‏المهاجرون هم نحن‏

سفينة المهاجرين إلى أميركا "ماي فلور" في البحر – (أرشيفية)
سفينة المهاجرين إلى أميركا "ماي فلور" في البحر – (أرشيفية)
‏‏لورانس ديفيدسون‏ – (كاونتربنش) 3/11/2022 ترجمة: علاء الدين أبو زبنة تشكل نسبة البيض المتقلصة من عدد السكان في الولايات المتحدة سمة مميزة لدوائر الكونغرس التي يسيطر عليها الجمهوريون في مجلس النواب، الذين صوتوا لصالح الطعن في هزيمة الرئيس ترامب الانتخابية… وهو نمط يقول علماء السياسة إنه يُظهر كيف شكّل خوف البيض من فقدان مكانتهم الحركة التي حاولت إبقاءه في السلطة. وتظهر التفاصيل الديمغرافية للسكان البيض الساخطين أن معظمهم من ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي الأدنى. والخوف الناتج عن فقدان السيطرة السياسية لديهم قوي لدرجة أن “الكثير من الأميركيين البيض الذين يشعرون بالتهديد الحقيقي مستعدون لرفض المعايير والأعراف الديمقراطية”.‏ * * * لطالما كانت الولايات المتحدة هي الأمة النموذجية للمهاجرين واللاجئين. وحتى البدو الرحل الذين جاءوا إلى هذه المنطقة عبر جسر “بيرينغ لاند” قبل نحو 18.000 عام، أو على الطوافات العابرة للمحيطات التي اصطدمت بالساحل الغربي، جاءوا كمهاجرين يبحثون عن مراع أكثر اخضرارا. وكان فرانكلين ديلانو روزفلت، الرئيس الثاني والثلاثون للولايات المتحدة (1933-1945) يعرف ذلك عندما ذكَّر في العام 1938 أعضاء “بنات الثورة الأميركية” (1)، منظمة الطبقة العليا المتعالية، بأنهم ينحدرون أيضًا من مهاجرين. ولم يكن أعضاء “بنات الثورة الأميركية” سعداء بذلك. كانوا قد اتخذوا منذ فترة طويلة قرارا جماعيا بأن هذا ليس صحيحا. كان أسلافهم هم الأميركيون الحقيقيون باعتبارهم منشئي الثورة -العمل الأساسي الذي جعل الأمة “الأرض التي باركها الله” المزعومة التي كانتها وستكونها دائمًا. ولم يكن لديهم كثير اعتبار للمهاجرين واللاجئين الذين جاءوا في وقت لاحق. وقد رآهم جماعة “بنات الثورة الأميركية” أناسا متطفلين خطرين، جاؤوا لتلويث وسرقة تراث الأبطال الثوريين. وكان هذا مثالاً جيدًا على الكيفية التي يصنع بها الإدراك المنحرف تاريخه الخاص.‏ خلقت كل موجة لاحقة من المهاجرين الأوروبيين إلى الولايات المتحدة لنفسها نسخة مخصوصة من هذه القصة. وفي غضون جيل أو جيلين اندمج أبناؤهم في ثقافة غربية مؤمركة، وأصبحوا يجيدون اللغة الإنجليزية، وفكروا في أنفسهم على أنهم أميركيون حقيقيون. كما يعني الاندماج في المجتمع الأميركي أيضا الاندماج في تاريخ الولايات المتحدة -الذي أصبح الآن تاريخهم الخاص.‏ كانت المجموعات الوحيدة التي لم تنجح تماما في هذه العملية هي غير الأوروبية: الأميركيون الأفارقة، واللاتينيون، والآسيويون، والأميركيون الأصليون الحقيقيون أيضا. وقد حدت القيود الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي انبثقت عن العنصرية الأميركية البيضاء المستمرة من قدرة غير الأوروبيين على الاندماج وخلقت “آخر” مرهوبًا ومكروها بالنسبة للأغلبية الغربية. وتم عزل المجموعات غير الغربية في ما يشبه الغيتوهات بطريقة أو بأخرى، والتي كان من الصعب تفكيكها ودمجها في المجتمع الأكبر.‏ مع ذلك، بمرور الوقت أصبح وضع هذه الأقليات العرقية أكثر تعقيدًا باطراد. فقد وجدت نفسها شبه معزولة داخل ثقافة أكبر واقتصاد رأسمالي يغريها باستمرار. وعلى الرغم من عدم تمكنها من تحقيق الاندماج الكامل، شرعت ذكريات جذورها العرقية في التلاشي، وكذلك سيطرتها على اللغات غير الإنجليزية التي كان يتحدث بها الأجداد. لكن وضعها كمجموعات منسوبة إلى أصولها العرقية دائم.‏ ‏

