حول الثقة "الذهبية"

عام 1995  كنت ممن غطوا الاستفتاء الأول على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وبلغت نسبة من قالوا نعم تسعة وتسعين في المائة وكسورا، وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب عزت الدوري وأعلنت فيه النتائج سأل صحافي أجنبي -على سبيل التندر– ماذا تقول بحق زهاء ثمانمئة مواطن قالوا لا لسيادة الرئيس؟ الإجابة المتوقعة كانت أن هؤلاء أقلية لها رأي آخر نحترمه والأكثرية الساحقة قالت نعم. الإجابة كانت مفاجئة، قال السيد النائب إن هؤلاء الخونة سنعرفهم -حال دون ذلك سرية الاستفتاء !- وسيلقون مصيرهم.

اضافة اعلان

بعدها بخمس سنوات أتيح لي أن أغطي الاستفتاء الأخير، وخطر لي أن أكرر السؤال ذاته. لكن المفاجأة حالت دون ذلك فقد حصل الرئيس الراحل على مئة في المئة من الأصوات! لست بمعرض محاسبة نظام رحل له ما له وعليه ما عليه، وأفضى رئيسه إلى إله عادل سينصفه وينصف شعبه، ولكني أتحدث عن آليات تصويت شمولية تغري بعض الديموقراطيات الناشئة.

لا يحتاج رئيس الحكومة إلى ثقة " ذهبية " ولا " فضية "، يحتاج ثقة حقيقية سواء من النواب أو من الشارع. وكل الحكومات في الأردن تستقبل باحتفاليات تجعلها تظن أنها قادرة على اجتراح المعجزات. هنا في "الغد" كتبت عند تشكيل حكومة الدكتور معروف البخيت عن ظاهرة " أصدقاء السيد الرئيس"، وهي ظاهرة لا تتوقف فيكثرون عند التشكيل ويقلون عند الرحيل.

88 % من أصوات النواب مقابل 62 % من ثقة الرأي العام بحسب استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية. ومع أنه لا يمكن تقرير مصير حكومة بناء على استطلاع رأي، لكن المؤشر الذي يتركه الاستطلاع خطير جدا. فمنذ بدء إجراء الاستطلاع عام 1996 ومؤشر الثقة يتجه إلى تراجع، اتجاه معاكس للتصويت في مجلس النواب الآخذ بالارتفاع، ولا ندري هل سيأتي يوم نصل فيه إلى الأرقام الشمولية؛ التسعات والكسور؟

لا يتقدم رئيس الحكومة إلى كلية الطب ليحصل على معدل تسعيني، هو يقود بالأكثرية، وقد يفقدها ويمضي في الاتجاه الصحيح ولو أشرت استطلاعات الرأي إلى تراجع شعبيته. دولة العدو لم تعرف رئيسا مثل اسحق رابين، فهو عند قومه القائد العسكري الذي استعاد القدس، وهو القائد السياسي الذي صالح الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية. لم يحصل قائد مثله على ثقة تسعينية. كانت،حكومته تحكم بفارق صوت عن المعارضة.

تقاس قوة الحكومة من قوة معارضيها، انهيار الثقة في الحكومات الأردنية رافقه، بحسب استطلاعات المركز، انهيار مواز في الثقة بالأحزاب السياسية. وفي مؤسسة مجلس النواب. على الحكومة أن تعيد بناء المؤسسات السياسية؛ مجلس نواب وأحزابا. ولا يتم ذلك بغير قانون انتخابات، لا أقول عصريا لأن هذه الكلمة غدت تثير السخرية، ولكن أقول قانون انتخابات مختلط بحسب ما توافقت الأجندة الوطنية. والأهم من القانون انتخابات نزيهة.

أولوية الحكومة ليس قانون انتخابات، بالكاد تستطيع إطعام الناس، وعليها الاهتمام بالاستثمار الذي يجلب الازدهار، نظرية كهذه أثبتت عقمها. والأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ العام 1989 لم تكن أسبابها الديمقراطية الزائدة! وكل مجالس النواب منذ ذلك العام مررت كل قوانين الانفتاح الاقتصادي وما لم يمرر في المجلس مر قانونا مؤقتا في غيابه. 

على كل حال، سيظل المواطن بانتظار الازدهار الاقتصادي، ولو أتى فلن يندم على الانهيار السياسي. وسيعيد انتخاب من منحوا الثقة وسيحجبها عن الأقلية البائسة التي لا تزال تتحدث بالسياسة، أعني جبهة العمل الإسلامي!

[email protected]