رمضان شهر العطاء والجود

من مظاهر الجود التكفّل بعلاج مريض فقير، أو تدريس طالب مسكين، أو تزويج شاب محتاج - (تصوير محمد أبو غوش)
من مظاهر الجود التكفّل بعلاج مريض فقير، أو تدريس طالب مسكين، أو تزويج شاب محتاج - (تصوير محمد أبو غوش)

إعداد:  محمود قدوم
يعد شهر رمضان شهر الجود والعطاء، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان. روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فلرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسَلة".اضافة اعلان
وممّا ورد في الحديث أنّه صلى الله عليه وسلم كان يجالس جبريل عليه السلام، ممّا يدل على أهمية الجليس خاصة بالنسبة للمؤمن فالمؤمن الغني الذي يجالس أهل الدنيا، لا يجد إلا المفاخرة بكثرة الأموال، فيتأثر بذلك ويزداد طمعاً ويصبح همُّه مجاراة مَن فوقه من الأغنياء. أما من يجالس أهل الخير، فإنّهم يذكرونه بالله سبحانه وتعالى والدار الآخرة، ويدلونه إلى الطريق الصحيح والنهج السديد في التصرف بهذه الأموال، ويقربونه إلى ربه وما أعده من النعيم لعباده المحسنين، الذين ينفقون أموالهم في السرّاء والضرّاء. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ياعائشة استتري من النار ولو بشق تمرة، فإنها تسدّ من الجائع مسدها من الشبعان". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر".
وممّا ورد في فضل الجود قوله تعالى:{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}سورة البقرة(261). وقوله تعالى:{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}  سورة البقرة(265). وقوله تعالى:{الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} سورة البقرة (274).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما من يومٍ يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً). وقال صلى الله عليه وسلم:(ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة). 
مظاهر الجود في الشهر الفضيل
كثير من الناس حصر جوده في رمضان فيما يُسمى بإفطار الوالدَيْن، أو الأهل والأقارب المقرّبين، ونسي مَن يقوم بهذا الفعل أنه قصر مظاهر الجود في صناعة الطعام، وللمقرّبين فقط، ثم إنّ الطعام قد يؤكل وقد لا يؤكل، خاصة أن بعض الناس يصنع الطعام، ثم يبحث عمّن يأكله، ولمّا كان الخير يعم في هذا الشهر، فقد يضطر إلى رميه والتخلص منه.
لهذا، فلا بد من التذكير بأنّ مظاهر الجود في الشهر الفضيل متعدّدة، ومنها:
- الجود على المحتاجين من الفقراء وفق قاعدة "الأقربون أولى بالمعروف"، ورصد من هم أشدّ حاجة.
- المساهمة في موائد الإفطار الرمضانيّة التي تستهدف الفقراء والمحتاجين ومَن تقطّعت بهم السُبل. قال النبي صلى الله عليه وسلم (من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء).
- المساهمة في الجمعيّات الخيريّة التي توزّع طرود الخير على المحتاجين، وتسهم في متابعة أحوالهم ومعرفة حاجاتهم ومطالبهم.
- التكفّل بعلاج مريض فقير، أو التكفّل بتدريس طالب فقير، أو تزويج شاب فقير...
- المساهمة في مراكز تحفيظ القرآن الخيرية، التي تقوم بتوجيه الفتيان والشباب التوجيه الإسلامي الصحيح بناء على دستور المسلمين "القرآن الكريم".
وهذا المال الذي تجود به في الشهر الفضيل قد يُسهم في شراء حقائب يحملها أولاد الفقراء كل يوم إلى مدارسهم، مملوءة بالكراريس والأقلام وأدوات العلم.. وشراء كسوة يتزين بها الطلاب والطالبات من أسر المحتاجين في مدارسهم، تدفع عنهم نظرات الانتقاص من باقي زملائهم وزميلاتهم، وتشعرهم بالغنى الذي يتلهفون إليه.. وأدوية تعجز أيدي المساكين عن شرائها، مع حاجتهم الضرورية إليها، ومكيفات في بيوت الله تريح المصلّين، وتعينهم على طاعة الله.. وغيرها من وجوه الخير.
لذلك يقول الله عز وجل:{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، لكنّ من أبرز عوائق الجود والإنفاق وسوسة الشيطان التي أشار إليها الله تبارك وتعالى في قوله:{الشيطان يعدكم الفقر}، حين ينسى المسلم بسببها وعد الله تعالى: {والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم}، ويقول عز وجل: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه}. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"ما نقص مال من صدقة".
وهناك بعض الأحكام المتعلقة بالزكوات والصدقات التي لا بد للمؤمن أن يعرفها، ومنها:
1 -  الزكاة الواجبة لا يجوز صرفها في غير الأصناف الثمانية المذكورين في سورة التوبة قال تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} سورة التوبة (60). والزكاة الواجبة تختلف عن الإنفاق في وجوه الخير ولها أحكام خاصة.
2 -الأفضل أن ينفق الإنسان من أفضل ماله لقوله تعالى:{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} سورة آل عمران (92)، فإن أعجزه ذلك فليتوسط ولا يبحث عن الرديء من ماله لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}  سورة البقرة(267).
3 - ينبغي ألا يمنَّ الإنسان على الفقير بما كان يعطيه إياه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} سورة البقرة (264)، ولقوله تعالى:{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} سورة البقرة(263).