دحر الفساد بدحر الاستبداد

الرئيس حسني مبارك ونجلاه وراء القضبان بتهم الفساد وربما المسؤولية عن قتل متظاهرين. ولا في أكثر الأحلام شططا كنّا سنتخيل هذا يحدث في عالم العروبة. طبعا حدث أن ألقي القبض على رؤساء وسجنهم بل وإعدامهم، لكن من زملائهم العسكر الانقلابيين الذين ينتزعون السلطة بصورة لاشرعية لإقامة حكم استبدادي فاسد أيضا.اضافة اعلان
لا تراودنا مشاعر الشماتة بل نكاد نشعر بالأسى على إذلال رئيس بحجم حسني مبارك، لكن القضية أكبر وحساباتها أعظم وهي ترسم ملامح المسار الجديد الذي أعقب الثورة العظيمة، وهي من النوع الذي يجعل الإنسان العربي يرفع رأسه بكل اعتزاز وكرامة أمام العالم بعد أن شبع مهانة وذلا، وهل أكثر مهانة وخجلا لشعب من أن يكون حاكمه على مدار أربعين عاماً هو القذافي؟!
لقد أظهر استطلاع في الولايات المتحدة مؤخرا كم تغيرت صورة الشعوب العربية في عيون الرأي العام هناك، والأثر المذهل للثورات الشعبية السلمية الديمقراطية التي انخرطت فيها الشعوب. خلال أسابيع تحول مذهل فاق كل التوقعات. ليس الكثير من الاحترام فقط بل أيضا الكثير من الإعجاب.
على طريقة الإصلاح عندنا من دون ثورة تبدأ على ما نرى الحرب على الفساد ايضا. وقرأنا أمس خبر القبض على المهندس أكرم أبو حمدان، ونحن لم نكن نطمح لوقت مضى سوى بشيء من الرقابة على شركة "موارد" التي يديرها، وكانت تدخل ضمن الخطوط الحمراء المحرمة باعتبارها ذراعا استثمارية للقوات المسلحة. وهنا أيضا لا نحمل أبدا أي مشاعر بالشماتة أو رغبة في تقديم الأضاحي لإرضاء الرأي العام، فقضيتنا هي أن ننهض بمشروع الإصلاح الشامل من دون حاجة لقيام ثورة شعبية. والحق أن الشعب ما يزال يراهن بالفعل على هذا، لأن أفكار الإصلاح المطروحة ومن الملك شخصيا سابقة حتّى على الثورات الأخيرة، مع أنها أخذت دفعة جديدة وتسارعا بفعلها بما في ذلك مكافحة الفساد، وهو عنوان رئيس يعطي الدليل الحاسم على إرادة التغيير حيث لا كبير على المساءلة والرقابة سوى الملك الذي أعطى لهيئة مكافحة الفساد كما يتضح ضوءا أخضر ساطعا لمتابعة كل القضايا بلا استثناء، ولا بد أن سيقانا كثيرة ترتجف الآن وغيرها سيرتدع بعد أن أصبح التحايل والإثراء الطفيلي من الدولة وعلى حسابها سنّة سائرة لم تردعها نصف الديمقراطية التي عشنا معها منذ العام 1989.
على الطريق أيضا لجان التحقيق النيابية في العديد من الملفات، وعلى رأسها قضايا الخصخصة، وقد لا يكون لدى النواب الأذرع التحقيقية المناسبة لكن لدى ممثلي الشعب الإرادة والقدرة على التدقيق في التفاصيل لشمّ أي رائحة مشبوهة، ومن ثم تحويل الأمر رسميا إلى مكافحة الفساد.  بعد ذلك سيكون النواب أمام استحقاقات سياسية لمأسسة الشفافية وأنظمة المساءلة والرقابة، حيث يؤشر ما سيكتشف في الأيام المقبلة على كل ما يجب مراجعته في الأنظمة والقوانين والأعراف لمنع الفساد، بل ما يجب مراجعته في الدستور أيضا مثل محاكمة الوزراء.