"الحثالة"!

كل يوم يصدم الرئيس الاميركي دونالد ترامب العالم بقصة جديدة، دراما البيت الابيض لا تتوقف عن إضفاء المزيد من الخيبات واضفاء المزيد من العنصرية والبشاعة على العلاقات الدولية، بل سوف تتجاوز هذا الامر الى أبعد من مجرد وصف المهاجرين والدول التي جاءوا منها بالحثالة أو الدول القذرة، علينا أن نلاحظ أن هذا الرجل بات لا يغيّر شروط اللعبة السياسية وقواعدها في العالم بل يغير القاموس السياسي والثقافي في مخاطبة الشعوب والدول لبعضها بعضا، ويشطب ما يستند إليه من تراث من النضال والتضحيات. اضافة اعلان
قد لا تكون الأقوال بقوة الأفعال حينما نتتبع آثار السلوكيات العدوانية، ولقد فعلها الرئيس ترامب بقراراته وافعاله كثيرا. عبر التاريخ الحديث كان حوار المهيمن مع الضحية يدور عبر اللكمات والرصاص معا، وهذا ما يفسر تاريخ الهيمنة على مجتمعات جنوب العالم التي سرقت ثرواتها ومواردها واستعبدت شعوبها وتم سبيها على مدى قرون طويلة لصناعة مستقبل العالم في أسوأ ممارسات عنصرية واكثر بشاعة عرفها التاريخ.
المهاجرون الافارقة الذين يصفهم الرئيس ويصف بلادهم الاصلية بـ"الحثالة" يعود لهم الفضل في صناعة جانب كبير من قوة الولايات المتحدة، وهو ما يقودنا الى مفهوم فائض القيمة التاريخي، والذي يذهب الى تفسير احوال تخلف افريقيا عن ركب الحضارة وفقرها المزمن بالعودة الى الموجات التاريخية من النهب المنظم لمواردها وحركة التهجير القسري على شكل موجات من العبيد، الى جانب موجات من التدمير والنهب والابادة التي مارسها الغرب عبر اكثر من ثلاثة قرون، من خلال تدمير الاصول الحضارية ومقومات الحياة والتنمية مرة، ونهبها وتكديسها في المراكز الحضارية مرة اخرى، لصناعة المستقبل الغربي وصولاً الى ما نشهده اليوم من هيمنة قواعد التجارة العالمية المعاصرة التي تكرس الهيمنة الجديدة وتقوض فرص الخلاص والتحرر الذاتي من أمراض افريقيا المزمنة.
في جزيرة قوري الواقعة قبالة ساحل العاصمة السنغالية دكار ثمة موقع تاريخي عدته اليونسكو احد مواقع التراث الإنساني، على هذه الجزيرة توجد القلعة الرهيبة التي كان يساق منها العبيد الأفارقة الى القارة الأميركية على مدى ثلاثمائة عام، حينما كان يُصطاد الأفارقة من عموم القارة، ويتم تجميعهم في هذه الجزيرة لكي يعرضوا على التجار الأوروبيين ثم يساقوا في سفن بشعة في رحلة مريرة. وفي بيت العبيد الذي بناه الألمان سنة 1667 ارتكبت أفظع الجرائم بحق البشرية ولم يحاكم عليها احد. يقدر المؤرخون عدد الأفارقة الذين قادهم حظهم العاثر الى الموت والمجهول ونقلوا من هذه الجزيرة بحوالي مئة مليون إفريقي.
لقد حاول الشعب الاميركي مرارا الاعتذار للعالم، اليوم لا يستحق الشعب الاميركي هذه الصورة البشعة التي ترسمها الافعال والكلمات؛ حتى جورج بوش وقف في العام 2005 في بيت العبيد الافريقي واعتذر للافارقة، وقبل ذلك زار الرئيس بل كلينتون وأهدى الجزيرة نصبا تذكاريا؛ عبارة عن شراع مليء بالثقوب في إشارة لمنافذ الحرية.
قبل سنوات قليلة، ذكر احد التقارير الدولية ان بعض الشركات العملاقة، التي يطلق عليها العابرة للقوميات، تستطيع شراء افريقيا جنوب الصحراء واعادة بيعها مرة اخرى؛ بمعنى القدرة على شراء الاصول التنموية والرأسمالية وقوة العمل، أو بعبارة أخرى تستطيع هذه الشركات شراء جهد البشر والانهار والصحراء والغابات والسفاري وحيوانات افريقيا النادرة ورمالها ومناجم ذهبها، في اشارة بالغة الدلالة الى المستوى الذي وصلت اليه القواعد الاقتصادية التي تحكم العالم اليوم. حينما يتحول خمس البشرية، والمنجم الاول للاقتصاد العالمي، وقبل ذلك الموطن الاول للانسان، الى مجرد سلعة تباع وتشترى، وهذا ما يريده ترامب وفريقه، فالعالم تحول إلى صفقة رخيصة.