هل المساعدات الأوروبية هي ثمن الحقوق الفلسطينية؟

 الأصل في أية ممارسة ديمقراطية ألا تكون مشروطة. وأن تمنح الناس الحق والفرصة لاختيار من يمثلونهم في الحكم في إطار قوانين وتشريعات يتم الاتفاق عليها ويتم إقرارها من قبل ممثلي الشعب.

اضافة اعلان

أُخذ على منطقتنا أنها ظلت عصيّة على الزحف الديمقراطي الذي اجتاح معظم أرجاء العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانحسار نفوذه وانتهاء الحرب الباردة. وبعد تحرّر الكثير من الدول من نير أنظمة ديكتاتورية شمولية قمعية قاسية.

بعد أحداث أيلول عام 2001، وبعد ربط الإرهاب بأسباب تعدّدت، لكنها استثنت الأسباب الحقيقية مع الأسف، برزت نظرية تفيد بأن نشر الديمقراطية هو ضمان مكافحة الإرهاب. وبغض النظر عن صحّة هذه النظرية التي دحضتها دراسة قيّمة ظهرت في عدد أيلول/ تشرين الأول من مجلة الشؤون الخارجية (Foreign Affairs) بعنوان "هل تهزم الديمقراطية الإرهاب" (Can Democracy Stop Terrorism) فإن منطقة الشرق الأوسط، بعد أن أُعيد رسم حدودها التقليدية لتشمل العديد من الأقطار الإضافية، أصبحت ساحة لمشاريع الدمقرطة والإصلاح. ورافقت ذلك ضغوط هائلة على دول وأنظمة الحكم في المنطقة لتباشر في تنفيذ برامج إصلاحية في هذا الاتجاه. ومن ضمن من تعرّض للضغوط كانت السلطة الوطنية الفلسطينية، خلال الفترة الأخيرة من حياة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وبعد ذلك. لقد طالبت إسرائيل بالإصلاح في أجهزة السلطة كشرط لاستئناف أي تفاوض من أجل "السلام". وكما جرت العادة فإن ما تنادي به إسرائيل يصبح مطلباً أميركياً وأوربياً ودولياً.

لا مجال للشك بضرورة الإصلاح وضرورة إدخال الديمقراطية لمعظم دول المنطقة ومنها السلطة الوطنية الفلسطينية التي تحوّلت بدورها إلى نظام حكم الحزب الواحد القمعي المحتكر للسلطة والمتهم بالفساد المالي والإداري وحتى السياسي. ولم يكن محقّاً كل من ردّ على دعوات الإصلاح بأن الإصلاح يجب أن يأتي من الداخل ولا يجوز أن يملى علينا من الخارج. إذا كان الأمر كذلك لماذا لم يأتِ الإصلاح من الداخل كل هذه العقود والسنين؟ وكيف يمكن أن يتحوّل الفاسد المنتفع من الفساد إلى صالح أو مصلح؟ ولم يكن محقّاً أيضاً من ردّ على دعوات الإصلاح بأن أسباب التخلّف والخلل هي القضايا السياسية المزمنة وأهمها قضية فلسطين وأن على أي إصلاح أن ينتظر حل كل هذه القضايا. صحيح أن لقضية فلسطين ولما لحق بالدول العربية وبالشعوب العربية من جرّائها علاقة وثيقة بالأوضاع السيئة الراهنة. لكن الإبقاء على هذه الأوضاع لا يساعد على حلّ القضايا السياسية المزمنة. والسؤال الأهم هل كان الفشل في مواجهة تبعات قضية فلسطين والخطر الصهيوني سبباً أم نتيجة؟ هل كان التخلّف العربي سبباً لاستفحال الخطر الصهيوني ولضياع حقوق العرب ولعجزهم عن الدفاع عن حقوقهم، أم كان المشروع الصهيوني سبباً لاستمرار التخلّف. والحقيقة أن هنالك تداخلا بين العنصرين ولا يجوز أن يُرهن أحدهما بانتفاء الآخر، وإلا لبقيت المنطقة أسيرة دائرة السوء المفرغة.

