ثورات عربية مائة بالمائة

النطاق الذي تتحرك فيه تحليلات بعض القومجيين والثائرين المتقاعدين والثوار الكتبة والكسبة، تلقي بالثورات العربية الحالية في سلة ما سمته أميركا ذات يوم كانت تزدهي فيه بقوتها الغبية بـ"الشرق الأوسط الجديد".اضافة اعلان
وعلى طول تنظيرات كوندوليزا رايس وربعها الذين كانوا يستقتلون للتحديق في سيقانها، لم تفلح أميركا ولا غيرها في صناعة شرق أوسط جديد، بل بقي كل ما نعرفه عن ذلك الشرق، مسكونا بتخلف واضعي نظريته، وبتخلفه ككيان جغرافي واجتماعي وسياسي، وتردي أحواله من كل الجهات.
ورغم ذلك، لا يريد قومجيونا وثوريونا، تصديق أن الثورات العربية، هي عربية مائة بالمائة، وخالصة إلى وجه الأمة العربية، وأن الانزياحات التي تحدث في نطاقها ولا تعجبهم، هي عربية تماما، وأي تحليل علمي، ستتكشف له فعلا عروبة هذه الثورات بكل تناقضاتها وإيجابياتها وسلبياتها، وأنها ليست ذاهبة إلى شرق أوسط جديد على الطريقة الأميركية، بل هي ذاهبة إلى تحرير العرب من عصابات الحكم الفاسدة.
إن أدوات قراءة إحداثيات الثورات العربية اليوم، لا تصلح لها أدوات سابقة عجزت لعقود طويلة عن استفزاز شارع صغير في حي عربي صغير، ليحتج على ارتفاع سعر سلعة ما.
ولكن هذا المنطق، يبدو غير مقبول لدى ثوريينا الذين دعوا إلى هزيمة الإمبريالية ذات قحط ولم يهزموها، ودعوا إلى وقف المد الرأسمالي ولم يفلحوا بشيء، ويريدون نقل عدوى سطحيتهم وعدم قدرتهم على الفعل الخلاق وإنتاج الثورة على الظلم والفساد، إلى الثورات العربية التي لم تتعقد بقراءة نظريات الثورة، ولا بجدلياتها وحتمياتها، بل ذهب الثوار العرب اليوم إلى الميدان لتطبيق ما يرونه ثوريا بالفطرة، ومن دون أن يخرجوا من معطف أحد.
لقد صنعوا ثوراتهم بأيديهم، بدقة تصويبهم إلى الألم والوجع والفساد والقمع، ومعرفة مواطنه، ولم ينتظروا أيا من أولئك المثبطين أن يمنحوهم الإذن بالثورة، وصناعة المستقبل.
وفي ظل رداءة التعقيبات التي تتناول الثورات العربية، وتحاول الحط من شأنها، وتكريس كل وقتها لتجيير منجزها للتدخلات الأميركية وما شابه، يبدو أن جيلا كاملا من الثوار الكتبة والكسبة، عليه أن يستقيل تماما من ثوريته، وأن يقف متفرجا وألا يتدخل بما يقدم عليه جيل الفعل والعمل.
ثمة اليوم منطقة وعي جديدة، لا يهمها حجم القوة الأميركية، ولا حجم أجهزة الأمن في هذا البلد أو ذاك، ولا تكتيكات حرب الغوار في بوليفيا، بقدر ما يهمها أن تسقط نظاما فاسدا، وتضع حدا لطغم سرقت البلاد وأهلكت العباد.
الأدوات التي يحملها جيل الثورات العربي الجديد، لا يمكن أن يقبل بها جيل الهزائم العربية، أو أن يحملها إلا إذا تخلص هذا الجيل من حمولات تنظيراته التي لا يمكنها أن تطابق الواقع، ولا حتى أن تقترب منه، فقد بقيت واهية وغير مجدية حتى في الزمن الذي أنتجت فيه، فلماذا تستعاد اليوم لتحبط أملا نهض وكله جذوة لا تنتظر بل تعمل وتثور وتنقضّ على الظلم والديكتاتوريات من دون خوف أو ترقب؟!