العنف الأسري.. عدم التبليغ يحمي الجناة ويزيد بطشهم

نادين النمري

عمان- جريمتا عنف أسري انتهتا على نحو مؤلم، حيث توفيت شابة ضربا على يد شقيقها، وأخرى ما تزال منذ أكثر من شهر تعيش على أجهزة التنفس الاصطناعي بانتظار معجزة تعيدها إلى الحياة بعد تعرضها كذلك للضرب من قبل شقيقيها.اضافة اعلان
عناصر تشابه عدة تجمع بين الجريمتين لناحية كونهما “جرائم أسرية”، لكن أبرز ما يميز هاتين الجريمتين، هو ظهورهما في البداية كأنها وفاة طبيعية أو حادث عرضي، ليتبين بالتحقيقات لاحقا العامل الجنائي في الحالتين، وليس ذلك سوى انعكاس لما يجري على أرض الواقع في العديد من حالات العنف الأسري، تحديدا في قضايا الإيذاء التي تبقى خارج اطار التبليغ فيكون “العنف خلف أبواب موصدة”.
وبحسب خبراء تواصلت معهم “الغد”، فإنه “في حين تبدو منظومة الحماية الأسرية أكثر حزما وفاعلية في التحقيق في جرائم العنف التي تصل حتى القتل، لكن فإن العديد من حالات العنف تحديدا المتعلقة بالايذاء تبقى خارج منظومة الحماية، نتيجة اما لاسقاط الحق الشخصي أو التستر من قبل أفراد الأسرة لحماية الجاني”.
ويبين هؤلاء، أن “غالبية حالات الإيذاء المكتشفة داخل إطار الأسرة إما يتم اسقاط الحق الشخصي بها أو التوجه بها نحو التسوية”، معتبرين أنه “افلات” للجاني من العقاب وبقاء المعتدين خارج إطار الملاحقة.
وكانت أرقام وزارة التنمية الاجتماعية، كشفت عن أن مكاتب الخدمة الاجتماعية، وفرت خدماتها لنحو 11 ألف حالة عنف أسري، بينها 6 آلاف حالة لنساء وفتيات.
وحول أسباب التكتم على جرائم الإيذاء داخل الأسرة، يشير الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة، الدكتور محمد مقدادي، إلى نتائج تقرير أوضاع الأسرة الأردنية والذي كشف عن ان 40 % من الأسر ترى أن العنف الأسري شأن عائلي خاص وينبغي ان لا تشارك الأسرة هذه المسألة مع المؤسسات الرسمية والحكومية.
وتطرق مقدادي الى حالات العنف الجسدي الواقعة داخل اطار الأسرة والتي غالبا ما يتم اللجوء بها في حال وصلت الجهات مقدمة الخدمة الى اما التسوية أو اسقاط الحق الشخصي.
وأضاف، “التكتم أو محاولات عدم التبليغ في حال وقوع العنف والايذاء داخل نطاق الأسرة، يؤدي الى تزايد وتيرة وحدة العنف ليصل الى حالات الضرب المفضي الى الموت أو القتل.. حتى في بعض الجرائم الجزائية قد تحاول الأسر التستر على الجريمة”.
وشدد مقدادي في هذا السياق على أهمية التوعية الاجتماعية والقانونية، بضرورة رفض العنف الأسري وعدم تبريره، فضلا عن رفع الوعي القانوني بأن هذه السلوكيات مجرمة قانونا وعقوباتها مشددة.
من جانبه، يبين استشاري الطب الشرعي والخبير في مواجهة العنف، الدكتور هاني جهشان، أن عوامل عدة تدفع الأسر الى عدم التبليغ، منها عوامل ثقافية اجتماعية تتحكم بالأسر وتمنعها من التبليغ وطلب المساعدة، وعوامل فردية تتعلق بالمرأة أو الفتاة التي تتعرض للعنف.
ويوضح أن التراخي في الاكتشاف المبكر لحالات العنف الأسري التي تحدث خلف أبواب موصدة وعدم الاستجابة له وحماية ضحاياه وردع المعتدي يؤدي حتما لتكراره وتفاقمه شدةً وتراكم عواقبه الجسدية والنفسية وقد تستفحل هذه العواقب لتؤدي تعرض الضحية لإصابة خطرة تهدد حياتها أو للوفاة.
ووفق جهشان، “بسبب العوامل الثقافية والاجتماعية والوصمة التي حجبت التبليغ وطلب المساعدة ابتداء، فإن الأسرة تتعامل مع وفاة الضحية أو تعرضها لإصابة خطرة تهدد حياتها بالتكتم الشديد وإدعاء بأن الوفاة أو الإصابة الخاطرة ناتجة عن حادث عرضي أو أنها ناتجة عن إيذاء النفس، وما يساعد على هذا التكتم وعدم اكتشاف الحقيقة هو عدم دراية أطباء أقسام الطوارئ التميز بين الإصابات العرضية والمقصودة وبسبب قناعتهم في بعض الأحيان أن هذه الأمور هي أسرية خاصة لا يتوجب التدخل بها، عكس ما يوجب القانون وأخلاقيات مهنة الطب”.