استخلاص القوة من جذور المرء‏

كان أحد ردود الفعل على هذا المأزق بالنسبة للأقليات هو أن تقلب الموائد وتحث على أهمية معرفة ثقافتها العرقية الأصلية وتاريخها والاعتزاز بهما. وعلى سبيل المثال، بالنسبة لمجتمع المهاجرين اللاتينيين، سيكون الهدف هو اكتشاف جذور المرء، ليس “كأميركي”، وإنما كأميركي من أصل إسباني/ لاتيني.‏ كان الذي عرّف هذا المأزق وطرح حل “عودة المرء إلى الجذور” هو أرلين دافيلا، المديرة المؤسِسة لـ”مشروع اللاتينية” بجامعة نيويورك. و”اللاتينية” Latinx مصطلح “يشير إلى الانفتاح على الشمولية الجندرية والاعتراف الضمني بتنوعنا العرقي والإثني”. وتشير دافيلا، في مقال نشر في صحيفة “نيويورك تايمز” في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2022، بعنوان “ما لا يعرفه طلابي عن تاريخهم الخاص”، إلى أن العديد من طلابها اللاتينيين “يتلقون أول مقدمة رسمية لهم حول جذورهم العرقية الخاصة -عن اللاتينيين الذين كان لهم دور في صنع تاريخ الولايات المتحدة- في فصولها الجامعية والفصول الشبيهة الموجودة في جميع أنحاء الولايات المتحدة التي تم إنشاؤها في السنوات العشرين الماضية فحسب”.‏ ولا تعتقد دافيلا أن هذا مُرضٍ. وتبني جزءًا من قضيتها على التركيبة السكانية. “اللاتينيون، الذين يشكلون 19 في المائة من سكان الولايات المتحدة” ما يزالون “ممثلين تمثيلاً ناقصًا إلى حد كبير في الأوساط الأكاديمية، وغرف الأخبار، والنشر، وأفلام هوليوود والتلفزيون وأكثر من ذلك”. وتعتقد دافيلا أن “الاستثمار في برامج الدراسات اللاتينية” هو خطوة ضرورية نحو تصحيح هذه المشكلة. وفي الوقت الحاضر، كما تخبرنا، “هناك أقل من 90 برنامجًا تقدم تخصصات في الدراسات اللاتينية لدى ما يقرب من 3.000 مؤسسة للتعليم العالي في جميع أنحاء البلاد”.‏ ‏ قد يعتقد المرء أن 90 برنامجًا هو رقم تأسيسي جيد، باستثناء حقيقة أن “الأميركيين من أصل لاتيني هم المجموعة الديمغرافية الأسرع نموا في الجامعات الأميركية”. وفي ظل هذه الظروف، تعيب دافيلا أيضًا عدم وجود أعضاء هيئة تدريس من أصل لاتيني. “من المرجح أن يرى الطلاب الملونون أشخاصًا يشبهونهم في الوظائف الكتابية والخدمية أكثر مما يرونهم في المستويات العليا من الأوساط الأكاديمية”.‏ كأكاديمية ولاتينية، تركز دافيلا على مشكلة الوصول المفتوح للطلاب غير الأوروبيين. “يجب أن نتحدى التخصصات التقليدية التي ما تزال عنيدة على التغيير، ويجب أن نغذي المساحات متعددة التخصصات، مثل الدراسات العرقية، التي كانت في طليعة الابتكار في الجامعات الأميركية.” وفي حين أن هذا أمر مهم بطبيعة الحال في السياق المحدد للتعليم العالي، إلا أنه استراتيجية لا يمكنها، بمفردها، تحقيق أهدافها العامة -ولا أهداف المجموعات العرقية الأخرى في نفس الوضع، والممثلة تمثيلاً ناقصا هي الأخرى.‏ ‏

