المرأة في المثل الشعبي انعكاس لصورتها في المجتمع

المرأة في المثل الشعبي انعكاس لصورتها في المجتمع
المرأة في المثل الشعبي انعكاس لصورتها في المجتمع

ذمّها بصيغة "الإقرار" ووضع شروطا لاستحقاقها المديح

 

       جمانة مصطفى

اضافة اعلان

     عمان - هناك مثل شعبي عالمي يقول "الشيطان أستاذ الرجل وتلميذ المرأة". وعلى الرغم من صعوبة المواصلات ونقل الرسائل في العصور القديمة، إلا أن هذا المثل انتقل عبر البلاد والحضارات، وبقي متداولا لدى كل الشعوب من الشرق إلى الغرب وحتى اليوم.

فهل لا يزال للمثل الشعبي القول الحسم في المجالس؟ إذا كان الجواب نعم، فعلينا أن نسلم أن "همّ البنات للممات" وأن "المرأة من بيت أبوها لبيت زوجها للقبر".

يرى الباحث في علم الإنسان أحمد أبو خليل أن المثل لا يزال محتفظا في قوته في المجلس بصفته القول الحسم حين تتناقض الآراء، ويقول: "لا نستطيع أن نقول أن المثل الشعبي ظلم المرأة فهو ليس أكثر من مرآة تعكس تفكير المجتمع الذي خرج منه، لذلك كثيرا ما تأتي الأمثال متناقضة تبعا لاختلافات البيئات التي خرجت منها، وغالبا ما تنتقص هذه الأمثال من قيمة المرأة، إلا أنها قد تشيد بها في أحيان أخرى وهو الأمر الذي يفسر هذه الازدواجية".

والسؤال هنا هو من الذي يلجأ إلى أمثال الانتقاص من قيمة المرأة، الرجل أم المرأة؟ يجيب أبو خليل بالقول أن المرأة أكثر استذكارا من الرجل للأمثال التي تدينها، ويضيف: "المرأة الأردنية عموما منسجمة مع التوصيفات الموجودة في المثل الشعبي، حتى النساء من المناديات بالمساواة والحركات النسائية، بمجرد أن تغيب عن الجو العام وتدخل في نطاق حياتها الخاصة تعود إلى تطبيق المثل الشعبي كغيرها من النساء".

    ولدى القراءة في موروث الأقوال الذي شكل صورة المرأة في المثل الشعبي، تخرج بملاحظة أن الأمثال التي تقلل من شأن المرأة تأتي في صيغة إقرار لحقيقة غير قابلة للنقاش، بينما تأتي الأمثال التي تمدح في المرأة محصورة في فئة محددة من النساء أو مشروطة بتحقق صفة أو أكثر، وإذا كانت غير مشروطة تكون في سياق مدح جمال المرأة الخارجي.

ولعل إدراج الأمثلة أقدر على توضيح الفكرة السابقة، ومن الأمثال السلبية. فالأمثلة تقول "شور المَرة الصايب يجيب سبع مصايب". "لا تعير دابتك، ولا تسر مرتك". "المرأة تحب يوم وتكره أربعين يوم". "هم البنات للمات". "الزمان والنسوان ما الهم أمان". "قادي النسا بالنسا والبقر بالعصا". وجميع هذه الأمثال، وسواها، تأتي في صيغة إقرار الحقيقة، بمعنى أن هذا المثل سينطبق على كل النساء وبغض النظر عن اختلافاتهن.

     أما الأمثال التي تمدح صفات النساء فتأتي مشروطة أو محصورة. ومنها ما يقول "بنات الأصول خير من المال والمحصول". لكن هذا المثل يمدح الفتيات من العائلات الكبيرة. أما المثل القائل "رخيصة وكويّسة وبنت ناس"، فإنه محصور في بنات العائلات، ممن لا يطلبن مهرا عاليا عند الزواج. أما الأمثال من طينة "الشبعانة بدها أربعين سنة لتجوع، والجيعانة بدها أربعين سنة لتشبع"، فإنه محصور في مديح النساء من العائلات الغنية ممن لا تتطلب من زوجها الكثير حتى وإن فقر حاله. على أن بعض الأمثال يأتي مديحها للمرأة مشروطا بالجمال الخارجي، بل ومقتصرا عليه مثل "بتقول للقمر قوم تاقعد مكانك". "خود المليح واستريح". "تمها خاتم سليمان". "سنانها زي اللولو". "زينة الزين الحاجب والعين". "عنقها زي عنق الغزال". "خدها بيضة ولو انها مجنونة".

    ومن الأمثال التي تعنى بصفات المرأة إلى الأمثال "الآمرة" إن صح التعبير، حيث ينكشف وجه آخر للمجتمع. وتجتمع هذه الأمثال في ثلاث صفات أساسية، أولا الصيغة الآمرة، ثانيا أنها موجهة للرجل، ثالثا اعتبار المرأة عبئا ثقيلا عليه.

