5 أسباب للتشاؤم

يجادل كاتب أميركي، في مقال مطول في مجلة "فورين بوليسي" بعنوان "عام المتفائلين: 5 أسباب ستجعل العام 2015 يجلب تغيّرات إيجابية للشرق الأوسط" (ترجمة "الغد" أمس)، بأنّ هناك مؤشرات على تطورات مهمة تغيّر من الصورة النمطية التي ارتسمت عن الشرق الأوسط بوصفه "منطقة الأزمات والمشكلات" التي تجلب الصداع للعالم بأسره.اضافة اعلان
ويلخص ديفيد ميلر ما يدعوه إلى التفاؤل بما يلي: يمكن أن يشرع اتفاق نووي أميركي-إيراني في إعادة ترتيب ميزان القوى في المنطقة؛ ويمكن أن يفتح قدوم حكومة جديدة في إسرائيل آفاقاً لإحراز تقدم في اتجاه حل الدولتين؛ ويمكن أن يفضي استقرار الأوضاع في العراق إلى قلب وجهة المكاسب المؤقتة التي أحرزتها "الدولة الإسلامية" مؤخراً، وبحيث تتحول إلى مزيد من النكبات الدائمة.
يضيف ميلر إلى ذلك نجاح التجربة التونسية، واستقرار الأوضاع في دول الخليج العربي. لكنه يستدرك بأنّ هذه التطورات الجيدة يمكن أن تجعل العالم العربي في العام المقبل أقل سوءاً مما نتوقع، ليس أكثر. ثم، بلهجة متهكمة يقول: "بالنظر إلى حقيقة كم كان ما يدعى "الربيع العربي" كارثياً ومنطوياً على التهديد، فإننا ينبغي أن نكون شاكرين في السنة الجديدة لأن العالم العربي ليس في وضع أسوأ مما هو عليه الآن، ولحقيقة أنه ما يزال لأميركا شركاء فيه والذين يمكن أن تتعاون وتتاجر معهم".
الفقرة الأخيرة من المقال يعترف فيها الكاتب بأنّ العديدين (وأنا منهم) سينظرون إلى تلك الحجج بأنّها "صبيانية". لكنه يدعو إلى قدر قليل من التفاؤل بـ"أمنيات قلبية" على شرف السنة الجديدة بأنّها لن تكون أسوأ من الأعوام السابقة.
أشترك مع كاتب المقال بأمر رئيس، وهو حجم التسطيح والاختزال في رؤيته لمؤشرات المستقبل في المنطقة العربية. وحتى عندما يشير إلى الكوارث في المنطقة، فإنّه يتجاوز السبب الرئيس الذي يقف وراء شعورنا بالتشاؤم اليوم، وهو ما سأشير إليه، بالتزاوج مع 4 أسباب أخرى أكثر خطورة مما يذكر الكاتب: مثل تراجع الحلم الديمقراطي العربي، بما يخلقه ذلك من كوارث وأزمات لدى الشعوب العربية، وعدم إدراك أغلب الأنظمة العربية لأهمية الديمقراطية في الخروج من النفق الراهن. وثانياً، الفساد بما ينجم عنه من نتائج كارثية على العلاقة بين الشعوب والدول، وإهدار الموارد وغياب العدالة الاجتماعية والشعور بعدم المساواة. وثالثاً، فشل التنمية، وشعور جيل كبير من الشباب بالضياع وفقدان الأمل، ما يدفعهم إلى الخط الراديكالي. ورابعاً، انسداد الأفق في القضية الفلسطينية التي تمثل ثقباً أسود كبيراً في المنطقة، ما قد يحمل تطورات خطرة في المرحلة المقبلة.
بالعودة إلى السبب الرئيس لعدم التفاؤل والشعور بأنّنا وسط نيران ستأكل الأخضر واليابس في المنطقة، فهو ذلك الصراع الطائفي الذي ينتشر ويتمدد، بما يحمله من استباحة لكل المحرمات، وحروب داخلية هائلة تستنزف الجميع. فمثل هذا الخطر الذي يجرّ معه سياسات إقليمية متضاربة، وصراعات عربية-إيرانية-تركية، يتجاوز أي تهديد آخر نواجهه اليوم.
فقط يكفي النظر إلى حجم الارتباك والتناقض في موقف الرأي العام العربي من مقتل أعضاء في حزب الله بغارة إسرائيلية على القنيطرة السورية؛ بين من وجد فيهم شهداء لأنّهم سقطوا في قصف إسرائيلي، ومن رأى أنّهم لم يكونوا هناك من أجل قتال إسرائيل، بل مع جنرال كبير في الحرس الثوري الإيراني (قضى في الغارة) للتخطيط لدعم النظام السوري ضد المقاومة السورية في الجنوب!
لا أعرف إن كانت هناك "لحظة تاريخية" شبيهة في التاريخ المعاصر لهذه الفتنة الداخلية وحجم الارتباك الذي يصيب مشاعر الناس تجاه ما يحدث حولهم.