المقاومة المحافظة‏ ‏

تقف دافيلا في مواجهة معارضة محافظة هائلة في تلك الأماكن التي فيها وجود كبير من أصل إسباني -أماكن مثل تكساس وأريزونا، من بين أماكن أخرى. إنه هنا حيث أصبح التركيز على التاريخ العرقي شيئًا غير أميركي تقريبًا، والذي يتم تشجيع المعلمين على تجنبه. فالمحافظون، الذين يسيطرون على العديد من حكومات الولايات الجنوبية والجنوبية الغربية، لا يريدون عمومًا التنويع كما ينعكس في الدراسات العرقية. إنهم يريدون التوحيد من خلال التدريس الموحد والمعياري للميثولوجيا التاريخية التقليدية.‏ على المدى الطويل، ربما يخوض المحافظون معركة خاسرة هنا. لماذا؟ أكثر شيء بسبب التركيبة السكانية. بعيدًا عن حرمان الجميع باستثناء البيض الذين يفكرون كما يفعلون، لا توجد طريقة لأن لا يفضي التحول التدريجي في القوة التصويتية إلى تحريك القانون والسياسة لصالح دافيلا.‏ ‏ لكنَّ هذا قد لا يكون عزاء يُذكر في المستقبل القريب. وقد أنتجت صحيفة “نيويورك تايمز”، على الرغم من كل إخفاقاتها العديدة، مقالة ممتازة عن نفسية هؤلاء البيض الذين يدعمون الحزب الجمهوري الحالي. والعنوان واضح تمامًا: “أميركاهم تختفي. مثل ترامب، يصرون على أنهم تعرضوا للخداع”.‏ لطالما عرف شمال شرق الولايات المتحدة، فضلاً عن معظم المدن الكبرى في البلاد، تحولات ديموغرافية تعكس التنوع العرقي. وترجع بعض هذه التحولات إلى حركة السكان الداخلية، لكنَّ التدفقات المتكررة للمهاجرين كانت شائعة أيضا. وحتى وقت قريب، لم يكن هذا هو الحال بالنسبة للبلدات والمدن الصغيرة المنتشرة في الجنوب والغرب. ونتيجة لذلك، فإن الحركة الحالية لغير البيض، بمن فيهم المهاجرون واللاجئون أيضا، إلى هذه الأماكن تأتي بمثابة صدمة حقيقية ويتم الشعور بها على أنها تهديد حقيقي. “تشكل نسبة البيض المتقلصة من عدد السكان (بشكل عام، سيشكل الأميركيون البيض غالبية الناخبين لأكثر بقليل من العقدين المقبلين) سمة مميزة لدوائر الكونغرس التي يسيطر عليها الجمهوريون في مجلس النواب الذين صوتوا للطعن في هزيمة الرئيس ترامب، كما وجد تحليل لصحيفة “نيويورك تايمز” -وهو نمط يقول علماء السياسة إنه يظهر كيف شكّل خوف البيض من فقدان مكانتهم الحركة للإبقاء عليه في السلطة. وتظهر التفاصيل الديموغرافية للسكان البيض الساخطين أن معظمهم من ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي الأدنى. والخوف الناتج عن فقدان السيطرة السياسية قوي لدرجة أن “الكثير من الأميركيين البيض الذين يشعرون بالتهديد الحقيقي على استعداد لرفض المعايير والأعراف الديمقراطية”.‏

