فعلها الإيرانيون!

بخلاف أغلب التوقعات إن لم يكن جميعها، حسم الإيرانيون انتخابات الرئاسة من الجولة الأولى، واختاروا بشكل قاطع المرشح الوحيد المقرب من المعسكر الإصلاحي، حسن روحاني، بفارق يقرب من 12 مليون صوت عن منافسه الأقرب محمد باقر قاليباف؛ المحسوب على تيار المحافظين، والذي يفترض أنه كان المرشح المفضل لدى المرشد الأعلى علي خامنئي.اضافة اعلان
إزاء هذه النتيجة، قد يبدو ممكناً للبعض القول إن انتخابات الرئاسة الإيرانية مثلت صفعة، بأي درجة كانت، للمرشد خامنئي. لكن مثل هذا القول يستبطن فعلياً افتراض جهل خامنئي بتوجهات الشعب الإيراني، وهو ما لا يبدو معقولاً على الإطلاق. بل يبدو الأقرب إلى المنطق، في المقابل، توقع خامنئي للنتيجة، إن لم يكن تيقنه منها، وبالتالي ارتضاؤه بها سلفاً، وهو الذي كان قادراً على إقصاء روحاني مبكراً جداً عبر لجنة صيانة الدستور، على نحو ما حصل مع المرشح والرئيس السابق هاشمي رافسنجاني وسواه.
ذلك أن انتخاب روحاني قد خدم خامنئي ابتداء على صعيد احتواء الاحتقان الشعبي الذي كان ينطوي على مخاطر الانفجار، وبما يهدد -ولو على مدى أبعد- النظام السياسي الإيراني برمته، نتيجة للضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يرزح تحتها الإيرانيون، والتي من أسبابها الرئيسة العقوبات والعزلة الدولية التي تعاني منها إيران منذ سنوات. ومع ترحيب خصوم إيران، قبل أعدائها، بانتخاب روحاني، يكون خامنئي والنظام الإيراني عموماً قد كسبا مساحة جديدة للحركة والمناورة، داخلياً وخارجياً.
لكن لا يجب أن يُفهم من ذلك أن انتخاب روحاني سيعني انقلاباً في السياسة الخارجية الإيرانية، رغم تعهد الرئيس المقبل خلال حملته الانتخابية بالعمل "على إعادة النظر في السياسات الخارجية والاقتصادية" وبحيث تكون الأولوية في السياسة الخارجية هي "التصالح" مع العالم الخارجي، والنأي بإيران عن الأسلوب المتشدد" للرئيس محمود أحمدي نجاد.
فالولي الفقيه الذي يمسك بكل خيوط اللعبة داخلياً وخارجياً، ويملك القرار النهائي على هذين الصعيدين، فعلياً ودستورياً، يبدو الآن أقرب إلى من يقدم بادرة حسن نية إلى العالم الخارجي، بانتظار الاستجابة أو ردة الفعل الدولية، ولربما الإقليمية إلى حد ما. ومن ثم، فإن هذه الاستجابة هي ما سيحدد إمكانية مضي روحاني بسياسته التصالحية المعتدلة؛ وإلا تم تعطيل هذه السياسة وشلها نهائياً من قبل خامنئي، إن بدت أنها من طرف واحد، وتقوم على تقديم تنازلات إلى الخارج بدون مقابل ملموس، يضمن خصوصاً دور إيران الإقليمي، وحقها في تطوير برنامجها النووي، وإن ضمن ضوابط متبادلة تفضي إلى تسوية مقبولة لإيران والغرب على حد سواء.
إلى هذا الحد، وبانتظار ما سيحمله المستقبل، يكون قد فعلها الإيرانيون جميعا بالانتصار لأنفسهم؛ ذلك أن المرشد الأعلى، والنظام الإيراني ككل، قد خرجا من انتخابات الرئاسة منتصرين بدرجة لا تقل عن المعتدلين الإصلاحيين الفائزين بكرسي الرئاسة. وإذا كان في هذا درس يتوجب على الجميع استيعابه، فلعل الأولى بذلك هم حلفاء إيران الذين لا يمانعون في تدمير بلد كامل على أهله، رفضاً لإطلاق سراح معتقلين أطفال، أو منح شهادات وفاة لمختفين في السجون منذ عقود، والسماح بعودة مئات آلاف المهجرين!

[email protected]