ويشير جهشان في هذا الصدد، إلى “تهميش دور الطب الشرعي بالتعامل مع هذه الحالات وتأخر كشفه عليها، إن كان بسبب عدم طلبه من قبل الشرطة أو النيابة العامة أو بسبب عدم استشارته من قبل أطباء الطوارئ أو اختصاصي الجراحة، وهذا سيؤدي حتما لضياع الأدلة أو تخفيف أهميتها الجنائية وبالتالي عدم تشخيص العنف وغياب العدالة والإفلات من العقاب”.
ويلفت جهشان إلى عدد من جرائم العنف الأسري التي وقعت في الفترة الاخيرة ومنها جرائم قتل النساء والتي تعد أكبر دليل على التكتم على جرائم العنف الأسري من قبل الأسرة ذاتها، وعلى التراخي وضعف المهنية لدى الجهات مقدمة الخدمات وتوانيها في التعامل مع حالات العنف الأسري.
ولمواجهة ضعف التبليغ في حالات العنف الاسري، يؤكد جهشان أهمية وضع برامج توعية مستدامة يخطط لها وتنفذ وترصد وتقييم على المستوى الوطني والتوعية في مجال التشريعات الوطنية التي تتعلق بمواجهة العنف الأسري وحماية الأسرة وتنفيذ برامج توعوية تعكس الممارسات الإيجابية لإدارة حماية الأسرة والخدمات الاجتماعية والطبية التي تقدمها، وتستهدف برامج التوعية هذه استرجع الثقة بهذه المؤسسات والخدمات.
ويشدد على اهمية وضع الأنظمة والإجراءات والتدابير المتعلقة باستقبال التبليغات عن حالات العنف الأسري الخاصة بالنساء، موضع التنفيذ لضمان نفاذ واستقبال ضحايا العنف بكرامة واحترام، والحفاظ على الخصوصية والسرية، ومواجهة التعرض للوصمة والعار، ويجب توفير خدمات استقبال التبليغ من قبل شرطة نسائية وباحثات اجتماعيات وطبيبات، وتنفيذ برامج تدريبية متخصصة ومستدامة لتنمية مهارات مستقبلي التباليغ والعاملين على الخطوط الساخنة التي تستقبل معلومات عن الحالات.
ويدعو جهشان، الى توفير مؤسسات بديلة ووسيطة لاستقبال التبليغات، مثل المراكز الصحية، وعيادات الأمومة والطفولة ومؤسسات المجتمع المدني، ومراكز الخدمات الاجتماعية، ومثل هكذا مبادرة ستكون فاعلة لأقصى درجة لكنها تتطلب التخطيط والتشبيك والاستدامة بالتنفيذ والرصد.
من ناحيتها، تركز مديرة مركز العدل للمساعدة القانونية، هديل عبدالعزيز، على ضرورة رفع الوعي بالتبعات القانونية للجرائم الواقعة داخل نطاق الاسرة، قائلة، “يعتقد البعض وهو اعتقاد خاطئ مبني على ممارسات سابقة، أن عقوبة القتل للنساء داخل نطاق الاسرة قد لا تتجاوز عقوبتها السجن عاما أو عامين، لكن في الأحكام القضائية مؤخرا، لمسنا تشددا في العقوبات في جرائم القتل داخل نطاق الأسرة”، لافتة الى مجموعة من الاحكام القضائية التي لم يتم بها الأخذ باسقاط الحق الشخصي نظرا لبشاعة الجرائم، رغم اسقاط اسرة الضحية لحقهم.
وفي وقت تبين به عبد العزيز ان “الأردن قد خطا خطوات مهمة في توفير ضمانات عدم الافلات من العقاب في جرائم القتل الاسرية، لكن يبقى التحدي الخاص بجرائم الايذاء داخل الاسرة وهي غالبا ما يفلت بها الجاني من العقوبة”.
وترى عبد العزيز ان “هناك حاجة للتعامل مع قضايا الايذاء داخل الاسرة بمسار خاص مختلف عن قانون العقوبات”، موضحة بالقول، “يجب أن يكون تحريك القضية دون اشتراط التقدم بشكوى كما لا يجب ربطها باسقاط الحق الشخصي، وهناك حاجة ايضا لتوفير خدمات حماية متكاملة للضحايا والناجيات من الايذاء والعنف الأسري”.
وتتفق المديرة التنفيذية لمجموعة القانون لحقوق الانسان “ميزان”، المحامية ايفا أبو حلاوة، مع عبدالعزيز وجهشان في الرأي، وتقول، “في جرائم الايذاء داخل الأسرة هناك الكثير من الجرائم مخفية لا نعلم عنها، ولولا تطور التحقيقات الجنائية او تدهور الوضع الصحي للضحية، كما في حالتي جريمة ماركا وفتاة الجامعة، فربما لما كنا عرفنا عنهما”.
وأضافت، “داخل الأسر هناك عديد من النساء تعرضن لايذاء بليغ لكنهن لم يصلن الى منظومة الحماية، وهذا مؤشر ان هناك عددا كبيرا من النساء غير الآمنات في أسرهن، والسؤال الذي يطرح نفسه قبل تطور الحالة حتى تصل جريمة قتل، هو، هل لجأت الضحايا الى منظومة الحماية؟، وفي حال لم يلجأن فهل السبب عدم ثقة أم عدم معرفة؟”.
وتطرح أبو حلاوة تساولا آخر في قضية النساء والأطفال، وهو “تم اطلاق حملات لحماية المجتمع من فارضي الإتوات، لكن هل فكرت الحكومة في وضع خطة لحماية النساء والأطفال من هؤلاء الأشخاص في أسرهن؟”.