كلام فارغ عن حرب أهلية‏ ‏

ثمة الكثير من الحديث الفارغ عن “حرب أهلية” أخرى آتية من بعض هؤلاء الأميركيين البيض المحبطين. لكن من الصعب إعطاء مصداقية لمثل هذا الشكل من التنفيس. لماذا؟ لأن مستوى القوة المسلحة الذي يمكن للمحافظين الراديكاليين أن يعرضوه ضئيل للغاية، وعدم قدرتهم على الرد بطريقة منظمة على التحركات القمعية للحكومة الفيدرالية بعد ثورة 6 كانون الثاني (يناير) يتحدث عن ضعفهم الجماعي النهائي. وهذا لا يعني أنهم غير قادرين على القيام بأعمال عنف متفرقة.‏ لطالما عرَّف العنف جزءًا من الشخصية الأميركية –الآن أكثر من أي وقت مضى. وحتى الآن، تظل حوادث العنف مبعثرة، ولكنها تزداد تواترًا. ومن الجدير بالذكر أن الضحايا دائمًا تقريبًا هم أشخاص أبرياء وغير مسلحين. وإذا حدث أن تغير هذا في اتجاه شن هجمات أكثر تنسيقًا على أفراد الحكومة وحدث ذلك بينما يسيطر المحافظون الفاشيون الجدد على حكومات المدن، ومجلسي الكونغرس، والبيت الأبيض، فسوف نكون جميعًا في ورطة.‏ حتى الآن، لم تصل الأمور إلى هذه النقطة. ثمة في الوقت الحالي تحول تدريجي إلى القيم الفاشية الجديدة وفرضها على المجال العام في ولايات انتقائية. ويحدث هذا وسيستمر في الحدوث طالما كانت هناك مجموعة فرعية بيضاء محافظة يمكنها التحكم في نتائج الانتخابات. ويجري اختبار هذه القدرة في جميع أنحاء البلاد. هذه العملية هي ما يجعل الولايات المتحدة تبدو أمة على وشك التفكك.‏ إذا كان الناس متماثلو الفكر مع أرلين دافيلا في هذا البلد يريدون النجاح لبرامجهم للتنويع العرقي، فيجب عليهم التركيز على أكثر بكثير من مجرد تمويل التعليم العالي. يجب عليهم التأكد من حشد مجتمعاتهم العرقية في كتل منظمة من الناخبين، ثم عقد تحالفات مع مجموعات أخرى ذات أجندات مماثلة. وجنبًا إلى جنب مع البيض التقدميين، يجب عليهم كنس المتطرفين المحافظين، الفاشيين الجدد، إلى خارج الحكومة. وعند تلك النقطة قد يكون هناك رد فعل عنيف، ولكن ليس بما يكفي لإحداث أي فرق طويل الأجل.‏ وبينما يعكفون على ذلك، يمكنهم إصلاح مجموعة من العلل الحكومية الأخرى. من مجالس المدارس، إلى المجمع الانتخابي، إلى تعيينات المحكمة العليا، إلى التلاعب بالدوائر الانتخابية والتلاعب بالتصويت، إلى الانتخابات التي غالبا ما يشتريها الأثرياء، تبقى حكومتنا فاسدة بوضوح. ومع ذلك، يمكن لأرلين دافيلا أن تفوز إذا تمكنت هي والتقدميون من أمثالها من التنظيم بشكل كاف. كان هذا هو واقع الحال دائمًا في السياسة الأميركية. *‏لورانس ديفيدسون Lawrence Davidson: أستاذ متقاعد للتاريخ في “جامعة ويست تشيستر” في ويست تشيستر، بنسلفانيا.‏ *نشر هذا المقال تحت عنوان: Immigrants Are Us هامش: (1) “بنات الثورة الأميركية” هي منظمة خدمية ذات عضوية قائمة على النسب إلى النساء المنحدرات مباشرة من شخص مشارك في جهود الولايات المتحدة نحو الاستقلال. وهي مجموعة غير ربحية، تروج للتربية والوطنية، تأسست في أوخر القرن التاسع عشر. وتقتصر عضوية المنظمة على أحفاد الجنود المباشرين أو غيرهم من أبناء الفترة الثورية الذين ساعدوا في قضية الاستقلال. يجب أن يكون المتقدمون للعضوية قد بلغوا 18 عامًا من العمر ويتم اختبارهم على مستوى الفصل للقبول. لدى المنظمة نحو 185 ألف عضو في الولايات المتحدة ودول أخرى. اقرأ أيضا في ترجمات:اضافة اعلان