تداعيات جائحة كورونا على الأمن الغذائي العربي 2-2

في مقالتنا السابقة تعرضنا في الحديث عن موضوع الأمن الغذائي العربي في ظل تداعيات أزمة كورونا، واليوم نستعرض الدور الذي يمكن للمصارف الإسلامية أن تؤديه في المساهمة في تقليل الآثار التي تتسبب بها هذه الأزمة على الأمن الغذائي لبلداننا لما تتميز به المصارف الإسلامية من تنوع لأدواتها الاستثمارية ذات الطابع الشمولي مثل المضاربة والمشاركة والمرابحة وعقد السلم وعقد الاستصناع، وهناك بقية العقود مثل عقد المزارعة وعقد المساقاة، وأخيرا برزت الصكوك كأداة تمويل أخذت أشكالا عدة حسب الأدوات المذكورة سابقا؛ حيث اعتبرت كأداة تمويل يمكن لها أن تغطي الاحتياجات التمويلية كافة التي تحتاجها القطاعات الاقتصادية المختلفة، لكن المتتبع للنشاطات التمويلية في المصارف الإسلامية يلاحظ التركيز من قبل هذه المصارف على التمويل قصير الأجل لانخفاض درجة المخاطرة فيه أولا وثانيا لعودة رأس المال المُستثمر للدوران بزمن أقل، مع ذلك يسجل للصناعة المصرفية الإسلامية سرعة نموها وانتشارها الواسع، وهذه ميزة لها في تنوع فرص الاستثمار والتي نحن اليوم بأمس الحاجة لها لتجاوز آثار جائحة كورونا على اقتصاداتنا العربية وخاصة موضوع مقالتنا هذه، وهي التداعيات على موضوع الأمن الغذائي.
بلداننا العربية والإسلامية تعد بأمس الحاجة إلى الأمن الغذائي، خصوصا مع سعي العديد من دول العالم المُتنفذة إلى احتكار إنتاج وصناعة الغذاء، خاصة بعد أن اتسعت مساحة جائحة كورونا وشملت معظم دول والعالم وما رافق ذلك من إغلاقات تم شرحها في مقالتنا السابقة، في الوقت الذي يُهمش فيه قطاع الزراعة ولا يحظى بأدنى اهتمام تمويلي، ونحن نمتلك الأراضي الزراعية الشاسعة والخصبة إضافة إلى استصلاح الأراضي المعرضة للزحف الصحراوي، وحتى الصحراء يمكن الاستفادة منها عندما تتوفر الإمكانيات المادية والتمويلية.
إن قرار الاستثمار في أي قطاع لا بد وأن يخضع لاعتبارات وحسابات الربح والخسارة ودراسات الجدوى؛ فعلى المدى القصير قد يبدو أن هذا المطلب غير مجد، لكن على المدى الطويل سيكون من أفضل قطاعات الاستثمار على الصعيد المادي وأكثرها عائدا لأن الاستهلاك لن يتوقف وأعداد السكان في تزايد، وهذا ما تبين لنا من أزمة هذه الجائحة والحاجة الرئيسية للغذاء، بمعنى أن الطلب على الغذاء يسير في منحنى تصاعدي وهذا منطق الأمور، لكن يبقى لأي قرار استثماري مسؤول أيضا اعتبارات اجتماعية وأخلاقية ينظر له من جوانب اقتصادية وسياسة تسهم جميعها في تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي وتبعدنا عن أسواق الاحتكار وأحيانا الابتزاز.
إن رؤوس الأموال العربية سواء المهاجرة أو المستقرة والتي تبحث عن فرص الاستثمار، إضافة إلى السيولة المتوفرة لدى المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية إذا أجمعت على تحقيق هذا الهدف، فسوف نحقق المعجزة الاقتصادية المرجوة وستكون كذلك نقلة نوعية في تفكيرنا الاستثماري وستعمل كذلك على فتح منافذ استثمارية جديدة في الصناعات الغذائية ومستلزمات قطاع الزراعة وقطاع الخدمات المرافق لهذا القطاع، وسنثبت كذلك قدرتنا على مواجهة الأزمات الطارئة بإمكاناتنا في حال أوصد العالم أبوابه كما في أزمة كورونا اليوم، ولتحقيق ذلك فإننا نقترح ما يلي:

  • إنشاء أو المساهمة في تأسيس شركات متخصصة للاستثمار في قطاع الزراعة وملحقاته الخدمية والصناعية.
  • عمل دراسات متخصصة في أنواع الزراعة الملائمة للتربة والمناخ في كل بلد يرغب في الاستثمار في هذا القطاع.
  • الاهتمام بتقديم التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع الزراعة أو الصناعات الغذائية.
  • العمل على تطوير البنية التحتية في المناطق الزراعية المستهدفة بالاستثمار كي لا يكون عائقا أو مبررا لقرار الاستثمار.
    يبقى السؤال الأهم: هل مصارفنا الإسلامية مستعدة للأخذ بزمام المبادرة؟ إننا على يقين وثقة بقدراتها وبما تمتلكه من محفزات أخلاقية ومادية تؤهلها لتحقيق طموح شعوبنا.
اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي