبب علاقات الإنتاج أو الإجحاف الثقافي، لكن المسار التاريخي لإدماج النساء في الاقتصاد الإنتاجي آخذ بالنمو المتصاعد بشكل يثير الدهشة.

حتى في أجواء الأزمة الاقتصادية العالمية، نجد أن تقارير أحوال البطالة والتسريح من العمل جاءت أكثر إيجابية للنساء في معظم الاقتصادات الكبيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة، حيث نجد أن عدد النساء العاملات في أكبر اقتصاد في العالم يوازي تقريباً عدد الرجال، وفي الصين حيث شهد الإنفاق المحلي خلال الأشهر التسعة الأولى لعام 2009 ارتفاعاً بنسبة 15 %، تقف النساء تحت سن 35 سنة كمحرك أساسي له. في تقرير التنمية الإنسانية العالمي في مطلع التسعينيات، يرد أن النساء في العالم يقمن بثلث العمل المأجور وبثلثي العمل الإنتاجي غير المأجور مقابل عشر الدخل وأقل من واحد بالمائة من الممتلكات. حتماً الأوضاع تغيرت بعد أكثر من عقد ونصف العقد، لكن الملاحظة الجديدة الجديرة بالاهتمام أنه في الوقت الذي يزداد فيه حضور المرأة اقتصادياً يزداد تهميشها في العلاقات الدولية.

 المسألة المهمة التي لا يلتفت إليها كثيراً في حلول اقتصادات النساء هو العمل غير المأجور الذي لا يُعترف به ولا يقدر، وهو العمل في المنزل وضمن الجماعة ومعظمه تقوم به النساء، ويقدر حسب التقارير الأممية بنمو 40 % من إجمالي الناتج الإجمالي العالمي، ولكن للأسف لا يدون ولا يعترف به هذا من جهة، ومن جهة ثانية تثبت المؤشرات أن النساء يعملن أكثر من الرجال. في اليابان يفوق عبء النساء من العمل عبء الرجال بنسبة 7 %، وفي النمسا 11 %، وفي إيطاليا 28 %، والنساء في الهند يعملن 69 ساعة أسبوعيا مقابل 59 ساعة للرجال.  التحولات في منظومة العمل قد تكون قاسية وحمالة لآلام جديدة للنساء، لكنها تنسف منظومة مترسخة في الوعي الإنساني عن أصل الثروة في المجتمع، التي لا نحتاج كي نكتشف جوانبها الدفينة أكثر من الاعتراف بقيمة العمل غير المأجور ليس في ثروة المجتمع بل في بنية القوة في العالم أيضا، ما يقودنا إلى التساؤل: هل سنشهد ثورة حقيقية في اقتصاد النساء تغير وجه الاقتصاد العالمي الكسول والمنهار؟

[email protected]