ويتناول الكاتب والصحافي الزميل موسى برهومة في مقاله "مجتمع خائف من جسد المرأة" الذي نشر في صحيفة إيلاف الالكترونية بتاريخ 9/2/2005 في معرض حديثه الآثار التاريخية المترسبة في العقل الجمعي العربي نتيجة الأمثال التي تكونت في فترة زمنية مندثرة، ويقول: "إذا كانت هذه الأمثال انبثقت في مرحلة تاريخية بائدة إلا أن علاماتها ودلالاتها الرمزية ماثلة وتتحكم في مجرى السلوك الاجتماعي لقطاع واسع ومتنام في أوساط المجتمعات العربية كافة.

    ولعل ما يؤكد هذا التنامي الضاري لشهوة الذكور في استئصال أي ملمح أنثوي أصيل في حياتنا النقاش الضاري في عدد من العواصم العربية حول: هل تشارك المرأة في الانتخابات التشريعية، وهل يحق لها أن تنتخب أو تترشح، وفي حال فوزها هل تمكنها قدراتها العقلية على أن تكون حكماً، هل تستطيع أن تحكم، هل يحق للمرأة أن تقود سيارتها بمفردها؟".

ويضيف: "على أن هذا النقاش الذي يعيدنا إلى الخلف آلاف السنين يتخذ أشكالا لا تتورع أن تتنصل من الوجود الفيزيائي للمرأة بصفتها فائضا عن الحاجة، وإلا ما معنى الحفاوة البالغة، كما هو الحال في الأردن، بالتشريع سيء الصيت الذي ما يزال عدد واسع من النواب الذين انتخبتهم 52% من النساء الأردنيات متشبثين به، والمتصل بالمادة ( 340) من قانون العقوبات التي تمنح حكما مخففا لقاتل شقيقته أو زوجته أو أمه أو ابنته بذريعة صيانة الشرف".

    ويرى الصحافي والباحث في الأمثال الشعبية حسين نشوان أن المثل الشعبي ليس عشوائيا، بل يعبر عن وجدان عميق في التاريخ، تختلف فيه البيئات والأحداث والمواقف، ويقول: "المثل لا يصدر عن مؤلف واحد، بل أن من صاغ نصه هو الوجدان الاجتماعي وبالتالي لا يرتبط إلا بزمن الوصف، لذلك تتعدد مرجعيات ومصادر وشروط المثل".

    ويؤكد نشوان وهو مؤلف كتاب (المرأة في المثل الشعبي) أن التوصيفات تتناقض، فالمثل الذي يمدح المرأة من الشباك، يذمها من الشباك، ويقول: "لا نستطيع القول بوجود مرجع واحد، فهناك تباين في الأمثال بحسب المجتمع الذي خرجت منه"، وينوه نشوان إلى أن المثل هو أداة تعبير وليس رواية محكمة. فهو على الرغم من جماليات الصياغة لا يتعامل مع مصطلحات السرد، فإذا كان المثل قد قلل من تكريم المرأة فهو بذلك يعكس المجتمع والبنى الاجتماعية التي ظلمت المرأة.

وحول مدى القوة التي يأخذها المثل في المجالس يرى نشوان أن المثل يأخذ دورا قريبا من التشريع، ولا يزال يملك هيمنة وحضور قوي في التأثير على الحياة الاجتماعية، ويشير إلى تأثير المثل في صياغة العديد من القوانين والأعراف في ظل الثقافة المحكية التي عاملت المرأة بدوانية إلى حد التطرف أحيانا كالمثل القائل "اللي بتموت بنته بترقص العذراء على باب بيته" منوها إلى الواقع الاجتماعي القبلي ومشتقاته من الأمثال.

    على صعيد آخر ترى الروائية والباحثة في شؤون المرأة د. رفقة دودين بضرورة تحديد أن هوية المثل الشعبي ينتمي إلى منخفض الثقافة الشعبية برموزه المخفضة ذات الفعالية والتأثير في مجرى الحياة اليومية، وتقول: "في الثقافة الشعبية يدخل الإنسان في مأزق الوعي بوصف أن هذا الوعي هو الأكثر مراوغة بسبب طغيان مفردات وعناوين هذه الثقافة بوجودها في مناطق المابين حيث تشكل الظل الأسود للثقافة النخبوية المركزية السائدة".

   وتضيف: "الرموز المنخفضة في المثل الشعبي ترسم الأدوار وتتحيز ضد المرأة، والمثل الشعبي أحد أهم رموز الثقافة المنخفضة، وهو الذي يكرس مقولة "موت وليتك من حسن نيتك" و"الطول طول نخلة والعقل عقل سخلة". وعلى الرغم من طرافة المثل الشعبي وصياغته ذات الوقع إلا أنني أراه من أهم مفردات الصياغة المميزة ضد المرأة خصوصا تلك الأمثال المدبرة بسخرية مريرة بالتفكه السادي".