مع كل ذلك، ونتيجة للغضوط الخارجية بالتأكيد، ونتيجة لتأثر المنطقة بما يجري في العالم من حولنا بدأت بعض الدول تتكيف مع مقتضيات التطور الجديدة. وبدأت أيضاً خطوات وإن بطيئة ومترددة ومحدودة ومحسوبة على طريق الدمقرطة والإصلاح. ولم يكن مستغرباً أن رفضها البعض لقلّتها وضآلتها ولفقدانها لعناصر الصدق والأصالة، كما لم يكن مستغرباً أن قبلها آخرون كبداية لعملية لا بد لها إلا أن تستمرّ وتنمو وتنضج.

ما كان مستغرباً أن ينقضّ على الإصلاح أشدّ الداعين إليه. ومن هنا كان التذمر والضيق وحتى الرفض لتقدّم الإسلاميين في مصر أو في فلسطين، وللتحذير من استمرار ذلك، أو من استفحال ظاهرة تفاقم مكاسب الفئات "المرفوضة" حيث حدث ذلك أو في مواقع أخرى. فهل المطلوب أن تختار شعوب المنطقة من يمثلونها أو أن يتم الاختيار لهم من قِبَل غيرهم في إطار نمط جديد من الديمقراطية الفريدة من نوعها: ديمقراطية النتائج المقررة مسبقاً والمتوافقة مع غايات مغرضة لدعاة إصلاح يبدو أن دعواتهم مغرضة أيضاً.

من حق الأوروبيين، ومن حق ممثل السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية سولانا أن ينتقدوا سياسة حماس، وأن يطالبوا حماس بنهج بعيد عن العنف في متابعة برامجهم السياسية، وفي العمل من أجل استرداد حقوقإم وأرضه المحتلّة. لكن ليس من ح أحد أنيحدد من يشارك أو لا يشا ك في الؤنتخابات الفلسطينية أو أ يقول لہفلسطينيين من ينتخبون ومہ لا ينتہبون، ويظل في نفس الوقت تبجح باہمناداة بالديمقراطية والDصلاح.

كيف يمكن أن نفهم لتهديداà التي صدرت قبل أيام عن سولانا بأن الدعم المالي الأوروبي للفلسطينيين سيتأثر إذا حققت حماس أي تقدّم في الانتخابات القادمة، أو حتى إذا سمح لحماس بالمشاركة فيها. وكيف يمكن المواءمة بين الدعوة لممارسة الديمقراطية وبين فرض هذه القيود على قطاع كبير من الشعب الفلسطيني.

وكيف يمكن أن يُطلب من حماس أن تلتزم مسبقاً بشروط تمس صميم حقوق الشعب الفلسطيني ولا يطلب من إسرائيل بالمقابل أن تنهي احتلالها وتسحب مستوطناتها من الضفة الغربية كما فعلت في غزّة، وأن تلتزم بالقانون الدولي وبمرجعيات عملية السلام التي ساهم الأوروبيون أنفسهم في صياغتها وتبنيها. ولماذا لا يطلب من إسرائيل أن تستثنى من انتخاباتها كل المغالين الذين يطالبون بكل فلسطين ويعبرون عن أطماع تتعدّى ذلك بكثير؟

لسنا مع العنف أصلاً، ولا مع استمراره، ونضم صوتنا لكل من يدعو حماس أو أي من منظمات المقاومة الأخرى لأن تلتزم بالقواعد àلمشروعةللمطالبة بالحقوق ولمقاوàة الاحتؤال وللتصدّي للقمع الصهيني وللاءتعمار الاستيطاني، ولإغلق طرق ابسلام، ولكنه ليس من المعجول ولا أن الطبيعي، ولا مما ينسجâ مع أبس قواعد الديمقراطية أن تحوّل الأناشدة إلى إملاءات وشروطقسرية وèهديد بقطع المساعدة المالية عن شعب محاصر ومنهك ومحروم يتعرّض للتدمير كل اليوم.

المفهوم أن المساعدات الأوروبية هي بالفعل لتمكين السلطة الفلسطينية من تمويل الاحتلال الذي رمى بعبء المسؤولية عليها دون أن يرحل، ولبناء المؤسسات الفلسطينية تمهيداً لقيام الدولة. أما أن تصبح المساعدات المالية ثمناً لتخلي الفلسطينيين عن حقوقهم المشروعة والتنازل عنها مقدّماً مع بقاء الاحتلال فهذا ما لا يقبله العقل ولا المنطق.

سفير الأردن السابق في الأمم المتحدة